Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل دعمت طغاة في بنما للبقاء في السلطة بالقتل والترهيب والتزوير

«هآرتس» تنشر وثائق أرشيفية كانت سرية

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

كشــفت صحيفة «هآرتس» في تقرير موسع ضمن ملحقها الأسبوعي أمس، عن رعاية جهاز المخابرات الخارجية الإســرائي­لي «الموســاد» لحكم الطغــاة في بنما، وتدريبهــم على البقاء في الحكــم بالقمع والقتــل والتزويــر. وتنبه الصحيفة الإسرائيلي­ة إلى أن «نظام الطاغية في بنما مانويل نورييغا دام 22 ســنة نتيجة دعم أمريكي له، مشيرة أيضا لدعمه من قبل إسرائيل التي بحثت عن خدمة مصالحها الأمنية في بنما الواقعة في أمريكا الوســطى ونسجت علاقات متينة مع طاغيتها وســط تجاهل تام لانتهاكاته وفساده».

وتؤكد «هآرتــس» أن «المخفي فــي علاقات إســرائيل والولايــا­ت المتحدة مع بنمــا أكبر. وتنوه أن الجيش الأمريكي سيطر على أرشيف الطاغيــة مانويــل نورييغا الذي يشــمل آلاف الوثائق، بينما وثائق الموســاد عن تلك الفترة ما زالــت طي الكتمــان». وتقــول إن الولايات المتحدة وإســرائيل قامتا برعاية مصالح أمنية ودبلوماســ­ية فــي بنمــا حيث القنــاة المهمة، وفي كل أمريكا الوســطى وأمريــكا الجنوبية. وتقدم مثــالا على ذلك يتمثل بـــ قضية «إيران كونتراس» التي أظهرت كيف ساعد طاغية بنما الولايات المتحدة وإسرائيل في تسليح وتدريب ميليشــيات عســكرية في نيكاراغــو­ا من أجل إسقاط الحكم الاشتراكي فيها.

واســتنادا لبعــض وثائق تاريخية كشــف عنها «أرشــيف الدولة» تتجلى صورة التعاون بين الطاغيــة مانويل نورييغا وإســرائيل في بنما أن الموســاد هو الذي أدار العلاقات الأمنية والدبلوماس­ــية بمعزل عن وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال.

ويســتدل من عدد كبير من البرقيات المرسلة من قبل ســفارة إســرائيل في بنما للموساد أن وكيله )الموساد( مايك هراري هو الذي أدار هذه العلاقات الســرية ووقف خلف تشــكيل وحدة الاغتيالات في بنما.

وتســتذكر «هآرتس» أن هراري قبيل رحيله في 2014 كشــف ضمــن مقابلة مــع الصحافي المؤرخ رونين بيرغمــان أن نورييغا عمل وكيلا للمؤسســة الأمنيــة الإســرائي­لية. وتنوه أن هراري أنهى عمله في الموســاد عــام 1980 لكنه واصل العمل فيها كرجل أعمال مقرب من النظام العســكري الحاكم ومستشار ســري للطاغية نورييغا مثلما واصل تقديم خدمات للموساد.

رعاية إسرائيلية للطغاة من بنما

وتفيد الوثائــق التاريخيــ­ة أن هراري كان شــريكا مركزيا فــي المؤامرة السياســية التي اســتهدفت تزوير نتائج الانتخابات العامة في بنما لمصلحــة الطاغية، وضمن مســاعيه هذه اهتم بنشــر كتاب تاريخي كله أكاذيب لتسويد صفحة منافسه كاتهامه بالمشــارك­ة في مذبحة بحق اليهود في بنما. وتتابع «هآرتس: «تحول هراري لشــخصية مركزية جدا في بنما لدرجة

أن الولايــات المتحــدة طلبت من إســرائيل أن تســتعيده من هناك بعدما قــررت التنازل عن الطاغية وســعت لإســقاطه معتقــدة أن إبعاد هراري يساعدها في هذه المهمة.»

وتكشف الوثائق التاريخية عن دور هراري في مساعدة مانويل نورييغا بالاحتفاظ في سدة الحكم من خلال انتهاكات وحشية لحقوق البشر وبالفساد، ومنها وثيقة ـ برقية من 25.11.1969 حول ما جرى بعد عام من الانقلاب العســكري الذي أوصل الجنرال عومر طوريحوس لســدة الحكم في بنما. وتكشــف وثيقة إســرائيلي­ة أن إســرائيل قامت بتدريب نورييغــا في مواضيع الاســتخبا­رات والحمايــة وهكــذا أيضا عومر طوريحوس الذي وصل إســرائيل عدة مرات. وتذكر أيضــا بأن نورييغا وصل إســرائيل في 1984 بعدما زاره عضو الكنيست وقتها اسحق رابين فــي 1983 و في العام نفســه زاره رئيس حكومة الاحتلال وقتذاك اسحق شامير.

يشار الى أن عومر طوريحوس لقي حتفه في حادثة تحطم مروحية غامــض عام 1981 وبعد رحيله نشب صراع على قيادة الحرس القومي انتهى بسيطرة نورييغا عليه، وتطلع للفوز في انتخابات عامة كانت مقررة في 1984 وكان يرى برئيس المعارضة ال دكتور آرلينفو ارياس عقبة أمامه بعدما كان يتمتع بشعبية كبيرة في بلاده وبدا كالمرشح الوحيد القادر على تخليصها من الحكم العسكري.

وقام هراري بمســاعدة نورييغا بتشــويه سمعة ارياس المناصر للفلسطينيي­ن بافتراءات تضمنتها حملــة انتخابية وكتــاب أيضا صدر

بعنــوان «كارثــة بنمــا» احتــوى فصلا حول اريــاس، وفيــه تم اتهامه بقتل يهــود فروا من المانيا النازية خلال ولايته الأولى كرئيس لبنما عــام 1941 وقد امتلك هراري حقوق نشــر هذا الكتاب.وتستذكر «هآرتس» أن المؤامرة نجحت لحد بعيد بعدما تم نشر الكتاب وحظي بعناوين صحافية بارزة. وتشير برقية وصلت الخارجية الإســرائي­لية فــي 05.04.1984 أن الكتاب يثير أصداء وعناوين إعلامية واسعة عن دور أرياس في ســفك دماء اليهــود وقتل أطفالهــم رغم أن اليهود في بنما استفزتهم الافتراءات وسارعوا لتكذيب محتويات الكتاب خاصة أنهم تحسبوا من احتمال فوز المرشح المعارض. ورغم المؤامرة فاز ارياس فــي انتخابــات 1984 لكن الطاغية اهتم بتزوير نتائجها.

اغتيال الطبيب المعارض

وحســب تقريــر «هآرتس» فقد عــاش أحد معارضــي الطاغيــة، الطبيب الدكتــور هوغو سفادفورا في مدينة صغيرة شــرق بنما وكان مســتهدفا من قبل نظامها العسكري الحاكم مدة طويلة بســبب انتقاداته له. ويستعيد التقرير عملية خطف هوغو سفادفورا في 1985 بتوجيه من حاكم بنما الطاغيــة الجنرال نورييغا الذي أصدر تعليمــات الخطف والتعذيب حتى الموت. وما جرى من هــذه الناحية شــبيه بتداعيات خطــف وقتــل الصحافــي الســعودي جمال خاشــقجي، فقد تم خطف الطبيب ســفادفورا وقتلــه وتقطيع جثمانه وحتى اليــوم لم يعثر على رأسه. وتتابع «ربما كانت عائلة سفادفورا أكثر حظــا من عائــات أخرى فــي بنما فقدت أعزاءهــا ممــن تم تعذيبهم وقتلهــم وما زالت جثامينهم مفقودة، وقــد كانت عمليات الخطف والتعذيب والإعدام جــزءا لا يتجزأ من الواقع اليومي المعاش في بنما منذ أن شهدت الانقلاب العسكري في 1968، وقد استمر هذا الواقع حتى 1990 بعدما رفعت الولايات المتحدة غطاء دعمها للنظام الإجرامي وتدخلت عســكريا وأسقطت النظام الاستبدادي في بنما».

وتســبب القتل الوحشــي لهذا الطبيب في احتجاجات واســعة ضد نظام الحكم وتزايدت قوة المعارضة المنادية بإسقاط الطاغية الذي رد بتصعيد القمــع وتضييق الخناق على الحريات وخنق الصحافة. وتكشف «هآرتس» عن وثيقة تاريخيــة عبارة عن مذكرة تلخيصية أرســلها شــاؤول كاريف ســفير دولة الاحتلال في بنما عام 1987 وفيهــا حذر من أن شــبكة العلاقات بين إســرائيل وبين بنما فيها إشكالية خاصة، والحديث يدور عن حاكم مستبد وفاسد مكروه من قبل معظم البنميين الراغبين برحيله.

الحقيقة الكاملة لن تنشر قريبا

وتنبه «هآرتس» أن الولايات المتحدة بزعامة الرئيس الراحل رونالــد ريغان في تلك الفترة، بــدأت تتحفظ مــن طاغية بنما وتغيــر موقفها منه لتورطه بجرائم فســاد وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنســان والمتاجرة بالسموم وغيرها من الجرائم ونقل عتاد تكنولوجي لكوبا. ورغم دعوة واشنطن له للاســتقال­ة تشبث نورييغا بحكمه واختار الموســاد مجــددا دعمه في منع انتشــار الاحتجاجات والمظاهــر­ات بالترويع والإرهاب وفــي محاولة الإفلات مــن عقوبات فرضها ريغان على بنما.

وعلى خلفية ذلك طلبت واشنطن من حكومة الاحتلال وقف عمل هراري في بنما، لكن هراري رفض مغادرتها «حفاظا على الصداقة مع صديق في وقت الضيق». وفي مايــو/ أيار 1989 جرت انتخابات عامة جديدة في بنما فاز فيها مرشــح المعارضة لكن نورييغا ســارع لإلغاء نتائجها، وفــي نهاية العــام غــزت الولايــات المتحدة الأراضي البنميــة وتم اعتقــال نورييغا الذي قضى بقيــة حياته خلف القضبان في ســجون أمريكا وفرنســا وبنمــا حتى رحل فــي 2017، أما هراري ففــر من بنما قبيل الغــزو الأمريكي بساعات إلى إسرائيل.

في حفــل تأبين هراري الذي مــات في 2014 تحدث مسؤولون إســرائيلي­ون عن مساهماته الكبيرة فــي عمليات أمنية في رحــاب العالم، وأشــادوا بـــ «أفعالــه البطوليــة». وتخلص «هآرتــس» للقــول إن الوثائــق التاريخيــ­ة المسموح بتداولها لا تكشف عن الخدمات الأمنية والسياســي­ة التي قدمها هراري فــي بنما، لكن مجرد مطالبة الولايات المتحدة برحيله من بنما تعكــس أهمية ومقدار ما قام بــه هناك. وتتابع «ســنطلع على نوعية ممارسات هراري في بنما بشكل كامل فقط بعدما تتيح الرقابة العسكرية نشر بقية الوثائق التاريخية، ولا يتوهمن أحد أن يتم ذلك قريبا».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom