Al-Quds Al-Arabi

كتاب «الوثنية الجديدة» لمحمود قرني: انتصارات عابرة ومؤقتة

-

■ إذا كانــت الثقافة هي مركــب القيم والأعراف والمعتقدات، التي تؤلف حياة الجماعة، فإن الكاتب لا شــك، هو صائغها. لكن تحــولات تلك القيم تبدو عصية علــى الفهم فــي كثير من الأحيــان، وهذا ما يدفــع الكاتب إلــى الاعتقــاد بأنه واحد مــن طرائد النظــام الاجتماعي، الــذي يعمل ضمــن منظومات قاســية من التدجين، فيذهب عادة إلى اتهام قارئه بالغفلــة، تحــت تأثيــرات الوعــي الأفقــي بعمليــة التطور. هــذا ما يســتهل به الشــاعر محمود قرني كتابه النثــري «الوثنية الجديــدة وإدارة التوحش» الصادر حديثا عن دار الأدهم في القاهرة.

في كتابه هذا عن التحولات الفكرية والسياسية وتأثيرها في مصير الإنســان المعاصر، يكتب قرني قائلاً، إنه يجب أن لا ننســى أن القــارئ الذي عاين كاتبــه خازنا للقيمــة، عاينه أيضا وهــو يبيع ذمته لمن يدفــع أكثر، وكمــا عاين الثقافة وهي تؤســس لمفهوم الدولــة العادلة، عاينها أيضــا وهي تتحول إلى مضامين طبقية شديدة البؤس.

القارئ والكاتب

هنــا يذكر قرنــي أن الموضوعات التــي يتناولها كتابه هذا، ليســت ســوى مردود للعلاقة الفريدة التــي يمكنها أن تجمــع بين القــارئ والكاتب على قــدم المســاواة، ولا يشــك الكاتــب فــي أن الفكر الشــمولي أورثنــا معتقــدات انتهــت بعشــرات الكتّاب إلى ممارسة عسف، تجاوز أحيانا عسف الأنظمة التي عملوا لصالحها، ثم حاولوا غســل

صحائفهــم مــن ســواد يبدو أنــه يســتعصي على النقــاء. قرنــي يــرى أن التصــورات المعرفيــة التي تنشــد تخليص الكاتب من أوهــام كثيرة، تبدو في نظر كثيرين عارية عــن الأخلاق، لكنها في الحقيقة تبــدو أكثــر إدراكا للحقائــق الجارحــة، فالكاتــب الــذي يعيــش في ظــل الأنظمــة الرأســمال­ية يدرك جيدا، وسيردد دائما خلف آدم سميث، أن الحكمة

الســيئة ستســود فقط لأنها الحكمة التي

يؤمن بها الســادة، وهذا لا يعني بالطبع أن الكاتب شــريك في تســويغ تلك القمامة، لكــن يعني إزاحة التاريــخ لصالــح اللاتاريخ، وعلى نحــو أدق إزاحة القيمة لصالح القوة. قرنــي يكتب هنــا أيضا عــن كورونــا، باعتباره أســوأ تعبيرات العنف السياســي، ذاكرا، أن وباء كورونــا قــد يكــون طريقا لبعــث روح جديــدة في الطبقات الوســطى والمهمشــة حول العالم، لتشكل حزبــا مــن الحفــاة والعــراة. أما فــي المقــال الذي يحمل الكتــاب عنوانه فيقول الكاتب، إن أعلى مراحل الخطر أن ترتدي الضحية زي جلادها استعدادا لتلبّس دوره والدفاع عنه. كما يكتب عــن الســرديات الكبرى فــي ســوق الهزليات النقديــة، عن اليســار الجديد وكيــف انتصرت الشــعبوية، عــن أدب المســتقبل وسياســة العواطــف المقضومة، عن ثقافــة الربيع العربي ومرضى الأمل، عن الطبقة المتوســطة، وهل هي ضحيــة مفكرين أم قطــاع طرق؟ كمــا يكتب عن الجوع وعن نمط الاستقرار الفرنسي، عن مفهوم العمــل بين الماضي والحاضر، كما يتســاءل لماذا يقف المثقف الثوري في صفوف الإرهابيين؟

مشروع التنوير

في مقال له عن طه حســن يكتــب قرني فيقول، إنــه رغــم النكوص الذي صــادف مشــروع التنوير فــي جملتــه، إلا أن خطــاب طه حســن مــا زال مع كل قــراءة، يبــدو خــارج أفــق التوقــع، ويكفيه أنه

أحــد أخطر المعــاول التي رفعت غطاء القداســة عن الخطاب الكهنوتي، حيث اســتطاع أن يجعل إعادة النظر في التراث ومحاكمتــه منهجيّا وعقليّا ضمن القــراءات التاريخية القابلــة للنقد في آن. هنا أيضا يكتــب محمود قرني عــن الجوع فيقــول، أيًّا كانت صور الجوع أو التجويع في شتى مدلولاتها، سواء كان الجوع ماديّا متمثلا في شــح المأكل والمشرب، أو معنويّــا كجوع البشــرية إلى الانعتــاق من القهر والظلم والتماس حريتها أنّى وجدتها، فإن الطبقية لعبــت الــدور الأبرز فــي إعاقــة تقدم البشــرية إلى غايتها في تحقيق السعادة.

كذلــك نقرأ هنا عن أســطورة القمر، والأســاطي­ر التاريخية كافة، التي هي بمثابة استعادة لعالم بكر يستعيد شــهواته، كما أنها أعلى تعبيرات الإنسان الحــر في عالم تبدو كل انتصاراتــ­ه مؤقتة وعابرة. فــي كتابه هذا الــذي يُعد مــا يقدمــه محاولة لفهم البُنــى الاجتماعيـ­ـة للدولة الحديثة بــكل تجلياتها، بينمــا تعقيداتها أكبر من الأفهام أحيانًا، يتجول ما بين الفكر والسياسة والإبداع في عدة مقالات يربط بينها الهم الإنساني بشتى طبقاته ومستوياته. ٭ كاتب مصري

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom