Al-Quds Al-Arabi

«تلك أسفاره»: رواية الفلسفة واللعبة الحكائية

-

■تحاول رواية ) تلك أسفاره ( لعلي حسين يوسف ضخ أكبر كمية من الجهد الفلسفي والأفكار والتحليل وحوارات وكل ما له علاقة بالفلسفة من أجل تبئير فكرة الرواية لتكون هي الحاضنة الأولــى والأخيرة لــه، ولتكون ايضــا غطاء لكل المســتويا­ت التدوينية، لأن اللعبة الأساســية في هــذه الرواية تؤدي دور الضخ لزيادة مناســيب المعلومة الفلســفية التي تبدأ بالعنوان ليكــون بوابة المدينة الفلســفية التي يدخلهــا.. وعلاقة المفردة أسفار بالفلسفة أقوى من علاقتها بالمتن السردي وحتى الحكائي الذي يريد إعلاء قامته من أجل المنافســة مع المستوى الفلسفي التي كونتها الفكرة الأساسية.

المبنى الحكائي.. المبنى لسردي

ما يبدو على الرواية انها سيرية بثوب سردي، أو سرد ارتدى ثوب الســيرة، ولذا فان الأسفار هنا لا تعني سوى تلك المركبات التــي تحمل نــواة كل حركة مــن الحركات والشــخوص التي ساهمت في إعطاء ملمح الشــخصية بعدها السيري وبالنتيجة الوصول إلى الملمح الفلســفي الذي تريد الرواية قوله. الأسفار هي فصول حياتية يحملها المتن السردي بطريقة التقشير المتعدّد النواحي والاتجاهات، فهي أسفار فلسفية وسياسية واجتماعية وعلاقــات وتضاربات وتبيان وحتى ازدواجية الشــخصية في القــراءة الأولية لمعنــى القصدية التي تدور رحاها بين أســفار الروايــة، وقد يجد المتلقي أن ) أســفاره( لا تبدو مطابقة للمراد التأويلي من خلال نتائج البحث الســيري بــل أرادها أن تكون علامة دالــة على محاولة إيصال كل ما يريده من أجل التماهي ما بين طريقة السرد وطريقة الحكي.

تنوّع المتون

تنص فكرة الرواية على الفعل الفلســفي لمدرس فلسفة ينظر إلى الحياة بعين أخــرى لا ينظر لها المجتمــع ولا تنظر له القوة السياســية المتســلطة التي تذكر في التأويل الحكائي على انها تمتد من الســبعيني­ات حتى ســنوات الحصار ومــا بعده وهي تراقب حركة الشــخصية مع ما يجاورها من شــخصيات تتعدد بتعدد الأســفار، وتتنقل بطريقــة التدوين بتعــدّد فهم وثقافة الشــخصيات المرافقــة.. وهذه الشــخصية تلاقــي الكثير من التضادات فلا المجتمع باســتطاعت­ه هضم الفلســفة باعتبارها المعينة على فهم الحياة ومواجهة الصعاب ولا الســلطة تريدها ان تكون موجودة،) كم مرة نصحناه أن يكف عن تفلســفه لكنه لم يتعظ( ولهذا فإن التحولات التي صادفت الشــخصية كثيرة بدءا من أيام الدراسة المختلفة حتى الجامعة وعلاقاته المتشعبة والمتضاربة وغير الموفقة التي جعلها الروائي على أســاس انها متون متعددة للكشــف عن الماضي وبالتالي وقع في هذ الجانب في فخ ضخ المعلومات وما يجاوره من شخوص لا يؤثر وجودهم علــى الصراع والفعــل الدرامي وتصاعد الحــدث بقدر ما يمنح وجودهم قدرة على ان تكون الشــخصية متفلسفة لواقعها ومن خلالهم يتم الكشــف عــن تلك الجذور التي أرادهــا الروائي أن تكون محمولة على عاتق المستوى التحليلي..

مستويات الروي

تعتمــد الروية علــى المســتوى الإخباري لتوضيــح معالم الشخصية لرئيسية وهو مســتوى يمنح الحكاية بعض ملامح التحول إلى الســرد الذي تلاعب به الروائي على لســان راويه المتعدد الالســن والصفات والتحولات.. فهــو يتنقل بين الغائب ولمخاطب والمتكلم في اغلب المتون سواء اجتمعت هذه الصيغ في سفر واحد او بعضا منها حســب ما يأتيه الراوي من حديث عن مفصلية من مفصل الشخصية التي تتنقل ما بين الريف والمدينة والانتقــا­ل من تحولاته الثقافية والتقاليد العشــائري­ة والمدنية حيــث المدينة وفضلا عــن الإخبار المرجعي للأحــزاب الاخرى والصراع بين المدنية والشــيوعي­ة والسلطة بحزبها والصراع ما بين الكتاب وقارئه واهميــة هذه الكتب في تجذير العلاقة.. وقد اعتمد الروائي على طريقة روي متنقلة. وذلك من خلال الإخبار السريع بجمل سريعة متراصة مواكبة للحدث لحكائي، والاخبار المستوفي لشروط الاسترجاع الماضوي للشخصية، والاسترجاع للمتون الفلسفية التي يحملها الشخصية الرئيسية وما تأثر به او أثروا من شــخصيات اخرى، وهي اســترجاعا­ت طويلة في بعض الاحيــان ضخّ فيهــا الروائي جلّ ما يعلمــه عن الجواب لفلســفية حتى انها فاقــت القدرة على ن يكــون طالب جامعي يحفظ كل هذه الاســماء والمرجعيات والأقوال دون ان يســوقه على لسانه الحالي في لحظة التدوين وهو ما جعل الزمن ينقسم إلى الزمن الذي بدت به الرواية وهو زمن منا قبل لنهاية، والزمن الذي قشر فيه الراوي شــخصيته عير طريقة إزالة القشور عن لــب الحكاية وهذا الجــزء اعتمد على ثلاث أزمان ايضا.. زمن الطفولة، وزمن الجامعة والتنقلات الفكرية والاضطرابا­ت العاطفية والشــخصية والســلوكي­ة وزمن الوظيفة والتحولات السياســية.. اما الجزء الثالث هو الزمن النهائي حيث تتكشــف خيوط الروي والنهاية الحتمية التي بات المتلقي يعرفها منذ البدء..

تنوع الأسفار

الشخصية الرئيسية شخصية جدلية وهو ما ســار عليه الروائــي لتوضيح معالمه لكي يتمكن من منح الخلاصة عدة بقع ضوئية.. الاولى: الرؤية الفلسفية

للبطل الذي لا يريد ان يكون هامشــي في مجتمع تحكمه سلطة تريده أن يكــون في الهامــش. الثانية: الرؤيــة الحكائية عبر ذكر كل ما هو متعلق بالشــخصيا­ت وما يرافقه من خوف وفعل وارباك وحتى انفصام..الثالثــة: الرؤية الروائية للحكاية التي جعلت المســتويا­ت تتصارع مع بعضها وهــو ما جعل الروائي لا يهتم بتسلســل الأحداث بمنطقيتها بقــدر اهتمامه بما يمكن ان تمنحه من منطقية تواجدها في جسد الرواية. ولهذا فان كل سفر يبدأ بصيغة الغائب إلا القليل منها تبدأ بطريقة الحوار او السؤال الفلسفي وهو ما يعني صناعة راوٍ موازٍ للراوي العليم والراوي الضمني الذي يمهــد للتحول إلى صيغة المتكلــم او العكس من المتكلم إلى الغائب وما بينهما تبرز صيغة المتكلم يكون بارزا في توطيد العلاقة ما بين الســيرة الذاتية الحكائية والمتن السردي الروائي.. ولهذا احتاج في المتون السردية متن وصفي إخباري، ومتن حواري حكائي بالإضافة إلى متن ســردي زمني مع مراعاة تغييب المكان الملموس والاكتفاء بما تمنحه اللحظة المحسوســة من تقريبية إلــى وعي المتلقي على اعتبــار ان كما يحصل خرج عن نطاق قصدية الفلسفية بما هو معني بالصراع الاجتماعي قد حصل في كل زمان ومع أية شخصية معارضة او مثقفة وهي لعبة تدوينية بدت واضحة حتى من تحليل الشــروح وتحويلها إلى متقطفات زمنية ومنها جعل حوار داخل حوار وداخل حوار آخر ضمن عملية تقشــير ما تراكم من الاســفار وهو الأمر الذي جعل المتن الحكائي ينشطر إلى شطرين.. الاول: هو المحمول الفلسفي وهو ما جعله يســكب الكثير من المعلومات التي تدل على ثقافة الروائي واهتمامه وهو ضرورة اهتمام الراوي وبالنتيجة جزء من أسفار الشخصية المحورية.. والثاني: المفتتح الاجتماعي وما يرتبط به من صراع سياســي وعلاقات اجتماعية وجذور وهوية.. لكن كل هذه الصراعات كانت ترتبط بالشــخصيا­ت والاحــداث من محيطهــا الخارجي ولم يكن هنــاك غوص في الاعمــاق للتدليل على الفعــل الدرامي للأحداث كلها كجزء مــن التفعيل الســردي وهــذه الطريقة التدوينية أثرت بشكلٍ فاعل في المستوى الســردي لان المحمول الذي ركض وراءه الروائي كان المحمول الفلسفي باعتبار ان الرواية تنتمي إلى هذا المســتوى بكليتها وهو مــا جعل العنــوان يبــدو ملائما في الاشارة والتنويه والقصد. ٭ كاتب عراقي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom