Al-Quds Al-Arabi

القضاء العراقي: موظفون «انتحاريون» يغطّون على أعمال مسؤوليهم المشبوهة

انتقد ضعف إجراءات الدول في تسليم المتهمين بسرقة المال العام

- بغداد ـ «القدس العربي»:

ذكر قاض عراقي، متخصص في مكافحة الفســاد المالي والإداري، أمــس الخميس، أن معالجة آفة الفســاد تتطلب تعاونا كبيرا علــى صعيد محلي وعالمي، وفيما كشــف أن كوادر متقدمة في الوزارات تحــاول لملمة أي قضية تطولها شــبهات فســاد، وصف بعض الموظفــن بـ«الانتحاريي­ن» لتغطيتهم على أعمال مسؤوليهم المشبوهة.

ونظم معهد التطوير القضائي ورشة حملت عنوان )دور القضاء في مواجهة الفســاد المالي والإداري( بحضور عدد من الإعلاميين والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، بسب تقرير نشــره موقع «المركز الاعلامي لمجلس القضاء الأعلى » أمس.

وقدم قاضــي أول محكمــة تحقيق الكــرخ الثانية )في بغداد( ضياء جعفر خلال الورشة شــرحا مفصلا عن دور القضاء في مواجهة الفساد المالي والإداري والتي كانت على محورين الأول الإطار التشــريعي لمكافحة الفساد، والمحور الثاني استراتيجية مجلس القضاء الأعلى بمكافحة الفساد.

وذكر أن «قضية مكافحة الفســاد من القضايا الرئيسية والمحورية بالنســبة لجميع الدول ســواء كانــت نامية او متقدمة» وأشــار إلى أن «قانــون هيئة النزاهــة المرقم 30 لســنة 2011 المعدل شــمل )ســرقة أموال الدولة والرشوة والاختلاس والكسب غير مشروع وتجاوز الموظفين لحدود وظائفهــم( فضلا عن إضافــة جرائم خيانــة الأمانة التي ترتكب من المنظمــات غير الحكومية والاتحادات والنقابات والجمعيات المهنية إلى القانون.»

كما أشــار إلى المحور الثاني من الحلقــة الحوارية وهي «اســتراتيج­ية مجلس القضاء الأعلى بمكافحة الفساد، إذ عمل المجلس على وضع خطة لمكافحة الفســاد ضمت أربعة محاور أولها منع وقوع الفساد والوقاية منه والثاني كيفية إنفــاذ القانون والملاحقــ­ة القضائية والمحــور الثالث رفع المستوى التثقيفي والمشاركة القضائية والمحور الأخير كان التعاون الدولي .»

وشــدد بشــأن تنفيذ هذه الاســترات­يجية علــى أهمية التنســيق بــن كافة الجهــات الخاضعة لقانــون مكافحة الفســاد، وأهم هذه الأطــراف )مجلس القضــاء الأعلى ـ رئاســة الوزراء ـ مجلس النواب ـ رئاســة الجمهورية ـ الهيئات الرقابية ـ منظمات المجتمع المدني ـ القطاع العام(.

وبشــأن منع وقوع الفســاد والوقاية منه ذكر جعفر أن «مجلس القضــاء الأعلى عمل خلال الفترات الماضية وبقوة بالتنســيق مع عدد من الجهات الرقابيــة، إضافة إلى فتح الباب أمام المواطنــن لتلقي الإخبارات، وقدمت له في وقت ســابق عدد من القضايــا المهمة التي مــن خلالها تمكن من استرداد مبالغ مالية ضخمة بناء على تحقيقات أجريت من قبل محاكم التحقيق المختصة في انحاء البلاد، وخصوصا محاكم التحقيق في استئنافي الكرخ والرصافة».

وتطــرق القاضي إلى كيفيــة إنفاذ القانــون والملاحقة القضائية إذ قال إن «محاكمنا تجري التحقيقات بعدد كبير من القضايا التحقيقية المهمة المتمثلة بســرقة أموال الدولة والرشــوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم، وخلال الفترات الماضية وجه مجلس القضاء الأعلى بتفعيل قضايا الكسب غير مشروع، وبدأ العمل على التحقيق بعدد منها والتي عرضت أمام المحاكم وأحيل قسم من المتهمين فيها إلى المحاكم المختصة وأجريــت المحاكمات، وخلال الفترات القادمة ننتظر من الجهات التحقيقية والرقابية عرض مزيد من القضايا بغية حسمها».

معوقات إدارية

لكنه عــرج على «عــدد من المعوقــات التــي تؤثر على التحقيقات التي تجريها المحاكم في قضايا الفســاد الإداري والمالي، أبرزها عدم تعاون الــوزارات والجهات الحكومية لتزويد المحاكم بالأوليــا­ت أو الأدلة اللازمة والكافية لإدانة

مرتكبــي جرائم الفســاد الإداري والمالــي، ولاحظنا خلال الفترات الماضية أن عــددا من الكوادر المتقدمة في الوزارات تحــاول لملمة القضايا وتضليل القضــاء من خلال إجاباتها للمحاكم بعدم وجود أضرار لحقت بالوزارة نتيجة الجرائم المرتكبة من قبل موظفيها لغرض طمس معالم الجرائم.»

وتابع أن «بعض التحقيقات تحتاج إلى وقت طويل جدا لاستكمالها، والســبب في ذلك الاعتماد على التقارير الفنية التي تصدر من الجهات الرقابية المختصة سواء كانت هيئة النزاهة او ديوان الرقابية المالية الاتحادية وتشكيلاتها.»

ونــوه، أن «القضاء وجــه أيضا بعقــد ورش وندوات لمكافحــة الكســب غير المشــروع، وهو مــن القضايا المهمة والحديثــة والتي تحتــاج إلى جهــود لإثباتها وكشــفها بالاستعانة بطرق فنية ومحاكم التحقيق بدأت فعليا العمل عليها وحققت في عدد من القضايا التي عرضت أمامها.»

التعامل مع الدليل

وبشــأن التســاؤلا­ت المطروحة عن عــدم محاكمة كبار المســؤولي­ن، أوضح أن «القضاة يتعاملون مع الدليل وطالما تواجــد الدليل يتم محاســبة المتهم مهمــا كان موقعه وفقا للقانون، لكــن نلاحظ في الآونة الأخيــرة وجود موظفين نطلق عليهــم لقب )الانتحاريي­ن( لأنهم مســتعدون لتنفيذ كل ما يطلــب منهم من أجــل حماية المســؤول ويتحملون المســؤولي­ة كاملة، ونحن كقضاء يجب أن نتخذ الإجراءات القانونية بحــق الموظف المقصر إذا توفــرت الأدلة ضده» لافتا إلى أن «بالفعل، هناك فساد في الكوادر المتقدمة، لكننا محكومون بالأدلة والأوراق المستندات والقرائن المعروضة أمامنا والتي على ضوئها نصدر الأحكام.»

ولفــت إلــى أن «التحقيقــا­ت الخاصة بالفســاد المالي والإداري تأخذ وقتا طويلا جدا ســواء بهيئــة النزاهة أو ديوان الرقابة الماليــة وحتى مكاتب المفتشــن العموميين الملغاة كانت هي الأخرى تحت سلطة الوزير وهو من يتحكم بها ويؤثر على سير التحقيق في بعض الحالات».

وأوضح أن «بعض قضايا الفســاد المالي والإضرار بالمال العام تأتي عبر مراسلات رسمية من الوزراء، والوزارات لا تطلب الشكوى ضد المتهمين وتؤكد عدم وجود ضرر، ونحن كقضاء نتخــذ كافة الطرق القانونية من خلال الاســتعان­ة بالجهــات المختصة كالخبراء المصرفيــن المعتمدين في هذا المجال خاصة فــي القضايا المصرفية لإثبــات فيما إذا كان هناك ضرر أم لا» مشــيرا إلى أن «بعــض التحقيقات التي تتعلق بالأضــرار العمدي التي تجري فــي الوزارات تأتي إلينا غير سليمة ودقيقة، لذا طلبنا من النزاهة أن تقوم بتلك الإجراءات وترسل التحقيق إلينا».

تلكؤ المجتمع الدولي

وبشأن المحور الرابع الخاص بالتعاون الدولي، أوضح جعفــر أن «العراق لديه اتفاقية في مجال مكافحة الفســاد وأجرينــا الحد الأدنــى لتحقيق الاتفاقيــ­ات، إلا أن ضعف إجراءات تسليم المتهمين لا يزال دون المستوى المطلوب من قبل معظم الدول التي يتواجد فيها سراق المال العام.»

وتابع: «إننا نحتاج إلى متابعة حركة رؤوس الأموال في الخارج لأن المتهمين الذين ســرقوا المال يتنعمون بها حاليا بسبب تلكؤ من قبل المجتمع الدولي في مساعدة العراق في هذا المجال وفي استرداد المتهمين.»

في الســياق، ذكر المشــرف على المركز الإعلامي لمجلس القضــاء الأعلى، القاضي حيــدر علي نــوري، أن «جرائم الفســاد المالي والإداري لا تقل خطورة عن الجرائم الأمنية ومثلمــا تضافرت الجهــود الأمنية كافة فــي مواجهة خطر الإرهــاب نحتاج أيضا إلى تضافر الجميــع في مكافحة آفة الفساد».

ولفت إلى أن «المجلس لوحــده رغم جهوده الجبارة في مواجهة هذا الخطر، إلا أنها ليســت كافية لاجتثاث الفساد بأكملــه، ويجب أن يكون هناك تعــاون دولي أيضا في هذا المجال من خلال تســليم المتهمين وإعــادة رؤوس الأموال المهربة إلى الخارج».

وأوضــح أن «مجلس القضاء الأعلــى ومن خلال محاكم التحقيق جاد في مكافحة ومواجهة جرائم الفســاد الإداري والمالي التــي تتطلب وجــود إرادة قويــة وتضافر جهود مؤسســات الدولة كافــة في ســبيل الحد من انتشــارها والقضاء عليها ومعالجة آثارها السلبية».

وبشــأن إمكانية الاستعانة بشــركات أجنبية قانونية للتحقيق بملفات الفساد، قال نوري: «لا نحتاج إلى شركات أجنبية لمحاربة الفســاد، والمجلس يمتلــك كفاءات وكوادر متخصصة، إضافة إلى أن الاســتعان­ة بشــركة يضعنا أمام مشــكلة قانونية من الجهة التي ستعطيهم نسبة 10٪ من قيمة الأموال المســترجع­ة حســب شــروط تلك الشركات، بســبب عدم وجود غطاء قانوني لصرف تلك الأموال وإذا صرفــت فان ذلــك يعد هدرا للمــال العام وهذا مــا لا نريد حدوثه».

وأكــد أن «الاســتعان­ة بالشــركات الاجنبيــة هــو من اختصاص الجهات التنفيذية كمــا أن بعض المتهمين لديهم جنسيات أجنبية، إذ أن من 2003 ولغاية الآن لم يسلم سوى 3 متهمين بجرائم غسيل الأموال بالرغم من مطالبتنا للعديد من الدول بتسليم المطلوبين المتواجدين على أراضيهم، لكن، من دون فائدة، لذا نأمل من خلالكم أن نشكل ضغطا إعلاميا على تلك الدول من أجل الاستجابة».

وبشــأن من يحاســب القضاء ذكر القاضــي حيدر أن «القضاء مســتقل ولا ســلطان عليــه إلا القانــون وهيئة الإشــراف القضائي تراقب ســلوك القاضي داخل وخارج المحكمة».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom