Al-Quds Al-Arabi

ما الذي تخشاه إسرائيل من الانتخابات الفلسطينية؟

- *رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

يســود في إســرائيل قلــق متزايد من احتمــال فــوز حمــاس فــي الانتخابات الفلســطين­ية، وتقــوم المؤسســة الأمنية بتوجيه التحذيــرا­ت من هــذه الإمكانية إلى قيادة الســلطة الفلســطين­ية في رام اللــه وإلى أجهزة المخابــرا­ت والقيادات السياسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتفضّل إســرائيل بقاء الوضع الراهن كمــا هو عليه، حيث تحقق الأجهزة الأمنية رغبتها في اســتمرار الاستقرار والهدوء النســبي، ويحقق نتنياهو مبتغاه في تواصل حالة فلسطينية من الانقســام والتهميش، وغياب التحدّي السياسي. وتفضّل إسرائيل كذلك عدم التدخل المباشر والفظّ لإفشال الانتخابات، خشــية من ردود الفعــل العالمية، لكنّها تحــاول أن تفعل ذلك، بداية على الأقل، بوســائل ناعمة، عبر الســعي لإقناع القيادة الفلســطين­ية بفرملة المســار الانتخابي، مع إبداء الاســتعدا­د لتوفيــر «التبريــرا­ت» اللازمة لذلــك. وإذا لم تثمر مســاعي «الإقناع»، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الإســرائي­لية، تقترب ساعة القرار السياسي الإســرائي­لي بكل ما يخص الانتخابات الفلســطين­ية، بالســعي الفعّال لمنعها أو بالســماح بإجرائها، وســيخضع هذا القرار لتوصيات الأجهزة الأمنية، التي تتعامل مع هذا الموضوع وحدها، حتى الآن.

في ميزان الربح والخسارة، ترى إســرائيل أن الانتخابات الفلســطين­ية تحتمل احتمالا كبيرا للخسارة، واحتمالًا ضئيلًا لبعض المكاسب. ويجري حساب الربح والخسارة هنا انطلاقاً من الهدف المركزي وهو، إســكات الصوت الفلســطين­ي تماماً، واســتمرار الهــدوء الأمني النســبي، وإغلاق البــاب أمام أي تحرك سياســي دولي ضاغط على إسرائيل، ومواصلة تطبيق مشروع الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني، وحصر القضية الفلسطينية في مجالات الأمن والاقتصاد لا غير.

تحلم بعض الأطراف الأمنية والسياسية في الدولة العبرية، بتحقيــق بعض الأرباح مــن الانتخابات، وتأمل فــي أن تأتي بما تســميه «قيادة فلسطينية أكثر شــباباً وأكثر اعتدالا وأكثر واقعيةً»، وترجمة ذلك بشكل أوضح «قيادة لا تعمل بالسياسة، وتهتــم بتطوير الاقتصاد والاســتفا­دة من الفــرص الإقليمية الجديدة، وبتوفير الأمن للفلســطين­يين وللمستوطني­ن على حد سواء». قد نفهم مصطلح «أكثر شباباً»، لكن من الصعب أن يمتد خيالنا الشرقي الخصب إلى التقاط صور وتجليات تعبير «أكثر اعتدالاً وبراغماتيةً»، بعد أن وصلت التنازلات الفلسطينية إلى قاع البئر. في كل الأحوال تعرف غالبية الأطراف في إســرائيل أن هذا الأمر بعيد المنال وقليل الاحتمــال، ويذهب بعضهم إلى ضرورة الذهاب باتجاه أكثر ليونة، بتقدير استحالة صعود مثل هذه القيادة الفلســطين­ية، وتذهب القوى السياسية اليمينية المتنفّذة، التي فازت قبل أيّام بأغلبية ســاحقة في الكنيســت، إلى أن هذا ممكن في المستقبل، شرط التمسك بسياسة «الحائط الحديدي »، التــي دعا إليها الزعيم التاريخي لليمين الصهيوني زئيــف جابوتنســك­ي، والتي تســتند إلى ترك الفلســطين­يين يضربون برؤوســهم الحائط الصهيونــي الصلب، حتى تنهك قواهم وييأسوا من إمكانية تغيير الموقف الإسرائيلي، ويقبلوا بالأمــر الواقع، ويصبحــوا «أكثر واقعيــة وبراغماتية». ومن الواضح لهؤلاء أن الأمور في الانتخابات الفلسطينية القريبة، لا تتوجّه بهذا المنحى، بل ربما تســير بالاتجاه المعاكس، وتفوز فيها قوى «أقل واقعية»، وهذا ما تخشاه إسرائيل.

لم تكن القضية الفلســطين­ية حاضرة في المعركة الانتخابية الإســرائي­لية، وجــرى التركيز فيهــا على قضايــا أخرى، في مقدمتها قضايا الفساد ومحاكمة نتنياهو، والأزمة الاقتصادية والصحية، والتوتــر بين القوى العلمانيــ­ة والدينية. لكنّ هذا التهميش هو على الســطح فقط، فالهوية السياســية للأحزاب الإســرائي­لية، وبالأخص اليمينية منها، مســتمدة اساسا من الموقف من القضية الفلســطين­ية. هو تهميش سياسي مقصود وجزء من مشــروع «الإبادة السياسية» للفلسطينيي­ن، وحصر قضيّتهم بالبعــد الأمني والاقتصادي. وعليــه يجري التعامل مع القضية الفلســطين­ية كقضية أمنية لهــا أبعاد اقتصادية مع مســعى لنزع بعدها السياســي. لم تكن هناك تحــركات، ولم تصدر تصريحات ولا حتى تســريبات سياســية إســرائيلي­ة بشأن الانتخابات الفلســطين­ية، واقتصر التوجه الإسرائيلي علــى الجانب الأمني، حيــث كانت هنــاك تصريحات لضباط، ومقــالات وتحليــات للمهتمــن بالشــأن الأمنــي، ولقاءات لمسؤولين أمنيين إســرائيلي­ين مع قيادات سياسية فلسطينية، لتحذيرهــا من احتمال فوز حماس، ومن أن إســرائيل لن تقبل أن تتعامل مع أي حكومة فلســطينية لا تقبل بشروط الرباعية، بكل ما يخص الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيا­ت الموقعة

ونبذ ما يســمّى بالإرهاب. حتى لو انشغلت القيادة السياسية الإســرائي­لية بالانتخابـ­ـات الداخليــة، وبتشــكيل الحكومة الجديدة، فإن إســرائيل مهتمة جدّا بالانتخابا­ت الفلسطينية، وأكثر بكثير ممــا يظهر على الملأ. وهنــاك توجّس وقلق من أن تؤدّي هــذه الانتخابات إلــى زعزعة الاســتقرا­ر القائم، وإلى انهيار التنســيق الأمني بصيغته الحالية، وإلى خلق تحديات سياسية جديدة ليســت في صالح إسرائيل. من نافل القول إن لإسرائيل قدرة على التأثير في مسار الانتخابات الفلسطينية، تبعا لمصالحها ولمخاوفهــ­ا ولتقديراته­ا، وهنــاك حاجة لرصد الموقف الإســرائي­لي، والاســتعد­اد لمواجهة محاولات التعطيل الإسرائيلي­ة، ولربما تكون هناك فرصة لتحويل الانتخابات إلى مسار تحدٍّ ومواجهة مع الاحتلال.

ما الذي تخشاه إسرائيل إذن؟

أولًا: هــي تتوجّــس مــن إمكانية فــوز حركــة حماس في الانتخابــ­ات، كما حــدث فــي انتخابــات 2006، والتي جرى إســرائيلي­ا تلخيص الســماح بهــا كخطأ كبير. وتخشــى من أن يكــون لحماس وأذرعها العســكرية موطئ قــدم في الضفة الغربية، بكل ما يحمله ذلك من تحديات أمنية غير مسبوقة.

ثانيا: رعاية الانقســام الفلســطين­ي هي مــن أهم مقومات السياسة الإسرائيلي­ة في السنوات الأخيرة. ويعتبره نتنياهو حجــر الزاوية في تعامله مع القضية الفلســطين­ية، ويســعى بطــرق مختلفة لإبقائه وتعميقه. هناك خشــية مــن أن تكون الانتخابات مدخلا لمسار إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة موحدة تســعى إلى تغيير الوضع القائم، وتضع تحديات جديدة أمام دولة الاحتلال.

ثالثا: تريد إسرائيل قيادة فلســطينية ضعيفة أمامها وأمام العالم وقوية على شــعبها، وعندها قدرة على ضبط الشــارع الفلســطين­ي، وتوفير الهدوء الأمني. هناك ســطوة وشرعيّة ومصداقية وقبــول، وبالتالي قوة أكبر أمام العالم للأجســام المنتخبة ديمقراطيا. وبعد أن دأبت إســرائيل على مدى سنوات طويلة على إضعاف القيادة الفلســطين­ية، فإن الانتخابات قد تفسد عليها ما كسبته من هذا الإضعاف.

رابعا: ترى إسرائيل أن أي مســار ديمقراطي عربي حقيقي ليس في صالحها، لأن الشــعوب أشــدُّ رفضا لها من القيادات. وهــي تعلم جيّدا أن الشــعب الفلســطين­ي يحمل موقفا أشــدُّ عداء لها من قياداته الرســمية، وتخشــى أن تفضي انتخابات ديمقراطية إلى اتباع سياسة مواجهة الاحتلال وإلى إنهاء حقبة التنسيق الأمني.

خامسا: تخشى إسرائيل من أن يؤدّي المسار الانتخابي الى ترشيح مروان البرغوثي للرئاسة، خاصة أن تقديراتها هي انه

سيفوز إذا ترشّح. لقد التقيت مروان البرغوثي في سجنه عدة مرّات عشــية الانتخابات الرئاسية الفلسطينية عام 2005، وقد ســمعت منه بداية أسباب ترشّــحه، وبعدها عن نيّته العدول عن الترشــح، وكانت لديه أســباب وجيهة، لكن هذه الأسباب غير قائمة الآن، ومن المرجح انه سيترشــح ولــن يتراجع عن الترشــيح. في هذه الحالة ستســعى إســرائيل الــى تعطيل الانتخابات الرئاسية، لأن رئيس فلسطيني منتخب في السجن هو «وجع راس» كبير ستسعى إسرائيل إلى الوقاية منه. وربما تسعى إســرائيل لتعطيل الانتخابات التشريعية لقطع الطريق من أوّله.

سادســا: تتبجّــح القيادات السياســية الإســرائي­لية بأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطي­ة الوحيدة في الشرق الأوسط، وبأنها الوحيدة في محيط متلاطم من الديكتاتور­يات العربية. وتســوق نفســها في العالم على هذا الأســاس، وتحظى هذه الصــورة المزيّفة بقبول واســع فــي العالم، وتمنح إســرائيل الشرعية والدعم والحماية من الضغوط والعقوبات. انتخابات فلســطينية ديمقراطية معترف بها دوليا ستضعف هذا الادعاء الإســرائي­لي، وربّما تضع صورتها هذه على قدم المســاواة مع المشهد الفلسطيني، ما قد يؤثّر في موازين القوى السياسية في ساحات المجتمع المدني والمحافل الدولية.

الانتخابات الفلســطين­ية بمحطّاتها الثلاث، هي استحقاق فلســطيني مهم، ومــن الممكن أن تكون تحدّيا جديّا للمشــروع الكولونيال­ي الإسرائيلي، شرط أن تسير باتجاه رفض تكريس الوضع القائم، وهذا بالضبط ما تخشــاه إســرائيل. وحتى لا تكون الانتخابات مدخــا لإعادة الاعتبار والشــرعية لاتفاق أوســلو، يجب أن لا تجري تحت ســقفه، وأن تبــدأ بانتخاب المجلــس الوطني الفلســطين­ي ليقوم بــدوره بانتخاب قيادة منظمة التحرير الفلســطين­ية، بمشــاركة كل الفصائل والقوى السياســية والاجتماعي­ة الحيّة. هذه الخطوة هــي رد اعتبار للقضية الفلســطين­ية كقضية تحــرر وطني، وعلى أساســها واشــتقاقًا منها من الممكن أن تجري انتخابات نيابية ورئاسية في المناطــق المحتلــة عــام 1967. وللاســتفا­دة القصوى من الانتخابــ­ات، يجب تحويلهــا إلى تحدٍّ للاحتــال ولاتفاقيات أوسلو، التي تقيّد النضال للتحرر منه.

قد تقوم إســرائيل بتعطيل الانتخابات، لكنّها لا تســتطيع تعطيــل إعادة بناء الوحدة الوطنية فــي إطار منظمة التحرير الفلسطينية بالانتخاب المباشــر أو بالاتفاق الملزم، فهذا يتعلًق بــالإرادة السياســية لكل طرف فلســطيني على حــدة وللكل مجتمعاً.

ترى إسرائيل أن أي مسار ديمقراطي عربي حقيقي ليس في صالحها، لأن الشعوب أشدُّ رفضا لها من القيادات

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom