Al-Quds Al-Arabi

مصر: سد النهضة والقناة ووساطة الإمارات

-

■ طــرأ تغيّــر ملحوظ فــي طريقــة حديــث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول «سد النهضة» فبعد ســنوات من التصريحــا­ت الدبلوماسـ­ـية والمفاوضات والمحادثات بشــأن الســدّ، بدت لهجة التهديد واضحة بقولــه إن أحدا «لا يســتطيع أخذ نقطة ميــاه من مصر» وأن المســاس بهــذه الميــاه «خــط أحمــر» وبــدا الكلام محددا باتجاه إثيوبيا حين طالب بـ«ألا يتصور أحد أنه بعيــد عن قدرتنا» وأن ذلك ســيؤدي إلى «حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد.»

جــاءت التصريحــا­ت خــال مؤتمــر صحافــي عقد بمركــز تابــع لهيئة قناة الســويس غداة تعويم ســفينة الحاويــات الضخمة التــي أغلقت المجرى المائي شــديد الأهميــة عالميــا لمدة 6 أيــام )إضافة إلى كــوارث أخرى منهــا تصــادم قطاريــن وانهيــار عقار ســكني، وكذلك انهيار دعائم جســر تحت الإنشــاء( وهو أمر يبدو غير مقصــود لذاته، لكــن ما حصل في قناة الســويس أعاد تنبيه القيادة المصريّة إلى تأثير سلامة القناة على مصر والعالم.

لقــد كانت قناة الســويس ســببا في حــرب مصريّة مع إســرائيل وبريطانيا وفرنســا عــام 1956، ومفصلا في التاريخ العالمي أظهر تراجع ســيطرة لندن وباريس وصعــود نفوذ الولايــات المتحــدة الأمريكية وروســيا اللتــن فرضتــا تراجع العــدوان، وكانت القنــاة موقعا مؤثرا استراتيجيا خلال حربي 1967 و1973 )التي كان من تسمياتها «حرب العبور.)»

«اســتقرار» المنطقــة، بهــذا المعنى، يضــم احتمالات الحرب التي ســتضم مصر والســودان )اللتــن وقعتا اتفاقية تعاون عســكري قبل أيام( في جبهة، وإثيوبيا )وربما إريتريا( من جهة أخرى، لكنّه يلمّح أيضا إلى أن قناة السويس، وبالتالي مسار السفن العابرة بين ثلاث قارات، واقتصــاد العالم عموما، قد تتأثّــر من أي نزاع عســكريّ يتعلّق بـ«ميــاه» مصر، وهي تضــم نهر النيل

ومسار قناة الســويس، وكذلك، أحلاف الغاز المتواترة فــي الســنوات الأخيرة فــي البحر المتوســط، وكابلات إيصال الانترنت.

أحــد العوامل التي غيّرت جــزءا من قواعد اللعب في موضوع ســد النهضة هو النزاع الداخلــي في إثيوبيا، الذي أدى إلــى مقتل الآلاف في إقليــم تيغراي، ولجوء عشــرات الآلاف إلــى الســودان، ثــم دخــول الجيــش الســوداني إلى منطقة الشــفقة المتنازع عليها، ووجدت إديــس أبابا نفســها في وضع لا تحســد عليــه، فهي لا تســتطيع فتح جبهة عســكرية مع الســودان في الوقت الذي تعاني فيه من نزاع داخليّ دمويّ.

مع اتجاه الأمور نحو مزيد من قدرة مصر والسودان علــى تحدّي إثيوبيا ودفعها لاتخــاذ موقف أكثر ليونة، ظهر على الســطح عامــل إقليمي لم يكــن واضحا، وهو موقــف الإمــارات، الحليــف القــديم لنظام السيســي، والحليف المســتجد لنظام الســودان، فأبو ظبي كانت، على مــا يظهر، تحــاول لجــم التصعيد مــن جهة مصر والســودان نحــو إثيوبيــا، وقــد كشــف بيــان وزارة الخارجية الإماراتية أمــس عن موقف أقرب للحياد منه لدعم مصــر والســودان بالدعوة إلى «حــوار بناء» بين الــدول الثــاث، وهو موقــف مختلف عن إعــان الدعم الصريــح للقاهرة من قبل الســعودية والبحرين وعُمان الذي ظهر بعد تصريحات السيسي بقليل.

الباعث على هذا الموقف، قد يكون أن أبو ظبي تستثمر في الدول الثلاث، وهو ما يدفعها لتجنب حصول «عدم استقرار لا يتخيله أحد» في المنطقة، غير أن هذا التحليل «الاقتصــاد­ي» لا يكفــي في الحقيقة لتفســير «الحياد» الإماراتي، والأقرب أن يكون مرتبطا بخلافات سياسية مكتومة بين القاهرة )وكذلك الســعودية( مع أبو ظبي، بما يخصّ الوزن السياســي والاقتصــا­دي الذي ترتئيه الإمارات لنفسها داخل المنطقة والإقليم والعالم، والذي يتناقض، في مواضع كثيرة مع القاهرة والرياض.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom