العراق... بناء الدولة بين تغريدة الكاظمي وهيمنة إيران
يســعى البعض من زعمــاء العملية السياســية العراقيــة فــي تشــكيلتها الأخيرة، منــذ العام الماضــي إلى تغيير طبيعة النظام العراقي، عن طريق الانتخابات المبكرة، المزمع عقدها في أكتوبر/تشــرين الأول المقبل، ســعيا لإعادة بناء ركائز دولة مســتقلة، تتمتع بالســيادة الكاملة على ترابها ومؤسســاتها الاجتماعية والسياســية، بعد أن استطاعت إيران التغلغل في عمق المشــروع السياســي، الذي جاءت به الولايات المتحدة الأمريكيــة، ونجاحها في تجيير الدولة العراقية، إثنيا واقتصاديا لصالح مشروعها القومي، المتمثل
في بناء قوة إقليمية تتلاءم مع أطماع الامبراطورية الفارسية السابقة في العراق والمنطقة.
وعلى الرغم من إشــكالية الموقف السياسي والاجتماعي، الذي فرضته العملية السياســية العراقيــة، من خلال نظام سياســي طائفي يُقســم العراقيين، وحجم التدخل الإيراني في الحياة السياســية، يبدو أن المشــهد السياسي، وغليان الشارع العراقي الذي تمثل في «انتفاضة تشرين»، ناهيك من أزمة نظام الولي الفقيه في الملف النووي، قد يســمح ويتيح الفرصة لإعادة بناء دولة مستقلة تتمتع بالسيادة الوطنية، قــادرة على تعزيز أســس الهويــة الوطنية، ونبــذ الهوية الطائفية التي يعيشها العراقيون في الوقت الحاضر.
يبــدو أن تغريــدة رئيــس الــوزراء العراقــي مصطفى الكاظمي، علــى موقع التواصل الاجتماعي تويتر، الذي أعلن من خلالها أنهم: «ماضون بعزم في تطبيق برنامج الحكومة، رغم الأصوات النشــاز وعمليات التأزيم المفتعلة»، تذهب في هذا الاتجاه، على الرغم من حجم الصعوبات، التي من المؤكد أن يواجهها مشــروع إعادة بناء الدولــة الوطنية، إذا أخذنا بعين الاهتمام، إصرار ميليشــيات أحزاب المشروع الإيراني على تحجيم دور الدولة، وإهانة من يمثلها، كما جرى مؤخرا في الاســتعراض الأخير التي قامت به هذه الميليشــيات في بغــداد. وهذا ما أكده الجزء الثاني مــن تغريدة الكاظمي في أن «هذا الجو الســلبي الذي يراد له أن ينتشــر ويتمدد، إنما يستهدف آمال العراقيين بغدٍ أفضل.. الانتخابات في موعدها بإذن الله، ولا تراجع عن مشروع بناء الدولة». لا شك في أن أهم متطلبات إعادة نهوض الدولة التي يحتاجها العراق في الوقت الحاضر، تتمثل في ضرورة إعادة سيادة الدولة على أنظمتها السياســية، والأمنية والاقتصادية، وإنهاء النفوذ الإيراني، والشــروع بوضع حجر الأســاس لإرساء مشروع بنــاء الدولة، التي يتصورهــا رئيس الــوزراء العراقي في تغريدته على تويتر ويتمناها أغلبية العراقيين.
إعادة بنــاء الدولة الوطنية، يبدأ فــي اليوم الذي يتمكن فيــه العراقيون من اتخــاذ قرارات مســتقلة، تنهي التدخل المباشــر وغير المباشــر للوصايــا الإيرانيــة للموافقة على هوية من يمثل النظام السياســي العراقي، في عملية اختيار رؤســاء الوزراء، ورفض الخضوع للإملاءات الخارجية، في عملية اختيار الحقائب الأمنية السيادية الحساسة، كوزارة الداخليــة، وجعلهــا حصرا بالكتــل السياســية التي تمثل الميليشــيات الموالية لإيران، من خلال فرض الشــخصيات العراقية التابعة للمشــروع القومي الفارســي، لملء حقائب الحكومة العراقية وكراســي البرلمــان. ووقف حملات تهديد الأذرع المسلحة التابعة لأحزاب إيران، ضد مرشحي التيارات الوطنية الرافضة للمشــروع الطائفي، الذي قسم العراقيين وجعل من وطنهم الواحد خريطة جغرافية تتنازع وتتصارع عليها الأيديولوجيــات. إن إعادة الســيادة للعراق تتطلب إيجاد الحلول اللازمة، لفرض سيطرة الحكومة المركزية على مؤسســات الدولة الغائبة التي فرضتها الميليشــيات، التي تضم أكثر من ستين ألف رجل مسلح، والمخاطر من قدرتها على زعزعة اســتقرار البلاد وجرها إلى الحرب، عن طريق إعادة النظر في ميزانية لجان هذه المجموعات المسلحة المدعومة من إيران، ووقف الحصانة التي تتمتع بها، وإنهاء سيطرتها على مؤسسات الدولة، وفي الأماكن السيادية الحساسة في مراكز سيطرة الحدود والمطارات.
وأخيرا فإن إعــادة بناء الدولة الوطنيــة، يتطلب وقف الهيمنة الإيرانية الكاملة على الاقتصــاد العراقي، التي كان
لها الدور الخطير في انهيــار القطاع الاقتصادي، على الرغم من الاحتياطــي النفطي الضخــم الذي يتمتع بــه العراق، حيث ســاهمت إيران في تعزيز نفوذها بكل الطرق، للتغلغل والســيطرة على مفاصل العراق الاقتصادية والسياســية، بما فيها الاســتحواذ على الأسواق والاستثمارات، من خلال تصدير الغــاز والكهربــاء بالعملة الصعبة، بســبب انهيار العملة الإيرانية أمام الدولار، نتيجة للعقوبات التي فرضتها الإدارات الأمريكيــة على الاقتصاد الإيرانــي، وليصبح منع العراق من الوصول إلى اســتقلاله الاقتصادي، واســتغلال ثرواته لبناء دولته، هدف النظام الإيراني، ومصلحته العليا في الحاجة للعملة الصعبة التي يحتاجها نظام الولي الفقيه، للاســتمرار في إعاقة بناء الدولة الوطنيــة العراقية ودعم مشروعة القومي في المنطقة العربية. إن بناء الدولة الوطنية العراقية، وإعادة السيادة الوطنية من خلال مشروع الهوية الوطنية، لا يعني قطعا لصلة الجار وعلاقات الأخوة مع إيران الجارة المسلمة، شأنها شأن باقي البلدان العربية والإسلامية الجارة. إن بناء الدولة العراقية يتطلب قبل كل شــي، وضع النقــاط على الحروف في ما يتعلق بحدود مســاحة العلاقة التي تربط البلدين الجارين، بحيــث لا تتعدي هذه العلاقة بين الشــعبين، حدود الســيادة وحقوق الشعب العراقي في تفضيل الهوية الوطنية على الهوية الطائفية، والعيش بأمان من خلال نظام سياســي واقتصادي، تنبع جذوره من تاريخ العراق وحضارته المشــرقة، يضمــن للعراقيين حقوقهم في الدولة الوطنية، التي يحلم بها مصطفى الكاظمي.