Al-Quds Al-Arabi

الأردن: «الدرس المخفي» في تحقيقات «الأوكسجين» ... رسالة لـ«كل موظف» بعنوان «اقرأ بطاقة توصيفك الوظيفي»

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

قد تقدم ســلطات التحقيق القضائي الأردنية لجميع شــرائح الموظفين في المستويات التنفيذية والبيروقرا­طية درســاً في غاية الأهمية، لا بد من التوقــف عنده بعــد الآن إذا ما فكــرت الحكومة بتصعيد برنامجها نحو الإصلاح الإداري.

هــذا الــدرس لــه علاقــة ببعــض العيوب البيروقراط­يــة التي تكشــفها حادثة مستشــفى الســلط المؤلمة. درس في غاية الأهمية يثبت هذه المرة بأن الموظــف الأردني مهما انخفضت أو علت رتبته الإدارية لديه بطاقة كان تزويده بها خطوة من خطوات الإصلاح الإداري فــي الماضي، وهي البطاقة المختصة بتوصيف وظيفته بشكل خاص.

محطة ضرورية

واضــح تماماً أن بعــض المتهمــن حتى الآن بــن يدي القضاء في حادثة الســلط لــم يقرأوا نصوص بطاقات مهامهم الوظيفية الموصفة بدقة، وهو معيــار حديث ومتطور وعلمــي إلى حد ما، استخدمته النيابة التي حققت في الحادثة والتي أثارت بدورها جدلاً واســع النطاق على مستوى الرأي العام وعلى المستوى السياسي.

هنا إشــارة فارقة تمامــاً تقول ضمنيــاً بأن الموظف العــام الأردني عليه بعــد الآن الاهتمام بقراءة لا بل بتــاوة وحفظ بطاقــة التوصيف الوظيفــي، لأن أي مخالفة ســواء كانت جنائية إو إداريــة بســيطة يمكن العودة في ترســيمها وتصنيفهــا إلى تلــك البطاقة التي تحــدد المهام بشكل خاص.

قد تكون من المــرات النادرة جــداً التي تلجأ فيها النيابة أثناء التحقيق إلى درجة متقدمة من القراءة والتفحص على أساس علمي عبر العودة إلى تلك اللوائــح التي تحدد التوصيف الوظيفي عند تتبع كل ما جرى في حادثة السلط.

سياســياً، وبعد ما قامت النيابــة بواجبها ثم أصبح ملــف القضية بين يدي ســلطات القضاء النزيه المســتقل، يمكن القول بــأن محطة بطاقة تعريف الوظيفة وتحديــد الصلاحيات والأدوار هي محطة ضرورية في الإصلاح الإداري مستقبلاً بعــد الآن، فالموظف العام ينبغــي ألا يتهرب من مســؤوليات، ويحتكم للقانــون. وحال حصول تجــاوزات ومخالفات، أصبح اليــوم مضطراً أو لفــت نظره بعد الآن لقــراءة البطاقة التي تحدد وتصف وظيفته بصفــة دقيقة وتفصيلية حتى لا يتورط بشــبهات قانونية، وهي بطبيعة الحال بطاقه تعريف وتوصيــف يحملها جميع مديري الأقسام وجميع الموظفين صغارهم وكبارهم، وقد دخلت الآن فــي إطار التحقيــق العلمي المنهجي الذي تم اتباعه وبســرعة فــي قضية تدحرجت أمــام الرأي العــام ونتج عنها وفــاه 7 مواطنين أردنيــن، ودفعت حتــى الملك عبد اللــه الثاني للاهتمام والمتابعــ­ة والعودة إلــى التوجيه في مجال الإصلاح الإداري.

يمكن القول إن عادات وتنميطات وسلوكيات جديدة فــي التطوير الإداري تحديــداً يحتاجها الجميع، فقد ســبق لرئيس الوزراء الأسبق عبد الــرؤوف الروابدة، أن أبلغ عدة مرات، علناً وفي الجلسات الخاصة، بأن الأردن حاجته الأساسية للإصــاح الإداري قبــل الإصــاح السياســي والاقتصادي.

سلســلة الحوادث والتجــاوز­ات والمخالفات التي رصدت مؤخــراً في نظام خدمــات القطاع العــام وفي وســط أزمة فيــروس كورونا تثبت اليوم نجاعــة هذا التوصيــف للروابدة، وتؤكد الحاجة الملحة لوجود أنظمة تراقب الأداء وتقيم عمــل الموظف العــام، وتؤكد متى وأيــن تنتهي صلاحيات كل الطاقم الوظيفي في أي مؤسســة من مؤسسات القطاع العام.

وعليــه، يمكن القــول بأن ســلطات القضاء تصرفت طوال الوقت بمنهجية مهنية ودستورية، وعلــى أســاس الاعتبــار­ات القانونيــ­ة، حيث توصيفات على مســتوى النيابة أثناء التحقيق في درجته الأولى قبــل الوصول إلى المحكمة لكل التفاصيل، ومتابعة حثيثة وتحديد مع ترســيم

وتكييف تلــك الاتهامات التي نشــرت علناً أمام الــرأي العام في حادثة المستشــفى الشــهيرة، بمعنى أن الفريــق التحقيقي باســم النيابة قاد التحقيقات بصــورة معمقة لترســيم الاتهامات وتحديــد المســؤولي­ات بخصوص الأشــخاص الذيــن تم اتهامهم حتــى الآن، حيــث اتهامات تتــراوح ما بين الإهمــال والتقصيــر الوظيفي، وبين مخالفــات لها علاقة بأخطاء ارتكبت أفضت إلى حالة موت إنســان بموجب سلسلة القوانين الناظمة للعقوبات.

المسؤولية الأدبية

و في كل حال، يترقب الجميع اليوم ما سيقوله القضاء النزيه في هذا السياق، والتفاصيل برمتها غير قابلة للتعليــق بموجب القانون، لكن الجهاز القضائي في تحقيقه الأوليّ أظهر نوعاً ملموســًا من الشفافية بإعلان لائحة الاتهام وعرض بعض التفاصيــل بعيداً عن الاعتبارات السياســية في المســألة، ســواء تلك المتعلقة برغبة قوى حراك الشارع الاستثمار في هذه الحادثة ضد السلطات، أو تلك المتعلقة أيضاً بســعي بعض المســتويا­ت السياسية أو الحكومية لمحاولة تسييس الحادثة على نحو أو آخر.

واتخــذت حكومــة الرئيــس الدكتور بشــر الخصاونة، الإجراءات التي ترســل صلاحياتها

إزاء الحادثــة فــي إطــار الدســتور والقانون والمسؤولية السـياسية.

وتفهم «القدس العربي» مــن رئيس الوزراء شــخصياً على هامش نقاش حــول ملف وزارة الصحة، بأن المسؤولية الأدبية تحققت باستقالة وزير الصحة الســابق الدكتور نذيــر عبيدات، الذي لا توجد عليه ملاحظــات لها علاقة بالأداء والــذي كان قد قــاد وزارة الصحة فــي مرحلة صعبة للغايــة، لكنه تحمل مســؤوليته الأدبية واســتقال من منصبه، فيما تلميحات الخصاونة تشــير إلى أن الإجراءات الإدارية اتخذت أيضاً دون الاقتراب من التحقيــق القضائي وما تقرره الســلطات القضائية داخل بنية الهيكل الإداري في وزاره الصحــة. وكانت الحكومــة قد عينت الدكتور فراس الهواري وزيــراً جديداً للصحة، كما عينت الدكتور محمــود الزريقات في منصب الأمين العام لــوزارة الصحة، فــي الوقت الذي عقــدت فيه جلســة المحكمــة الثانيــة للمتهمين في قضية مستشــفى الســلط بعيداً عن ضغوط الشــارع في كل تصنيفاتــه، وبعيــداً أيضاً عن اعتبارات التسييس.

لكن في الأثناء، الجهد الذي تقوم به سلطات التحقيــق القضائــي قبل الوصــول إلى المحكمة أو قامت بــه قبل المحكمــة ولاحقاً ســتقود إليه المحكمة وتقرره، قد ينطوي على إشــارات أعمق بكثير مــن تفصيــات لوائح الاتهــام وتحديد

مســؤوليات المتهمين في هذا الملــف، لأن القضاء يحاول التأســيس لدرس وطني عميق ومهم له علاقة بكيفية إدارة الصلاحيات للموظف العام، وضــرورة الانتبــاه بعد الآن إلــى أن المخالفات عندمــا تحصــل قد يكــون لهــا علاقــه ببطاقة التوصيف الوظيفي، وهي موجودة ومتاحة لكل موظف، مما قد يســاهم - بعدمــا أنجز التحقيق على مســتوى النيابة بســرعة وبشــكل عميق وقدم للمحكمــة لاحقاً- في لفــت نظر الحكومة لواحدة من أهــم متطلبات تطويــر أداء الخدمة في مؤسســات القطاع العام، وبالتالي التطوير الإداري.

وهي تلك المسألة المتعلقة بما ينبغي أن يحصل عندمــا تتم مراقبــة أداء الموظف العــام من قبل المســؤولي­ن عنه، ومما ينبغــي أن يحصل عندما يتعلق الأمر بالتوصيفات المتعلقة ببطاقة الموظف وتحديــد صلاحياته وكيفية تصرفه عند حصول مشكلة، مما يؤشــر، عملياً وضمنياً، لسابقة في غاية الأهمية على المســتوى الوطني، عنوانها أن التحقيقات القضائية ستأخذ بالاعتبار في الكثير من الحالات أو التجاوزات أو الجرائم أو المخالفات عندمــا يحصل ترســيم حــدود المســؤولي­ات، وبالتالي الاتهامــا­ت بناء علــى معايير ارتكاب المخالفة قياساً بالصلاحيات المنصوص عليها في لوائح تعليمات توصيف الوظائف لكل شــرائح العمل البيروقراط­ي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom