Al-Quds Al-Arabi

«أنا بتنفس حرية»: عندما تصدح جوليا بطرس على منصات الحراك الأردني ... ماذا عن «تضخيم» 24 آذار؟

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

يحتــاج المشــهد فعلاً هــذه المرة إلــى وقفة تأمــل أكبر مــن كل المرات الســابقة. المحامي والناشــط الحراكي الوطني الأردني جمال جيت، يتم الإفــراج عنه بعد فترة اعتقال على إيقاع نبض الشــارع وبعد تدخل نقابة المحامين.

لكــن الأهم قد يكون مشــهد اســتقبال عائلــة المحامي الشــاب، الذي تعــرف «القدس العربي» عنــه الاندفاع الوطني في الدفــاع عن الحريات، حيث دموع وأحضان واســتقبال دافئ يليق باســتعادة ناشــط لحريته. حتــى تلك اللحظة، المشــهد عادي ومألوف في المجتمــع الأردني، لكن في خلفية تصوير الاســتقبا­ل علــى صفحات الحراكيــن والمتعاطفي­ن معهم عبر المنصات التواصلية وتكرار البث والموسيقى التأثيرية تصدح المطربة اللبنانية جوليا بطرس بأغنية «أنا بتنفس حرية». بالتأكيد لا سياسياً ولا وطنياً، يحتاج الأردن لمثل هذا الترميز والتلغيز.

وبالتأكيــ­د الســلطات التنفيذيــ­ة والإجرائية وأحيانــاً الأمنية في بلد تجاوز كل أسئلة الشرعية ويؤمن معارضوه قبل الموالين بالدولة والنظام والقانون، يمكن تحميل مســؤولية التشــدد في عــودة ظاهرة الاعتقالات السياسية للحكومة قبل أي طرف آخر.

صحيــح أن الحراك الشــعبي الأخير بعــد حادثة الســلط تحديداً كان معزولاً في المســتوى الشــعبي والاجتماعي، لكنه ســيطر ونجح وتصدر

وتفــوق في المســتوى الإعلامي والمنصاتي. حتى التيار الإســامي وبعد اتهامــه بخــذلان الحراك الشــعبي ومطالبــه المنصفة، أصــدر بياناً لا بل دعا في ظــل الفيروس وتداعياته إلى وقفــة احتجاجية تحت عنوان فتح المســاجد. ما الذي يدفع نشــطاء أردنيــن باحثين عن أمــل في الإصلاح المســتقبل­ي لاســتعارة مقطع مــن أغنية يعــرف الجميع خلفيتهــا للنجمة جوليا بطرس؟

سؤال سياسي

هذا ســؤال سياســي ووطني بامتياز، فقد ســبق الكاتــب والبرلماني الســابق جميل النمــري أقرانه عندما لّمــح علناً إلى أن محفــزات الحراك الشــعبي لاتزال قائمة وقد تزيد، والقوى التــي تجازف اليوم رغم الوباء والفيــروس بالخروج للشــارع قــد تتصدر بــدلاً من الأحــزاب التقليدية. يحتــاج المحامي الناشــط والديناميك­ــي جمال جيت وأقرانــه إلى مقاربة وطنيــة أكثر تســمع خطابهم الإصلاحــي وتحاورهم بدلاً مــن مناورات أمنية تكتيكيــة محدودة ومنفعلة تضع ميكروفــون الحوار الصاخب في أحضان المبالغــة والتهويل وتجاوز الخطوط الحمراء وأحياناً الانتهازية والابتزاز. في كل حال، المســألة لها علاقة بتداعيات ما ســمي بوقفة 24 آذار، حيــث بيانــات للحــراك عن 90 موقوفــاً في مختلــف المحافظات تم الإفراج عن معظمهم باستثناء حالات تقول بعض المنشورات إنها لا تزال قيد التوقيف والاعتقال.

لا أحد يعلم في الســياق ما الذي حصل بصورة محددة ومفصلة يوم 24 آذار.. هل تم «تضخيم الحدث نفســه أم أنه ضخم بطبيعته؟ و في كل حال، وتجنبــاً لمزلق تســمين وتغذية الحراك الشــعبي الأردنــي، أعلنت الحكومــة حزمة تحفيزيــة لضحايا الإغلاق بســبب الفيــروس كورونا. وتضمنــت الحزمة بوضوح، بعدمــا تحدث عنها رئيس الــوزراء الدكتور بشــر الخصاونــة، تعويضات وتحفيــزات للشــرائح الأكثر تضــرراً من الإغلاق.

ما الذي يعينه ذلك؟

وبعيداً عن التجاذب والخلاف ولعبة الأرقام تحت عنوان ضخ سيولة بيد المواطنــن، يمكن رصد مفارقــة أخرى مهمة ومثيرة رصدها، مســاء الأربعــاء، الإعلامي الأردني المقيم في الخــارج والمتابع لقضايا بلاده عبد الله بني عيســى. وتمثلت في أن وســائل التواصل الاجتماعي للأردنيين وقــد باتت أهم مجســات نبــض الشــارع، اســتقبلت قــرارات الحكومة التحفيزية بـ «تهكم وازدراء شــديدين» وفقاً للتعبير الذي استخدمه بني عيســى، ما يدفع لســؤال في اتجاهين كما قال: الأول له علاقة بمستوى التوقعــات الشــعبية، والثاني له علاقة بمســتوى التوقعــات الحكومية مــن الأردنيــن الرازحــن الآن تحــت ضغط المعيشــة والغمــوض. يقول بني عيســى هنا بأن تحفيــزات حكومة الخصاونة متقدمــة بمراحل عن مصفوفــات الحكومة الســابقة، لكن - وهذا الأهم - مســتوى الســخط الشعبي على القرارات الجديدة أعلى من قبل.

أول مــا يعنيه ذلك عمليــاً أن المطلوب لإرضاء الشــارع الأردني أصبح

يكبــر وينمــو ما دامت مبــادرات التحريــك والإصلاح تتأخــر، وما دامت الأزمــة الصحية في بعدها الاقتصادي تحديداً تضرب وترهق الشــرائح الاجتماعية.

هنــا حصرياً لا يتعلــق الأمر بالتأكيــد بالمبالغة والتهويــل، فما تخفق الســلطة بتأمينه إصلاحيــاً لمطالبي الإصــاح اليوم ســتزيد كلفته لا بل فاتورته غداً، والضائقة الاقتصادية إذا ما اســتمرت ســتزيد في عدد من يصفهم السياســي الكبيــر طاهر المصري بـ «المحتقنــن وكاظمي الغيظ» وبالتالي قد تستقطب لعـبة الشـارع المزيد من ضـحايا كورونا.

والهتــاف الذي يطالب بالإصــاح اليوم قد يتجــاوز المقبول والمألوف غــداً إذا لــم تتغير قواعــد للعلبة الإصلاحيــ­ة والسياســي­ة وتصبح أكثر نظافة وجدية وأكثر عمقاً، على حد تعبير الأمين العام لحزب جبهة العمل الإســامي الشــيخ مراد العضايلة. ومهم جداً، في ســياق المشهد، قراءة ما يشــير إليه بني عيسى من تنميط للتفاعل الشعبي السلبي مع خطوات التحفيز الحكومية، والتي يقول الناقدون لها بأنها قد تكون لعوباً رقمياً.

ومهــم أيضاً بالتوازي الانتباه إلى أن ســقف التعبيــر في الأردن متاح ومفتــوح، وخيارات الدولة عبــر عقود هي خيارات النــاس، وبالتالي قد لا يتوفــر المبرر المحلي لتلك النغمة الشــاردة في أغنيــة جوليا بطرس ولا لمفــردات وعبارات مثــل الســجن والاعتقــا­ل والزنازين والنضــال. تلك مفــردات كانــت دومــاً خارج قامــوس الأردنيــن، وعلى الدولــة أن تعي بحــرص أن واجبها إبقاء تلــك المفردات خارج القامــوس المتداول، وذلك غيــر ممكن بالحلول الأمنية فقط، ويبدأ فعلاً وحقاً بالإصلاح السياســي الجذري والعميق حصرياً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom