Al-Quds Al-Arabi

العروبة بين الهويات المختلفة

- ٭ استاذ العلوم السياسية/الكويت

■ تتفــاوت الانتماءات بين أن نكــون محليين في دولنــا العربية المختلفــة ومنعزلين عــن بقية العالم العربي أو أن نكــون عروبيين نتجــاوز هذه المحلية دون أن نتخلــى عن التوازن بــن العروبة والمحلية. وتتفــاوت المشــاعر والآراء بــن أن نكــون محليين وعالميين أو مســلمين ووطنيين في ظل أوضاع عربية متغيرة. ففي الشــخصية العربية اليــوم تداخلات كبيرة. فمن نحن في بلادنــا العربية؟ هل نحن نتاج بناء الدولة الوطنية في القرن العشــرين وســقوط الدولــة العثمانية؟ وهل ســنكتفي بهــذه الحالة أم سنسعى لتجاوزها بوســائل مختلفة لنكسب بعض المناعة في التعامل مع العوالم التي تحيط بنا؟ سؤال الهويــة لازال كبيرا فــي عالم عربي غنــي بالهويات وبالتاريــ­خ ولكنــه حتــى الآن يقوم علــى تناقض الهويات وتواجهها لا تصالحها وتكاملها.

فــي الخمســيني­ات من القــرن الماضــي تداخلت الهويــات العربية فــي إطار حركة سياســية واحدة هدفها وحدة العرب. وتبين مع الوقت أن وحدة العرب السياسية التي تقوم على العصبية العربية لوحدها لا تكفي ولن تكفي، خاصة وإن خلت من حقوق الإنسان، والعدالة، وقيم ديمقراطية أساســية، كما تبين أنها لا تكفي إن قامت على رفض الهويات الأخرى من سكان المنطقة أكانوا أكرادا أم بربرا أم إيرانيين ام شركســا وآشوريين.

إن القوميــة العربية فــي أوج تطورها تصادمت مع المشــاعر الوطنية والمحلية ولم تســع لا ستيعابها وتفهمهــا لتقويــة الفكــرة القومية. لقد وقــع التيار القومي العربي في أخطاء الفرز ووجد نفســه يسبح فــي بحر لا يســتطيع أن يوحد كل مياهــه. ومع ذلك لازال للقوميــة العربية أرضية، ولازال للإطار الجامع مكانه. فالتاريــخ لم ينه ذلك الإطار، ولا بد من تجديد ومشروع جديد.

ومنذ الثورة الإسلامية في إيران بدأ يحل الإسلام السياســي مكان التوجهات السابقة، فقد عبأ الإسلام السياســي الفراغ النــاتج عن الهزائــم والمواجهات الكبــرى والحــروب. حل الإســام السياســي على المستوى الإسلامي والعربي مكان القومية، بل أصبح تعبيرا عن قومية جديدة تصنــع أعمالها في الميدان. أصبحــت الجماعة الإســامية والإخوة الإســامية وافكار عديدة حول تطبيق الشــريعة مدخل الوحدة الإسلامية والطموح الإسلامي الجديد.

وقد سارت التيارات الإســامية في طرق مختلفة ومتناقضة. فمنها من سار في طريق تطبيق الشريعة فتصادم مع مجموعات في المجتمع وفئات هي الأخرى

لديها فهم مختلف للشــريعة وللحياة، بينما ســارت فئات اخرى من التيارات الإسلامية في طريق المقاومة والمواجهة مع إســرائيل. كما ان جانــب من التيارات الإســامية أخذت طريقها باتجــاه التحول الى قوى معارضة ســلمية بينمــا اخذ بعضها طريــق العنف المطلق.

إن التيارات العابرة للأوطان والمؤثرة بها مستمرة في إقليمنا بصورتها القومية ام بصورتها الإســامية هــي جزء من عطــش الإقليــم للتعامل مــع قضاياه الإقليمية بصــورة تتجاوز الــروح المحلية، وبنفس الوقت فــأن الدولة المحلية اصبحت أحد أساســيات البناء العربي الجديد ولا يمكــن تجاوزها. بل أصبح واضحــا أن الدولــة العربيــة الوطنية لا تســتطيع الحفاظ على وجودها خارج سياق التوازن مع العمق الإقليمــي والعربي، وخــارج التوازن مــع التيارات الإقليمية بصورتها القومية والوطنية والإســامي­ة. وأصبح واضحــا أن الدولة الوطنيــة هي الأخرى لا تستطيع ان تســبح خارج النسق الإنساني والعالمي في كل ما يتعلق بقيم الإنســان والحقــوق والعمالة والعولمة والاقتصاد.

إن هذه التناقضات الصعبة ربما تفســر لنا جزئيا كيــف بدأت عدد مــن الــدول العربية في الســقوط

أمام شــدة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية: فشــل الدولة في اليمن، الســودان، لبنــان، ســوريا والعــراق، وآفــاق امتــداد هذا الفشــل لــدول عربية عدة تعبيــر عن أزمة الدولــة الوطنية العربية. بل إن ازمة الدولــة العربية هي التي فتحت الباب لقوى الخارج الأكثر تنظيما وحرصا على تنفيذ سياساتها الإقليمية.

هل يعني هــذا ان العالم العربي ســيبقى في ازمة وراء الاخــرى؟ الاجابــة صعبــة لكن علــى الاغلب لن ينتهي التاريــخ والعالم العربي ســيبقى يعيش ويتفاعل مــع أزمات قادمة. والاكيد ايضا ان مســألة الهوية ستبقى قضية اساســية تقلق آفاق الاستقرار فــي العالم العربي. ســتبقى حالة التجــاذب الكبير بين أن نكــون عربــا أو أن نكون محليــن أو بين أن نكــون إنســانيين وعالميين، وبين أن نكون مســلمين وحديثين، أو بين أن نكون وطنيين ومؤمنين بالقضية الفلسطينية وبين تنمية بلادنا. مخاضنا القادم كبير، بل يصعب ان نعرف من الان اين سيقف.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom