Al-Quds Al-Arabi

تقرير حقوقي: الحبس الاحتياطي عقوبة للتنكيل بمعارضي السيسي

- القاهرة ـ «القدس العربي»:

اعتادت الســلطات القضائيــة في مصر خلال الســنوات القليلة الماضية على استخدام الحبس الاحتياطــ­ي كعقوبة للتنكيــل بمعارضي النظام السياسي، حســب ما أكدت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير » أمس الجمعة.

وقالــت المؤسســة الحقوقية فــي تقرير حمل عنــوان «زنازين مفتوحة ـ كيــف جرى التنكيل في القضايا ضد متهمي حرية التعبير» إن التنكيل اســتهدف بشــكل خاص صحافيــن، ومبدعين، وأكاديميــ­ن، ونشــطاء سياســيين ومواطنــن عاديين، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو القيام بممارسة مهام عملهم، أيّا كان الوسيط أو وسيلة التعبيــر، طالما كان المحتوى فيه شــبهة معارَضة للسياسات القائمة.

انتهاك للقانون

وأضافت: يمكن القول إن هذه الممارسات عبَّرت في مجملها عن نمط انتهاك صــار اعتياديّا خلال الســنوات الخمس الأخيرة، فــي انتهاك صريح لقانون الإجــراءا­ت الجنائية، الــذي ينص على أن الهدف من قــرار الحبس الاحتياطي وضوابط اســتخدامه وبدائله، احترازيّا لحماية التحقيق أو سير المحاكمة، خاصة في الحالات التي يُخشى فيها من نفوذ أو ســلطة المتهــم التي قد تمكِّنه من العبث بالأدلة أو الأحراز أو القيام، بما مِن شــأنه التأثير على سير العدالة بالتحقيق أو المحاكمة.

ولفت إلى أن وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من رصد تطور مهم على مستوى استخدام السلطات القضائية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ســلطتها في حبس المتهمين احتياطيّــا، وأن هذا التطور لا يمكــن وصفه بالجديد، ولكن بعد تكرار استخدامه بشكل موسع ومنهجي يكون من الممكن توصيفه باعتباره نمط انتهاك اعتياديا للحق في المحاكمة العادلة.

ووفق التقريــر، تعلق هذا التطــور بما عرف مؤخــرا بتدوير المتهمــن، حيث تقــوم الأجهزة الأمنية، الضالع الأكبر في ممارسة هذا النمط من الانتهــاك­ات، بالامتناع عن تنفيــذ قرارات إخلاء ســبيل متهمي حرية التعبير، وبعــد احتجازهم بدون مسوغ قانوني لفترات زمنية متفاوتة، تقوم بإعداد محاضــر تحريات جديــدة، تعتمد عليها نيابة أمن الدولــة العليا في إدراج المتهمين المخلى سبيلهم، بعد انتهاء الحد الأقصى للمدة القانونية المحددة لحبســهم احتياطيّا، وأحيانا قبل انتهاء تلك المدة، علــى ذمة قضايا جديــدة، وفي أغلب الأحوال يكون التدوير من الداخل دون أن يتمتع المتهم بقرار إخلاء سبيله بشكل فعلي.

دعم قانوني

ويواجــه المتهمون في معظــم تلك الحالات، لائحة الاتهامــا­ت المتكررة نفســها المبنية على تحريات الجهات الأمنية، بما يمكِّن الســلطات القضائية من حبســهم احتياطيّا عامين آخرين علــى ذمة التحقيقــا­ت، ليكون بذلــك المتهم قد قضى أربعة أعوام قيد الحبس الاحتياطي بدون الإحالــة إلى المحاكمــة، كما أن بعــض المتهمين تجري إعادة تدويرهم فــي قضايا جديدة أكثر من مرة، تبعــاً للتقرير، الذي أكــد أن الوحدة القانونية في مؤسســة حرية الفكــر والتعبير قدمت دعما قانونيّا لصالح 133 متهما من ضحايا انتهاكات حرية التعبير، بصوره المختلفة، خلال عــام 2020، بينمــا تمكن محامو المؤسســة من الحصول على قرارات إخلاء سبيل أو استبدال الحبس الاحتياطي بتدابيــر احترازية لصالح مئة متهم خلال العام نفسه، نصفهم )50 متهما( أعيد تدويرهــم في قضايا جديــدة بعد إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى.

وتابع التقرير: شملت تلك القائمة من المتهمين صحافيــن، وحقوقيين، ومبدعين، ونشــطاء سياســيين فضلًا عن المواطنين العاديين سواء من مســتخدمي مواقــع وتطبيقــات التواصل الاجتماعــ­ي، أو ممن تعرضــوا لإحدى حملات القبض العشوائي أو لأسباب أخرى متعددة.

وبينت المنظمة أنه في سبيل تسهيل ممارسة تلك الأنمــاط الاعتيادية من الانتهــاك­ات تقوم الســلطات القضائية بحبس المتهمين على ذمة قضايــا متعددة تعــرف محليّا باســم )قضايا الثلاجات( وهــي قضايا تســتحيل مع طبيعة تكييفهــا القانوني، من حيث تنــوع الخلفيات المهنيــة، الجغرافيــ­ة، والعمريــة والجندرية للمحتجزيــ­ن علــى ذمتهــا فضــلًا عــن تنوع توجهاتهم الفكرية وانتماءاته­م السياســية، أن تتم إحالتها إلى المحاكمــة، ولكن تبقى مفتوحة لضم أشــخاص آخريــن باعتبارهــ­ا )زنازين مفتوحــة( لعقــاب المختلفــن مع السياســات القائمة بالحبس الاحتياطي لمــدة عامين، وفي حال الرغبة في اســتمرار التنكيل بشــخص أو مجموعة ما، تجري إعادة تدويرهم كما أوضحنا سلفا.

وحاول التقرير تســليط الضــوء على عددٍ من أنماط الانتهاكات التي تمارســها السلطات المصرية، القضائية تحديدا تجاه حق المواطنين في التعبيــر، بصــوره المختلفــة، وكذلك حق المواطنــن فــي محاكمــات عادلــة، منذ لحظة القبض عليهم، مرورا بمرحلة تحقيقات النيابة ووصولا إلى مرحلة المحاكمــة التي لا تأتي أبدا في سياق نمط )قضايا الثلاجات( الآنف الذكر.

وثَّقت وحدة الرصد والتوثيق في المؤسســة إحالة 16 متهما على ذمة القضية رقم 65 لســنة 2021 حصر نيابة أمن دولة عليا، منهم 6 متهمين ألقي القبض عليهم خلال شــهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شــباط الماضيين، فضلًا عن 10 متهمين تم تدويرهم على تلك القضية بعد إخلاء ســبيلهم على ذمة قضايا أخــرى. حققت نيابة أمن الدولة مع المتهمــن، ووجهت إليهم جميعا الاتهامات نفســها، كان أبرزهــا «الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشــر أخبار كاذبة وإســاءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.»

وأوضح التقرير أن المتهمين الســتة المقبوض عليهم حديثا ألقي القبــض على ثلاثة منهم في ثلاثة أحيــاء مختلفة داخــل محافظة القاهرة، أما الثلاثة الآخــرون فقد ألقــي القبض عليهم في ثلاث محافظات مختلفــة: المنوفية، الفيوم، والجيزة. وجميعهم ألقي القبض عليهم، ورغم ذلك لم يقبض على أيٍّ منهــم بصحبة الآخر أو حتى في اليوم نفسه. وتنوعت خلفياتهم المهنية بين: صحافي، باحث ماجستير، موظف بشركة مقاولات، طالب، ومواطنين آخرين لم نتمكن من

معرفة مهنهم.

وتابع: تنوعت أســباب القبــض عليهم رغم تطابــق الاتهامات الموجهة إليهــم، فبينما ألقي القبــض على الصحافــي في موقــع مصر 360 الإخبــاري على خلفية ممارســته مهــام عمل صحافي، ألقي القبض على باحث الماجستير في الجامعة الأوروبيــ­ة المركزية، خلال قضاء فترة إجازته القصيرة في مصر على هامش دراســته في العاصمة النمســاوي­ة فيينا، في الوقت الذي ألقي القبض فيــه على المتهمين الأربعة الآخرين على ذمة القضية لأسباب تتعلق بتعبير كل منهم عن رأيه على حســابه الشخصي في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فــي قضايا وموضوعات متنوعة، لا يجمع بينها سوى أن الأجهزة الأمنية ارتأت فيها شبهة معارضة للسياسات القائمة أو نظام الحكم. كذلك لا تربط المتهمين الســتة أية روابط شخصية أو تنظيمية أو عقائدية.

وواصل التقريــر: أما عن المتهمين العشــرة الذين جرى تدويرهم من الداخل، فقد شــملت القائمة أربع سيدات وستة رجال، بينهم تسعة متهمين جرى تدويرهم للمرة الأولى في القضية 65 لســنة 2021 حصــر نيابة أمن دولــة عليا، ومتهم وحيــد أعيد تدويره للمــرة الثانية بعد إخلاء سبيله على ذمة قضيتين أخريين. تنوعت القضايا التي أخلي سبيل المتهمين العشرة على ذمتها، قبل أن يتم تدويرهم في القضية 65 لسنة 2021، وبلغ عددها أربع قضايا.

وطالبت المؤسسة السلطات المصرية بتعزيز العدالة الجنائية والحــرص على الحفاظ على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية بأي وسيلة مناسبة.

وأوصــت نيابة أمــن الدولة بالإفــراج عن المتهمين على ذمــة القضية 65 لســنة 2021 مع حفــظ التحقيقات في القضيــة، والنائب العام المصري بالتحقيق في الانتهاكات التي مارستها الشــرطة ونيابة أمن الدولة من سلب المواطنين حقوقهم القانونية.

كما دعت المؤسسة الحكومة المصرية للتوقف عــن ملاحقــة المواطنــن بســبب التعبير عن آرائهم وإتاحــة تداول المعلومات، والتوقف عن استهداف الصحافيين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom