Al-Quds Al-Arabi

بعد خمس سنوات على صفقة اللاجئين السوريين

- ٭ كاتب سوري

■ مــرت الآن خمس ســنوات على الاتفاق الموقع بين الاتحــاد الأوروبي وتركيا بشــأن اللاجئــن. ففي الثامن عشــر من شــهر آذار عــام 2016 تم التوقيــع علــى اتفــاق يقضي بتقديم الاتحاد الأوروبي ســتة مليارات يــورو تصرف على اللاجئين في تركيا، القســم الأعظم منهم ســوريون هربوا من جحيــم القمع والحرب في بلدهــم. ووصف الاتفاق، في حينه، على أنه رشــوة مقدمة للحكومة التركية كي تمنع انتفــال اللاجئين الموجودين علــى أراضيها إلى القارة الأوروبيــ­ة. وتضمن الاتفاق حوافز لتركيا بشــأن العودة إلى المباحثات حول عضويتهــا في الاتحاد، وتحديث اتفاقية الوحدة الجمركية، وإلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك الراغبين في السفر إلى دول الاتحاد، بقيت جميعاً على مستوى الوعود التي لم يتحقق أي منها طوال السنوات الخمس الماضية.

ولكن ما الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى عقد الاتفاق بشــأن اللاجئين مع تركيا؟

في صيف العــام 2015 أعلنت المستشــار­ة الألمانية أنغيــا ميركل أن أوروبا مستعدة لاستقبال قســم كبير من اللاجئين السوريين )وغيرهم( لكــن دول الاتحاد الأخرى لم تنظر بإيجابية إلــى هذا الإعلان، ورفضت التعاون مع ألمانيا بهذا الخصــوص. بالمقابل أدى إعلان ميركل إلى تدفق عدد كبيــر من اللاجئين إلى أوروبا عبر تركيــا، بحيث بلغ عدد اللاجئين الذين استقبلتهم ألمانيا وحدها المليون لاجئ في ذلك العام وحده.

وإذا كانت صورة جثــة الطفل آلان كردي ذي الخمس ســنوات على الشاطئ الغربي لتركيا قد استثارت موجة من التعاطف في ألمانيا وغيرها من الــدول الأوروبية مع اللاجئين، فقد جــاءت الهجمات الإرهابية التي تبنتها داعش في فرنسا وبلجيكا، بعد شهرين، لتؤدي إلى موجة صعود للتيارات اليمينية والعنصرية في عدد مــن الدول الأوروبية بينها ألمانيا نفســها. وهكذا تحول المزاج العام في أوروبا مــن ترحيب باللاجئين إلى مطالبات بوقــف تدفقهم، بل وإعادة من وصلوا إلــى البلدان الأوروبية من حيث جــاءوا. بين تشــرين الثانــي 2015 وآذار 2016، زارت ميركل تركيا ثلاث مرات بحثاً عن حل يوقف تدفــق اللاجئين إلى أوروبا. وبعد اجتماعــات عديدة، ومنها دعــوة رئيس الوزراء التركــي، أحمد داوود أوغلــو آنذاك، لحضــور الاجتماعات الدورية للاتحاد في بروكســل، تم التوصــل إلى اتفاق 18 آذار. وعلى رغم أن الاتفــاق لا يتضمن بنداً زمنياً لســريانه، فالمليارات الســتة التي وعد بها الأوروبيون تركيا تم إنفاقها بالكامل، وبات تجديد الاتفاق من عدمه مطروحاً بصورة موضوعية. فهل هناك مؤشرات إلى رغبة الطرفين في تجديده؟

لقد تغيرت أمور كثيرة في السنوات الخمس، لعل أهمها أن الأوروبيين لــم يعودوا في حاجــة إلى تركيا لوقــف تدفق اللاجئين، وذلك بســبب تأييدهم للإجراءات القاســية التي تلجأ إليها الســلطات اليونانية لمنع هذا التدفق. وتنتهك اليونان حقوق الإنسان والأعراف الدولية الخاصة باللاجئين ولا تتلقى أي نقد من الدول الأوروبية. هذا الموقف الذي أقل ما يمكن أن يوصف به هو الخســة. فالاتحاد الأوروبي، والدول المكونة له، لا تنبس ببنت شــفة بشــأن انتهاكات اليونان بحق اللاجئين، بل يبدو أنها تعتبر تلك الانتهاكات ضروريــة للتملص من تقديم مزيد من الأموال لمســاعدة اللاجئين على الأراضي التركية، يبلغ عدد السوريين منهم فقط 3,6 مليون تحت الحماية المؤقتة، في وقــت يعاني فيه الاقتصاد التركي من صعوبات كبيرة.

الواقع أن تركيا بدأت باســتقبال اللاجئين السوريين منذ صيف العام 2011، وتكفلت ببناء مخيمات لهم، وتقدمات اجتماعية كالطبابة والتعليم وغيرها، من غير أن تتلقى أي مساعدات من الدول الأخرى، فكانت أوروبا هــي التي في حاجة لتركيا، حين تم توقيع الاتفاق، لوقف تدفق اللاجئين. وقد اتضح، خلال الســنوات الماضية، أنها تعاملت مع أمر المليارات الستة كرشوة تنقذها من أزمات أدى إليها تدفق اللاجئين إلى أراضيها. أما اليوم فلا تبدو متحمســة لتجديد «الرشوة» ما دامت اليونان «تقوم بالواجب» مقابل حماس تركي، هذه المرة، لأنها تتحمل وحدها العبء الثقيل، إضافة إلى تأثير موضوع اللاجئين على السياسة الداخلية التركية، على ما رأينا في الانتخابات البلدية الأخيرة التي فقد فيها الحزب الحاكم بلديات المدن الكبرى لمصلحة أحزاب معارضة حولت موضوع اللاجئين السوريين إلى مادة للتكسب السياسي ضد الحزب الحاكم. وكانت ردة فعل الأخير على فقــدان البلديات المذكورة إجراءات قاســية بحق اللاجئين الســوريين، صيف العام 2019، وتهديدات لأوروبا بـ«إفلاتهم» نحوها.

أضف إلى ذلــك أن اتفاق 2016 تضمن حوافز أخرى لتركيا لا علاقة لها بموضــوع اللاجئين، بل بالعلاقات التركية ـ الأوروبية ومســتقبله­ا كما سبقت الإشــارة أعلاه. وإذا كان الأوروبيون قد تناسوا وعودهم بشأن الاتحاد الجمركي وإلغاء تأشيرات الدخول وإعادة فتح عناوين فرعية في مباحثات انضمام تركيا إلى الاتحاد، فهم يتذرعون بفشل تركيا في الوفاء بوعودها بشأن الإصلاحات السياسية وتراجع مستوى الحريات لتبرير ذلك. ولم يقتصر أثر الفشــل التركي هذا على تقديم الذريعة للأوروبيين للتنصل من وعودها، بل أدى كذلــك إلى تصاعد موجة الانتقادات لتركيا في الرأي العام كما على ألســنة المســؤولي­ن في الحكومــات الأوروبية. والحال أن تركيا تحتاج الإصلاحــا­ت المذكورة بصرف النظر عن مطالبة الأوروبيين بها، أو تذرعهم بغيابها لتبرير تنصلهم من وعودهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom