Al-Quds Al-Arabi

الدرويش لـ«القدس العربي»: تعنيف معلمين مغاربة غير مقبول ونظام «البكالوريو­س» مُبهم المعالم

- الرباط ـ «القدس العربي» من ماجدة أيت لكتاوي:

شهدت شــوارع العاصمة المغربية الرباط، أحداثا عنيفة ضــد مجموعة من المعلمــن المحتجِّين، أثــارت ردود أفعال غاضبة ورافضة لــكل ما تعرضوا له، وهو مــا أكده محمد الدرويش رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين ضمن حواره مــع "القدس العربي"، واصفا ما حدث بـ "غير المقبول".

ضيــف حــوار "القــدس العربي"، هــو أحــد الدكاترة المعروفين فــي قطاع التعليم العالي على المســتوى المغربي والعربي، والأمين العام الســابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي، والأمين العام لاتحاد نقابات التعليم العالي في دول المغرب الكبير.

ولامس الدكتــور الدرويش، وهو كذلــك وعضو المكتب السياســي لحزب الاتحاد الاشــتراك­ي للقوات الشــعبية، ورئيس جمعيــة الخدمــات الاجتماعية للتعليــم العالي وتكوين الأطر وصاحب "مؤسســة فكر"، بعــض القضايا الأساســية التي تخُــصُّ واقع التعليم فــي المغرب، ونظام "البكالوريـ­ـوس" الجديد وإن كان ســيكون ذا قيمة مضافة لصالح الطلبة المغاربة وطموحاتهم المستقبلية.

■ هــل يســيء العنــف الــذي تعرض لــه الأســاتذة لمكانة ورمزية المهنة ويخلق تمثُلات سيئة عن المعلم والمدرسة؟

■ أولا نعبر عن أســفنا وامتعاضنا مما شــاهدناه من معاملات غير تربوية ضد أساتذة قرروا الاحتجاج من أجل مطالبهــم وهذا أمر غير مقبول في بلدنــا الذي تطورت فيه القضايا الحقوقية خلال الســنوات العشرين الأخيرة، وقد تابعنا كيف أن الرأي العام الوطني كله ندد بتلك المشــاهد وطالب بالمحاسبة.

■ هذا أمر أول، وأما الأمر الثاني فســؤال عن لماذا خرجت كل فئات منظومة التربيــة والتكوين إلى الاحتجاج والإضراب ممــا يضيع علــى بناتنــا وأبنائنــا زمنا دراســيا قبــل كورونا وأثناءها؟

■ خرجــوا للاحتجاج والإضــراب، لأن وزارة التربية الوطنيــة والتكويــن المهني والتعليــم العالي لــم تلتزم بالاتفاقيـ­ـات الُمبرمــة بينها وبين النقابــات التعليمية، كما أن الحكومة لم تعمل على إيقــاف هذه الاضطرابات، ثم إن الحوار متوقف منذ أكثر من ســنة. وحين نعلم أن الحكومة قريبة من انتهاء ولايتها ســنتمثل حجــم التخوف وطول الانتظار التي ســيتعرض لها كل فئات المنظومة ويظل الحل الوحيد لإيقاف هذا النزيف هو الحوار ثم الحوار ثم الحوار الصادق المبني على الثقة المتبادلة والقائم على أســاس أن المواطنة حقوق وواجبات.

■ خاض المغرب تجربة "التعليم عن بعد" أثناء الجائحة ما تقييمك للتجربة، وما هي مؤاخذاتك حولها؟

■ حلَّت الجائحة وضربت كل دول العالم ومنها المغرب، واتخذ الملك محمد الســادس قرارات اســتراتيج­ية جنبت المغرب ضربات قاسية وأزمات عميقة وقاتلة؛ أذكر من هاته القرارات الملكية إغلاق الحدود بحرا، وبرا وجوا، وإنشــاء صندوق وطني خــاص بالجائحة، وغيرها مــن القرارات الاستباقية، واتخذت الحكومة المغربية كذلك عدة قرارات، منها الحجر الصحي، الشــيء الذي أجبر قطاعات منظومة التربية والتكوين على اعتماد ما يســمى "التعليم عن بعد" الذي يستمر إلى يومنا هذا.

واتخــذت وزارة التربيــة الوطنيــة والتكويــن المهني والتعليــم العالي والبحث العلمي عــدة مبادرات لتطويق الانعكاســ­ات الســلبية لجائحة كورونا من مثــل اعتماد بروتوكــول صحي بحــزم وصرامة وفي تنســيق تام بين وزارتي الداخليــة والصحة، وكذا وضع مســطرة خاصة بتدبير حالات الإصابة بالفيروس في أوســاط المؤسسات التربوية في كل المستويات، وبذلك تم حصر أعداد المصابين ســواء في التلاميــذ، أو الإداريــن، أو الأســاتذة، كما تم وضع أنماط تربوية تضمن تأمين ســير الدراسة وكثير من المبادرات بهدف تحصين الزمن الدراسي.

وأما عن تقييم التجربة ورأينا في الموضوع، فاســمحي لي أن أؤكــد بأن التجربة هذه إذا ما وضعناها في ســياق الاســتثنا­ء نقول إن كل الإجراءات المتخذة تظل استثنائية في زمن اســتثنائي، وتقييمها يظل نسبيا، غير موضوعي لا من قبلنا ولا من قبل القطاعــات الوصية، أما الموضوعية فتقتضــي الاعتراف بأن التجربة لم تكــن موفقة، بل كانت فاشــلة في مجموعة من المدن والقرى والمداشــر، لأننا بكل بســاطة لم نكن مهيئين لها، ثم إن تدبيــر المنظومة من قبل هذه الحكومة والحكومات الســابقة أغفل الجوانب الرقمية رغم أن برنامج "جيني" ابتدأ منذ سنة 2006 ، وخصصت له ميزانيات ضخمة إلا أنه لم يوظف ذلك كما كان منتظرا، هذا من جهة أما أمر "التعليم عن بعد" ، فنعتقد أن فيه لبســا إن لم نقل مغالطة.

إن التعليم في الأصل عمليــات تربوية تفترض التفاعل بين المعلم والمتعلــم، فكيف يمكن أن نتحــدث عن "التعليم عن بعد" لدى الأطفال في سن 3 سنوات وأكثر، وكيف يمكن أن نتحــدث عن "التعليم عن بعد" وظروفه وشــروطه غير متوفرة في مجموعة من مناطق المغرب، من مثل التجهيزات، وصبيب الانترنت، والهواتف الذكية، والحواسيب وغيرها، ثــم إن كل ذلك هو ثقافــة، يجب تربية النــشء عليها منذ ســنواته الأولى حتى تعم الجميع، وأما ما يتم الحديث عنه في هذا الباب هو "التكوين عن بعد"، والذي يهم من استكمل دراســاته الثانوية أو العليا، وابتعد عن الأقسام، وباشــر عالم الشغل، وتجده محتاجا لاســتكمال تكوين في أمر ما فيلجأ إلى التكوين عن بعد وطنيا ودوليا.

■ يشــرع المغــرب ابتــداء من الموســم الجامعــي المقبل في العمل بنظام البكالوريو­س في مؤسســات التعليم العالي، هل تعتقد أنه سيستجيب لسوق الشغل ولطموحات المغاربة؟

■ بالفعل فقد أعلنت الوزارة الوصية عن هذا المشــروع خلال ســنة 2018 ، ونظمــت لقاء وطنيــا بمدينة مراكش، إلا أنهــا اصطدمت بعــدم جاهزية كل مؤسســات التعليم العالي لذلك، وبعدها حاولت إشراك الأساتذة الباحثين إلا أنها لم توفق في ذلك مرة أخرى، وقد كان المرصد أدلى بدلوه في الموضوع، حين قررت الوزارة تنظيم لقاء وطني بمدينة الرباط، واقترحنا على الوزيرين تأجيل اللقاء، وتوســيع الاستشارات أولا مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، وثانيا مع كل الأســاتذة الباحثين، وإعطائهم الوقت الكافي لبداية موفقة لمشــروع الإصلاح البيداغوجي "الباشلور" الشيء الذي لم توفق فيه الوزارة مرة ثانية.

اليوم نتابع باهتمام كبير ما يصدر عن هيئات الأساتذة الباحثــن التمثيلية، وكلها تعبِّر عن رفضها لهذا المشــروع ليس ضده، ولكن للطريقة الاســتعجا­لية التي تباشــر بها الوزارة الوصية تفعيل هذا المشــروع الذي لم تتضح معالمه بعد لدى كل الفاعلين، مشــروع "الباشلور" هذا هو تسمية جديدة للإجازة ومدته أربع سنوات بدل ثلاثة في الإجازة والسنة المضافة سنة تأسيسية.

أما عن رأي "المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين" في المشــروع فنطرحه عبر أســئلة متداخلة، هل اســتنفذ المغرب نظام )إجازة ماستر دكتوراه( المعمول به إلى اليوم في أغلب الــدول الأوربية؛ وإذا كان الأمر كذلك هل تم تقييم التجربة تقييما حقيقيا ماليا وموارد بشرية وبيداغوجيا؟ وهل تتوفر منظومة التربية والتكوين على الموارد البشرية اللازمة لانطلاق هذا المشــروع خصوصــا في مجال اللغات الأجنبية والمهــارا­ت الحياتية والذاتية كما تلقن في البلدان المتقدمــة بدءا بالتعليــم الأولي وليس بدايــة من التعليم العالي؟

ثــم هل، ونحــن نعيش زمــن كورونــا بانعكاســا­تها الاقتصادية والاجتماعي­ة والمالية ســتتمكن خزينة الدولة من إضافة تكلفة ســنة جامعية والمقدر بمــا بين 20 و25 في المائة من الميزانية؟ ثــم أليس حريّا بالقائمــن على تدبير أمــر المنظومة التفكيــر في تقويــة النظــام الحالي وذلك بتنســيق وتشــاور تامّين مع الأســاتذة الباحثين من أجل تطوير وتجويد مواده بإضافة مواد لغات أجنبية ومهارات ذاتية وحياتية؟ وبذلك نعفــي بلدنا من نتائج مغامرة غير محســوبة العواقب انطلاقا من الظروف الحالية، وانطلاقا كذلك من كون هذه السنة هي ســنة انتخابية بامتياز، وقد يكون لذلك انعكاســات ما خلال الدخــول التربوي المقبل، وأما القول باســتجابة ســوق الشــغل لطموحات الطلبة المغاربة بتغيير هذا النظام بــذاك فأمر فيه مغالطة، إذ على سوق الشــغل أن ينفتح على الجامعات، ويطور من بنياته، وأساليب بحثه عن الكفاءات، وتوظيفها.

التعليم العالي المغربي يزخر بطاقــات وقدرات هائلة، لكن ضعف سوق الشغل المغربي لا يتماشى مع هذه الطاقات الواعــدة، إن تطوير المجتمــع يمر بالضــرورة من قناتين متوازيتين، همــا التعليم العالي والبحث العلمي، وســوق الشغل، وهذا مع الأسف غير متوفر اليوم، إذ غالبا ما نسمع أن الجامعة تفــرخ البطالة، وهي غير منفتحة على ســوق الشــغل، وهذا حكم قيمة ومصادرة على المطلوب، والحال أن الصحيح هو أن يقال على ســوق الشــغل أن ينفتح على الجامعات ويطور بنيته الإنتاجية والتســويق­ية وغيرها، وبالمناســ­بة لا يجب أن نحــول أدوار التعليــم العالي كلها من أدوارها التاريخية والمتمثلة أساســا في تكوين وتأهيل المواطن وليس دورها أن تصبح مركزا للتكوين المهني فهذه موجودة وتقوم بأدوارها كما أنشــئت له وهي اليوم كذلك يعاني خريجوها من البطالة، فأين الخلل؟

■ عقــدتم لقاء مع رئيس الحكومة ســعد الدين العثماني ما أبرز ما دار بينكم؟

■ مباشــرة بعد تأسيســه في تجربة أولــى في تاريخ المغرب التربــوي، اتخذ "المرصد الوطنــي لمنظومة التربية والتكوين" عــدة مبادرات، وذلك بتنظيمــه ندوات وطنية ودولية، ولقاءات "سمر المرصد"، ووساطات في عدة ملفات، وقد توج في ســنته الأولى باستقبال رئيس المرصد من قبل الدكتور عمر عزيمان المستشار الملكي ورئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحــث العلمي، والدكتور عبد الحكيم بنشــماس رئيس مجلس المستشــار­ين، والدكتور ســعيد أمــزازي وزير التربية الوطنية والتكويــن المهني والتعليم العالــي والبحــث العلمــي، والدكتور ادريس اوعويشــة الوزير المنتــدب المكلف بالتعليم العالــي والبحث العلمي، وأخيرا و ليس آخرًا، تم اســتقبال وفد عن "المرصد الوطني لمنظومة التربيــة والتكوين" من قبل الدكتور ســعد الدين العثماني رئيس الحكومة، وقد كان اللقاء مناسبة للتعريف بالمرصد، وأهدافه، وبرامجه، ولقاءاته الوطنية والدولية، ووســاطاته في عدة ملفات من مثل ملف المتعاقدين، وملف الطلبة الأطباء، وملف حملة الشواهد العليا، وملف دكاترة الوظيفة العمومية، والدكاترة العاطلين.

كمــا كان اللقاء مناســبة لتبــادل وجهــات النظر بين الطرفين في مجموعة من القضايا التي تعرقل السير العادي للعمليات التربوية والعلمية ببلادنا في بعض المستويات، ويؤزم الأوضــاع بالمنظومة التربوية، ولــم يفت "المرصد" التنويــه بكل المبــادرا­ت الملكيــة في مجموعة مــن الملفات والقضايا الخاصة بها، وهي التــي تجعلها الدولة المغربية قضيــة وطنية بعد قضية الصحــراء المغربية، كما تم تقديم تصوره للنهوض بالأوضاع التربوية، والمهنية والاجتماعي­ة لأسرة التربية والتكوين.

ومن جهته نوَّه رئيس الحكومة بالمرصد، والقائمين علــى أمــوره، باعتباره تنظيمــا مدنيــا حيويا يعنى بمنظومة التربيــة والتكوين من الأولــي إلى العالي، وهذا أمر غير مســبوق، مشــيدا بكل المبــادرا­ت التي تنــم عن حس وطني، مســاهم في التعبئــة الجماعية لإنجاح أوراش إصــاح المنظومة وتفعيــل مقتضيات القانون الإطار 17- .51

 ??  ?? محمد الدرويش
محمد الدرويش

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom