Al-Quds Al-Arabi

هل تهدد عائدات الخزانة الأمريكية والأموال الساخنة بدفع الحكومة المصرية إلى تعويم الجنيه مجدداً؟

- ■

القاهــرة - الأناضــول: أدى ارتفــاع العائد على ســندات الخزانة الأمريكية إلى زيادة مخاوف المتابعين للشأن الاقتصادي المصري مــن اللجوء إلى تعويم ثــانٍ للعملة المحلية )الجنيه(.

ومَــرَد هــذه المخــاوف ارتفــاع العوائــد على الســندات الأمريكيــ­ة، الأمر الذي يهدد بتخارج الاســتثما­رات الأجنبية في سندات الأســواق الناشــئة، وأبرزها مصر، لتتجه غربا إلى الولايات المتحدة.

وتعتمــد مصر، التي حــررت عملتها كليا فــي نوفمبر/تشــرين ثانــي 2016، بشــكل كبيــر علــى التدفقــات الأجنبيــة المعروفــة باسم «الأموال الساخنة» التي تستثمر في أدوات الدَيــن الصادرة عنهــا كمصدر مهم للنقــد الأجنبي. ويعود ســبب إطلاق إســم «الأموال الســاخنة» إلى أنها غير مســتقرة في مــكان واحد، وأن في إمــكان أصحابها نقلها من سوق لأخرى طبقا للعوائد الأعلى عليها، في أي وقت.

تخوفات

وارتفعــت هــذه التخوفــات، مــع تراجع عوائد النقد الأجنبي الأخرى لمصر، وأبرزها الإيــرادا­ت الســياحية وتراجــع عائــدات الصــادرات، بســبب الظــروف الصحيــة العالمية.

وسجلت استثمارات الأجانب في أدوات الدَيــن المصريــة ارتفاعــاً قــدره 28.5 مليار دولار فــي نهايــة فبراير/شــباط الماضي، حسب تصريحات صحافية لمحمد حجازي، رئيس وحدة إدارة الديون في وزارة المالية.

وكانــت اســتثمارا­ت الأجانــب بلغت 23 مليــار دولار حتــى ديســمبر/كانون أول 2020، بينما ســجلت 17.6 مليــار دولار في نوفمبر/تشــرين الثاني 2017، أي بعد عام واحد من التعويم.

وخــال 2021، يتعــن على مصر ســداد التزامات خارجيــة بقيمة 21.4 مليار دولار، في وقــت بلغ الدَين الخارجــي 125.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2020.

وأمام هذه المتغيرات، ستكون مصر أمام أزمة تذبذب في وفــرة النقد الأجنبي داخل الأســواق المحلية، في حال استمرار تراجع مداخيــل الدولار على وجــه الخصوص من عائــدات الســياحة والصــادرا­ت، وتراجع جاذبية أدوات الدَين المحلية.

غيــر أن الخبيــر الاقتصــاد­ي، أحمد ذكر الله، يرى أن مصر لن تلجأ إلى تعويم جديد نتيجة استمرار تدفقات النقد الأجنبي إليها، مــن خــال القــروض الخارجيــة المتزايدة ســواء على شــكل ســندات أو غيرها، رغم أنها تشكل عبئا على الموازنة.

ويضيــف أن تحويــات العاملــن فــي الخــارج ستســهم أيضــاً فــي تعويــض عجــوزات النقد الأجنبــي، خصوصا وأنها بلغــت خــال 2020 مــا يزيــد عــن 29 مليار دولار.

ويقول أيضاً «مصر تستطيع تأجيل دفع المســتحقا­ت للــدول العربية مثــل الإمارات والســعودي­ة والكويــت، وبخاصــه أنهــا نجحت في ذلك عدة مرات خلال الســنوات الماضية».

ويبلغ إجمالــي الودائع التــي تعود لتلك الــدول 17.2 مليــار دولار، بينهــا 7.5 مليار للســعودية و5.7 مليــار دولار للإمارات و4 مليارات للكويت.

ويفتــرض أن يكون آخر قســط تســدده مصر مــن ديونها الخارجيــة الحالية يعود إلــى عــام 2071، وفــق نشــرة الســندات الدوليــة الصادرة فــي فبراير/شــباط عن وزارة المالية. وأكد أن مصر لم تستفد شيئا مــن تعــويم الجنيــه فــي 2016، فلــم ترتفع الصادرات مســتغلة انخفاض قيمة العملة، ولــم تتزايد أعداد الســياح للاســتفاد­ة من كون البلاد أرخص الوجهات السياحية.

من جانبه، يــرى الخبير الاقتصادي عبد الحافــظ الصــاوي أن مصــر قد تلجــأ إلى تعويــض خروج بعــض الأموال الســاخنة المســتثمر­ة في الدَيــن العام مــن خلال رفع ســعر الفائدة، حتى ولــو كانت فاتورة ذلك عالية، في سبيل تحييد أي تعويم جديد.

ويقــول أنه فــي حــال أقبلــت الحكومة المصرية على عملية تعويم ثانٍ للجنيه، فمن المتوقــع أن يأتــي ذلك على المدى المتوســط وليــس القريب. ولفت أنه فــي حال التوجه نحــو التعــويم الثاني، فســيكون فــي إطار التعويم المدار.

واعتبــر أن اســتقرار ســعر الصرف الأن عنــد 15.65 إلى 15.75 جنيــه مقابل الدولار يعتبــر حالة من النجاح، علــى الرغم أن هذا الاستقرار لا يعبر عن واقع العرض والطلب علــى الجنيه، نتيجة أتباع آلية التعويم الُمدار حاليا.

وحــول تداعيــات الاتجــاه نحــو تعويم ثــانٍ للجنية، يرى الصــاوي أن حجم الدَين الخارجــي ســيتزايد، إضافــة إلــى ارتفاع حجــم فوائــد الديون فــي الميزانيــ­ة والتي تقتــرب مــن 40 بالمئــة مــن قيمــة الإنفاق، وصعوبة سداد الديون الخارجية.

ودائع المصريين ستتأثر

وبلغــت تقديــرات إجمالــي فوائد خدمة الدَيــن العــام فــي ميزانيــة الســنة الماليــة 2021/2020 نحــو 569 مليــار جنيه )36.18 مليــار دولار( أي 33 بالمئــة مـــن إجمالــي المصروفات في الميزانية.

وقال الصاوي «ودائع المصريين ستتأثر بالســلب أيضاً، وبخاصة صغار الُمدَّخرين وأصحاب المعاشــات والطبقة المتوســطة، كما حدث في تعــويم 2016، حيث تراجعت ثروتهم بنســبة 50 بالمئة». فــي المقابل قال حســام الشــاذلي، أســتاذ إدارة التغييــر والتخطيــط الاســترات­يجي فــي «معهــد كامبــردج للدراســات الدوليــة» أن مصــر تسير في اتجاه تعويم ثانٍ كامل، وبخاصة أن شــروط المؤسســات المقرضــة تلزمهــا باتبــاع آليــات العرض والطلــب. وتوقع أن تصــل قيمة الجنية بعد التعــويم الثاني إلى 30 جنيها للدولار.

وطالب بضرورة أن يصاحب هذا التعويم مشاريع صناعية ومؤسسية تدعم الميزانية وتجــذب الاســتثما­ر وترفــع من المســتوى المعيشي للمواطن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom