Al-Quds Al-Arabi

أسعار المواد الغذائية في المغرب ترعب المواطنين على مشارف رمضان

- الرباط ـ «القدس العربي» من عبد العزيز بنعبو:

مع قرب شــهر رمضان، عاد شــبح الخوف من الزيادات الصاروخية في أثمان المواد الاستهلاكي­ة ليخيم على جيــوب المغاربة، عندمــا اصطدموا بارتفاع أسعار البيض واللحوم الحمراء ولحوم الدواجن وحتــى الخضار. خوف زكته "المندوبية الســامية للتخطيط" في تقرير حديث حول تطور أثمان الاســتهلا­ك خلال النصف الأول من ســنة .2021

الهيئــة الرســمية المكلفة بالإحصاء والمســح الاجتماعي والاقتصادي أكدت أن ارتفاع أســعار المواد الخــام في الســوق الدولية قــد يمتد إلى اللحــوم الحمراء، حيث إن ما يناهــز 87 في المئة من أعــاف الحيوانــا­ت والتســمين تتكون من الذرة والشــعير والصوجا، ومعظمها تســتورد من الخارج. وأشــارت إلى أن الزيادات في أسعار الزيوت والمنتجات الغذائية الأخرى مثل الحبوب تعزى إلى ارتفاع أســعار المواد الخام في السوق الدولية.

ما ســجلته "المندوبية" يلمسه المواطن المغربي عن قرب وهو يحمل "قفته" ويتجول داخل السوق لتغطية حاجياته اليومية من المواد الغذائية، لأنه يدرك جيداً أن رمضان يتطلب جهداً مالياً مضاعفاً ليكفي حاجياته وحاجيات أســرته من مشتهيات الشــهر الكريم التي تتحول إلى أساســيات على المائدة المغربية.

تلك المواجهة المباشــرة بين المواطــن والبائع تجعل كليهما في حيــرة من أمرهمــا... الخضّار والجزّار والفاكهاني جلهم مجرد مصبّ لسلســلة

إنتاج تبدأ من منبع التصنيع، وتمر عبر الشــحن لتصل إليه. بعض المواطنين يتفهمون لكن البعض الآخر لا يعرف مســار البضاعة حتــى تصل إلى دكان هذا الواقف أمامه.

ومن ثم، تشهد أســعار بعض المواد الغذائية، ســواء النباتية أو الحيوانيــ­ة، ارتفاعاً ملحوظاً على مشارف الشهر الكريم الذي تفصلنا عنه أيام معدودة.

حماية المستهلك

وتعــدّ قضية حمايــة المســتهلك مــن الأدوار الرئيســية المنوطة بـ"مجلس المنافســة"، ولذلك كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الاجتماع الأسبوعي الذي عقده مع الوزراء عن بعد أول أمــس، أنه كلّف كلاًّ من الأمــن العام للحكومة ووزيــر الاقتصــاد بالعمل على مراجعــة القانون المتعلق بحريات الأسعار والمنافسة، من أجل تقوية "مجلس المنافســة" باعتباره مؤسســة دستورية مســتقلة تضطلع بوظائفها فــي الْحَوْكَمَة الجيدة وتكريــس دولة القانــون في المجــال الاقتصادي وحماية المستهلك، وأكد أن حماية المستهلك وحماية حرية الأســعار وضمان المنافســة الشــريفة جزء أساسي في البناء الاقتصادي الذي ينشده الجميع.

في الســياق نفســه، عقد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيــت، اجتماعاً عن بعد مــع ولاة وعمال الأقاليــم )المحافظــا­ت( خصــص لتقييــم وتتبع وضعية تموين الســوق المحلية ومســتوى أسعار المواد الأساســية، وكذا لتوجيه تدخلات المصالح المكلفة بالمراقبة وبحماية المســتهلك، وتعزيز آليات التنســيق بين مختلــف الإدارات المعنية. وأضاف بيان في الموضــوع أن وضعية التمويــن الراهنة

والمرتقبة خلال الأســابيع والأشــهر المقبلة تتميز بعرض وافر ومتنوع يلبي حاجيات المواطنين بكافة الأقاليــم من مختلف المواد والمنتجات الأساســية، ســواء منها المحلية أو المستوردة، لا سيما تلك التي يكثر عليها الطلب بمناسبة شهر رمضان.

ودعــا الوزير العمــال والولاة إلــى العمل من أجل حماية المســتهلك من كل الممارســا­ت التي قد تمس بصحته وســامته وبقدرته الشرائية وزجر المخالفات والممارسات غير المشروعة وفق ما تنص عليه القوانين المعمول بها، مشــدداً على أن عمليات المراقبة وتتبع الأســواق يجب أن تندرج في سياق الاستمراري­ة واستباق المخاطر والتطوير المتواصل لآليــات العمل والتنســيق بين مختلــف الفاعلين المعنيين.

وشــدد المســؤول الحكومي على تفعيــل أرقام الاتصــال الهاتفية وخلايــا المداومة فــي الأقاليم والمصالح المختصة قصد تلقــي ومعالجة تبليغات وشــكايات المســتهلك­ين والتجار وهيئات المجتمع المدني بشــأن التموين والجــودة والأثمان وكل ما قد يتم تســجيله من ممارســات غير مشروعة، من شأنها الإخلال بالسير العادي للأسواق أو الإضرار بصحة وبسلامة المواطنين.

ماذا يقول المواطن؟

أول ما يجده المواطن في استقباله لدى دخوله أي سوق أو "ســويقة" وفرة البضاعة وتنوعها، لكنها تتوحد جميعها في السعر الذي يسري مثل القانون بين الباعة.

تجد باعــة الفاكهة وقد اصطفــوا في جانبهم المخصص لهــم يزينون واجهــة محلاتهم بأنواع الفواكه المتوفرة خلال الموســم، تجــد الموز وقد حافظ على مستوى ثمنه مند شهور ولم يتجاوز 8 دراهم )0,89 دولار أمريكي( للكيلو الواحد، بينما التفاح ما زال متشبثاً بسعره الذي لا ينزل عن 12 درهماً )1,33 دولار(، أما البقية فتختلف أثمانها، لكنها تتوحد في بعض الارتفاع المسجل.

بائعو الخضــار، بدورهم، يعرضون ما لديهم، والأثمان تختلف من أســبوع إلى آخر، لكنها في المجمــل تحافظ على اســتقراره­ا الــذي يعتبره العديد من المواطنــن مرتفعاً، ونصــل إلى بائع الدجاج الذي ينهي عمله في حدود منتصف النهار بعد نفاد سلعته.

هشــام شــاب في عقده الثالث، صاحب محل جزارة لبيع الدجاج، يقول إن الســعر لم يختلف كثيــراً، فهو منذ مدة بين مد وجــزر، مرة يبلغ 16 درهماً )1,77 دولار( للكيلو الواحد ومرة ينزل إلى 13 درهماً )1,44 دولار(.

ســألت "القدس العربي" هشــام عن الارتفاع الذي عرفته أســعار الدواجن قبل أشهر، فأجاب أن البضاعة تأتيه بثمن يفرض عليه السعر الذي يبيع به للمواطــن، وتحدث عن منتجي الدواجن أصحاب الضيعات التي تتخصــص في تربيتها، كما تحدث عن العلف وارتفاع سعره.

وخلص هشــام إلى أنــه بالنســبة للمواطن العــادي من ذوي الدخل المتوســط يبقى ســعر الدجاج فــي المتنــاول، لكن بالنســبة للمواطن البســيط صاحب الدخــل المحدود فإن الســعر مرتفع.

غير بعيد عن هشام، يقف إدريس بائع الخضر وهو يتجاذب أطراف الحديث مع زبون والموضوع هو غلاء الأسعار، النقاش كان قصيراً لأن كليهما يعرف أن الأمر لا يســتحق عناء الجدل، فالسعر يفصل فيه سوق الجملة، وقبل ذلك الوسطاء بين الفلاح والتاجر.

أشــار إدريس في حديثه لـ"القــدس العربي" إلى أنه يحس بمدى صعوبــة الأمر على الزبون، ويؤكــد أن عــدداً منهــم يعرفهم ويعــرف قيمة مشترياتهم من ســنوات خلت وكيف تغير حجم "القفة" من الامتلاء حد التضخم إلى ما تيسر.

وقال إن زبائن كانوا يشترون الخضار بزيادة عما يحتاجونه، فأصبحــوا بعد ذلك يكتفون بما يســدّ حاجة الأســبوع، مؤكداً أن يومي السبت والأحد يعرفان رواجاً بحكم العطلة الأسبوعية.

أما عبــد المجيد، وهو موظف دخله متوســط، فأشد ما يخيفه هو ارتفاع الأسعار خلال رمضان، ويؤكد أنها ســتكون محنة مالية مضاعفة ترهق ميزانية الأسر.

وأضاف في تصريح لـ"القدس العربي" أن الأمر لحد اليوم يمكن اعتباره عادياً بحكم المد والجزر في الأسعار، التي تبقى في مجملها مرتفعة نسبياً مع ما "تعودناه في السابق قبل سنوات خلت".

ويشير إلى أن كل شــيء تغير طبعاً، والسوق دائمــاً في حركــة وتطور، لكــن المواطن يظل في مكانه لا يبرحه يســير وفق مــا خططه لميزانيته ويتماشى مع دخله.

الأسعار الحارقة

وجهة نظــر تتقاســمه مع المواطــن صحيفة "المســاء" التي كتبــت، أمس الجمعــة، افتتاحية قالــت فيهــا إن الأســعار الحارقة التي ســكنت أســواق الخضار والفواكــه والدجــاج، والتي طالت أيضاً عــدداً من المواد الأخرى، لم تنجح في لفت انتباه الحكومة ولا أحزاب الأغلبية المشـّـكلة لهــا، بعد أن صرفــت هذه الأخيــرة كل اهتمامها

نحو "القاســم الانتخابي". وأضافت أن "الغلاء لم تعد موجة أو ســحابة صيف عابرة كما نظن، أو كما تدعــي الحكومــة التي تجتهــد كثيراً في صناعة التبريرات لإلصــاق التهمة إما بالمضاربة أو بالتســاقط­ات أو بالجفاف أو بالسوق العالمية وتقلباتها". وأوضحت أن "الغــاء أصبح قاعدة ثابتــة ومهيمنة على الســوق، في ظــل الجمود الذي أصاب الأجور، بالمــوازا­ة مع الزيادات التي زحفت شيئاً فشيئاً على العديد من السلع والمواد والخدمــات، حتى أصبحنا الآن أمــام وضع غير متكافئ تحــاول الحكومة الالتفــاف عليه عوض المبــادرة إلى معالجتــه، بعد أن تأكد أن الســلم المتحرك للأجور كان مجرد حلم عزيز المنال".

واســتطردت قائلة: "كمــا فعل ســعد الدين العثماني ذات يوم، حين زار السد وتباهى بشرب كؤوس كثيرة من الماء ليطمئن المغاربة إلى جودته بعد فضيحة "الواد الحار" )في إشــارة إلى قضية تلــوث البيئة والماء( كنا نتمنــى أن يبادر رئيس الحكومة إلى زيارة ســوق شعبي من أجل معاينة الصعوبة البالغة التي يجدها المواطن المغربي في الموازنــة بين ملء القفة وإفــراغ جيبه في معادلة غير متكافئة بالمرة، خاصة بعد هذه الجائحة التي زادت في إفقار الفقير وإغناء الغني، والعهدة على التقارير الرسمية التي توقعت أن ينخرط أزيد من مليون مغربي في نادي الفقر من أوسع أبوابه".

ولاحظــت الصحيفة نفســها أن "هــذه المعادلة تكشــف أن معــدلات الفقر بالمغرب مثــل البورصة تتحرك يومياً بتحرك الأســعار دومــاً نحو الأعلى؛ كما أن هذه المعادلة تكشــف وجــود عملية انزياح مستمر بين الطبقة الفقيرة والمعدمة وما كان يسمى سابقاً بالطبقة المتوســطة بعد أن توحد الجميع في الشكوى من سوط الغلاء".

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom