Al-Quds Al-Arabi

تركيا وإيران وإسرائيل والعالم العربي

- *كاتب تركي

قال المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية فالي نصر، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليســي»، وتصريحات لوسائل إعلام تركية إن «زمان العرب انقضى. المنافســة القائمة بين القــوى غير العربية؛ تركيا وإيران وإسرائيل، ستشكل مســتقبل المنطقة». وأشار نصر إلى أن العالم العربي القوي في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القــرن الماضي، ليس واردا بعد اليوم؛ «فلــم يعد هناك بلد عربي مهمين كما في الســابق في الشرق الأوسط». ويؤكد نصر على أن البلدان العربية كانت هي أقوى الجهات الفاعلة في المنطقة، إبان الحرب الباردة، وظلت إيران وإسرائيل وتركيا حينها في الدرجة الثانية، أمّا اليوم، فقد تشكّل وضع معاكس لذلك.

وأضاف نصر: «منذ عام 2003 والعالم العربي يتصدّع وينهار. بعبــارة أخرى، أصيــب أقــوى دول المنطقة في وقــت ما؛ مصر وســوريا والعراق، بضعف كبير. فلم يعد هنــاك فاعلٌ كبير مثل مصر فــي عهد مبارك. من جهــة أخرى، لم تعد ســوريا والعراق حتى مجرد دول تقريبا. إنها لا تســتطيع السيطرة على مناطقها، وأصبح جزء كبير من العالم العربي بمثابة ســاحة لعب تتنافس فيها الجهات الفاعلة غير العربية مع بعضها بعضا»، وختم نصر: «قررت الدول العربية الوقوف بجانب واحدة من الجهات الفاعلة القوية الثلاث؛ إيران أو إسرائيل أو تركيا».

يمكــن العثور علــى العديد مــن الكتابات المشــابهة لما صرح به فالي نصر، في وســائل الإعلام الغربية. فجميع المؤسســات الفكرية تقريبا في الولايات المتحدة وأوروبا، تنشــر دراســات حــول هذا المحور. وعند إلقــاء نظرة على التطــورات في العالم العربي، فإن الوضع يكشــف عن كل شــيء. نفوذ قوي لروسيا وإيران وإســرائيل والولايات المتحدة في ســوريا. وفي لبنان، هناك دور فرنسا وإيران وإســرائيل والولايات المتحدة. وصراع بين إيران والســعودي­ة في اليمن. أينما نظــرتم، بدءا من العراق وحتى ليبيا، يمكنكم أن تروا تأثير الجهات الأجنبية بكل وضوح. ولم تعد الجامعة العربية ولا مجلــس التعاون الخليجي قادرين علــى اتخاذ القرارات، أو تحديد مصيــر المنطقة، نظرا إلى بنيتها المنقســمة. وهذا هو السبب الذي يجعل إسرائيل تتحرك بسهولة في الجولان والقدس والضفة الغربية والبحر الأحمر. لا شك بأن تركيا أكثر طرف يؤثر فيه هذا الانقســام في العالم العربي، لذلك يجب عليها أن تســعى جاهدة لضمان ظهــور جهات فاعلة قوية بين البلدان العربية، لأن هذا الأمر ســيجلب الاستقرار والسلام

إلى المنطقة، وفي الوقت نفسه يضمن بقاء تركيا مستقرة إقليميا. كما يجــب على الــدول العربية أن تتخلص من سياســة الحرب البــاردة في أقــرب وقت، وتنتج سياســة تصب فــي مصالحها الوطنية. من المؤكد أنها رأت بشــكل صريح في السنوات الأخيرة مدى الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها المنطقة، جراء سياســات قصيرة الأمد، وناتجة عن الغضب. الدول العربية بحاجة ماســة إلى إرساء أسس سياســة طويلة الأمد، قبل أن تعصف الفوضى والاضطرابا­ت بالمنطقة كلها.

يتعين على تركيا في هذا الإطــار أن تتخذ أولًا خطوات لإنهاء المشــاكل في المنطقة، عبر تأسيس تعاون جديد مع قطر والكويت والجزائــر وعمــان والســعودي­ة ومصر، ثــم تقدم دعمــا قويا للحكومات الجديدة، التي ستتشــكل في اليمــن وليبيا. ويجب توفير الدعم لضمان مشاركة جماعات وقبائل من مختلف وجهات النظر فــي الحكومات الجديدة. يجب الحــرص على منع انجرار البلاد إلى صراع أيديولوجي، ويجب على كل مجموعة وقبيلة أن تناضل من أجل تحقيق التنمية والاستقرار في بلادها. هناك أيضا حاجة ماسة إلى تطوير سياســة جديدة لحل الأزمات في سوريا وفلســطين. وإلا فإن المنطقة ســتنجر إلى فوضــى واضطرابات جديــدة تســتمر لفترة أطــول، بينما هــي تنتظــر أن يعم فيها الاستقرار والسلام.

خلاصة الكلام، كانت سياسة تركيا تجاه البلدان العربية إبان الحرب الباردة، قائمة على أساس التنافس بين الشرق والغرب، وبعد تجاوز تلك المرحلة، تبنت خطوات وسياسات تهدف لجعلها بمثابة «قاعدة». وفي هذا الســياق، طرحت سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى بشكل خاص. أمّا بعد انــدلاع الحرب في ســوريا عام 2011، فقد بــدأت تركيا بانتهاج سياســة جديدة، علــى خلفية الانتشــار الفعال للقوى العالميــة في المنطقة، وظهــور المنظمات الإرهابيــ­ة مثل «داعش» و »واي بــي جي/بي كي كي »، وهو ما شــكّل مخاطر أمنية جديدة ضدها. وعلى الرغــم من محاولات البعض لتحريف أهداف تركيا بصورة مختلفــة، إلا أن الأخيرة تبنت منــذ البداية دورا يحمي السلام والاســتقر­ار في المنطقة. والآن، أصبح لزامًا على تركيا أن تسعى جاهدة لضمان ظهور جهات فاعلة قوية بين الدول العربية.

 ??  ?? توران قشلاقجي*
توران قشلاقجي*

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom