Al-Quds Al-Arabi

المغرب: مقدمات ما قبل المصالحة الشاملة؟

- ٭ كاتب وباحث مغربي

■ ثمــة مؤشــرات مطردة علــى مســتوى القرار السياسي في المغرب، تسمح بالحديث عن قرب الإعلان عن مصالحة شاملة، أو على الأقل قرب انفراج حقوقي.

من حيث السياق السياســي، ثمة على الأقل ثلاثة محددات تجعل هذه الخطوة مبررة وعقلانية، أولها أن المغرب ســيعرف استحقاقين انتخابيين متزامنين، الاســتحقا­ق التشــريعي والجماعي وما يرتبط به من عمليات انتخابية تخص إحــداث مكاتب مجالــس الجماعات والعمــالا­ت ومكاتب الجهات. والثانــي، أن المغرب بصدد الخــروج من تداعيات كورونا، التي لا شــك أن المعطيات الرقميــة التي تخص آثارها ســتكون صادمــة، والتي بدأت تعبــر بعض الحركات الاحتجاجية الفئوية عن تحدياتها. وأما الثالث، فيخص، تحولات السياسة الدولية، وصعود الديمقراطي­ين إلى دفة الإدارة الأمريكية، وحاجة المغرب إلى تكييف سياسته الداخلية وفقا لهذا المتغير لكســب معركة نزاع الصحراء ولتحصين مكتسب اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربيتها. حاجة المغرب إلى الانفراجة الحقوقية في هذا الســياق لا تخطئها العين، فإجراء اســتحقاقا­ت انتخابية بالقاســم الانتخابي الجديد )الذي يجعل احتســاب المقاعد على قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية لا على أساس ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطي­ة باحتساب المقاعد بناء على عدد المصوتين تصويتا صحيحــا أو على الأقل عــدد المعبرين عن أصواتهم( ســيمس في الجوهر بالمســار الديمقراطي، وســيظهر للجميع، أن القصد هو تخريــج خارطة انتخابية جديدة تنهي تصدر العدالة والتنمية للمشــهد السياســي. ولذلك، يحتاج تمرير هذا النمط من الاقتراع على أساس هذا القاسم الانتخابي الجديد، إلى ما يمتص تداعياته الســلبية، ومنها ارتفاع منســوب العزوف عن العملية الانتخابية، وذلك، لا يتأتى إلا بقرار سياســي يعلن مصالحة شاملة، تهيئ الشرط السياســي، وتشيع أجواء الثقة التي تجعل العملية الانتخابية مستساغة حتى وهي بهذا الشكل المعيب ديمقراطيا.

تواتر الحركات الاحتجاجية )حراك الفنيدق، أســاتذة، وممرضين، وأطر صحية، وتوعد عدد من الفئات بخــوض احتجاجات على خلفية تضررها من طول فترة حالة الطوارئ الصحية( فضلا عن التداعيات الســلبية التي خلفهــا التدخل العنيف ضد الأساتذة، والتمثلات الســلبية التي تركها هذا التدخل، وبخاصة تمثل تغول السلطة في مخيال الرأي العام، هو محدد آخر، صار يبرر إعلان مصالحة شــاملة، لإشاعة جو من الثقة في قدرة مؤسسات الدولة على التعاطي الإيجابي مع المطالب الفئوية، دون تعريض السلم الاجتماعي للخطر.

المحدد الثالث، مرتبط أساســا بالتحديات الجديدة التي أنتجتها المقاربة الجديدة التي انتهجها المغرب لحل مشــكلة النزاع حول الصحراء، وتغيير مفردات سياســته الخارجية اتجاه الجزائر من جهة، واتجــاه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، لاسيما إسبانيا وألمانيا، فهذه التحديات، فضلا عن تغير الإدارة الأمريكية، صــارت تفرض تصليب مكونات الجبهة الداخلية، وإزالة كل أوراق الاحتقان التي من الممكن أن يتم الاســتثما­ر فيها من قبل القوى الأجنبية، لإضعاف السياسة الخارجية الجديــدة المغرب. في ضــوء هذه المحددات الثلاثــة، يمكن أن نفهم قــرارات كبيرة، للأســف لم يتم إعطاؤها ما تســتحق من التحليل، أو لم يتم فهمها في ســياقها، ولم يتم اســتحضار أبعادها. ثمة على الأقل خمسة مؤشرات دالة، توجهت أربعة منها في الجملة لمؤسسة القضاء، والنيابة العامة، ومؤسسات المحاسبة والحكامة، فيما يخص الخامس، تغير الأسلوب في التعاطي مع اعتقال ناشط حقوقي.

على مســتوى السلطة القضائية، فقد عين الملك الســيد محمد عبد النباوي رئيسا أول لمحكمة النقض، أي رئيســا منتدبا للمجلس الأعلى للســلطة القضائية بمقتضى الصفة الجديدة، والســيد الحســن الداكي، وكيلا عاما للملك لــدى محكمة النقض، رئيسا للنيابة العامة، بهذه الصفة الجديدة، وعين خمسة أشخاص في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اثنين منهم تم تثبيتهما، فيما تم تعيين ثلاثة أعضاء جدد.

وعلى مســتوى مؤسسات المســاءلة والحكامة، فقد عين الملك، أحمد رحو، رئيسا للمجلس المنافسة، فيما عين زينب العدوي رئيسا للمجلس الأعلى للحسابات.

قد تبدو هذه التعيينات عادية، لكن الإشــارات التي ارتبطت بها، وبشكل خاص، التعليمات التي تم الكشــف عنها من قبل بعض المعينين، في خرجات إعلامية، تشــير إلى أن الأمر، يندرج ضمن سياســة تصحيح صورة القضاء، وإثبات استقلاليته عن أي جهة، كما يندرج تعيين أحمد رحو في ســياق تفعيل مجلس المنافســة، ووضع حد لخلاف اللوبيات التي أربكت قرارات هذا المجلس في الفترة الســابقة بســبب ظاهرة التركيز والاحتكار والتوافق المحتمل في قطاع المحروقات، وفي نفس الاتجاه يمكن فهم إحالــة نتائج التحريات التي أجريت حول هــذه القضية إلى رئيس الحكومة لاتخاذ المتعين بشــأنها، فيما يمكن قراءة تعيين الســيدة زينب العــدوي على رأس المجلس الأعلى للحسابات، باعتباره، دفعة في اتجاه تفعيل دور هذا المجلس، وتوسيع نطاق عمله، ونقــل تقاريره من دائرة التداول الإعلامي إلى دائرة المحاســبة والإحالة على القضاء. من المؤشرات الدالة، ولو أنها جزئية، الإفراج عن الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي المعطي منجب ومتابعته في حالة سراح.

البعض قرأ في بلاغ وزارة الداخليــة الذي صيغ بلغة عنيفة للرد على تصريحات الســيد المعطي منجب عقب الإفراج عنه، على أساس أنه مظهر جديد لتغول السلطة، لكن، التأمل في عبارات البلاغ، والمســتند­ات التي تم الاحتجــاج بها لنفي التهم التي وجهها المعطي منجب لبعض الجهات الأمنية، وخلوه من أي دعوة إلى المتابعة، يعتبر بحد ذاته مؤشــرا على تغير الخطاب، إذ يفهم من مضمونه، بعث رســالة إلى السيد منجب بمراعاة المرونة التي تعاملت بها الســلطة ودعوته إلى الكف عن «الاستفزاز» أكثر منه، تصعيدا في حقه. تركيب هذه المؤشــرات، أن الســلطة السياســية تستبق وضعا من المحتمل جدا أن يتم ترتيبه قريبا، وأن القضاء، فضلا عن مؤسسات الحكامة والمساءلة، ســيلعب أدوارا حيوية في هذا الوضع، وأن العقليات السابقة التي كانت تدار بها هذه المؤسســات، لن تكون خادما للوضع الجديد، الذي يتناسب مع مصالحة شاملة، تجعل من أهم شروطها إبعاد القضاء عن ساحة تصفية الحسابات السياسية، ونفي شــبهة المحاباة عن مؤسسات الحكامة والمساءلة، لاســيما في الملفات الحارقة التي تسببت في اندلاع مقاطعة اقتصادية شاملة لبعض المنتجات.

لحد الآن، لم تغادر هذه المؤشــرات هذه المؤسســات، ولم يصــل الأمر إلى المجال الحيــوي، أي القرار السياســي، الذي ينتظــر لطي صفحة معتقلــي الريف، وإنهاء الاحتقان مع الجســم الصحافي، والإفراج )العفو( عن )توفيق بوعشــرين، سليمان الريســوني..( لكن التجارب الســابقة، تؤكد بأن ترتيب الوضع المؤسساتي، يكون دائما ســابقا عن أي قرار سياسي مرتقب. ما يخشى دائما، أن تحدث بعض المتغيرات التــي تبرر حالة التردد في المضي في هذه الخطوة، فقد أبانت الســوابق الماضية، أن التحديات الأمنيــة، أو التعاطي غير المتلائم من قبل بعــض النخب مع هذه المقدمات المبشرة، وعدم التقاط إشاراتها، يدفع إلى تسويغ حالة جمود الموقف.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom