Al-Quds Al-Arabi

الهند تستخدم سلاح تنويع المصادر لخفض اعتمادها على النفط السعودي

-

■ نيودلهي - رويترز: أرسلت الحكومة الهندية رســالة تعكس نفوذها في ســوق الطاقة العالمية، وتلقي الضوء على التغيرات الحادثة في خرائطها، عندما طلبت من شركات التكرير في الشهر الماضي تســريع تنويع مصادرها وخفــض الاعتماد على الشــرق الأوســط بعد أيام من إعــان مجموعة «أوبك+» في اجتماعها قبل الأخير أنها ستُبقي على تخفيضات الإنتاج.

وكانت تلك خطوة يجري الإعداد لها منذ أعوام، وعززتها تصريحات متكررة من وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، الذي وصف مشتريات النفط في 2015 بأنها «سلاح» لبلده.

وعندمــا مددت منظمة البلــدان الُمصدِّرة للنفط وحلفاؤها فــي مجموعــة «أوبــك+» تخفيضات الإنتاج حتى أبريل/نيســان، أخرجــت الهند هذا السلاح من جعبتها.

وقالت مصــادر أن شــركات التكريــر الهندية تعتزم خفض الواردات من السعودية بنحو الربع في مايو/أيــار، لتتراجع إلى 10.8 مليون برميل من متوسط 14.7-14.8 مليون برميل شهرياً.

وقال وكيل وزارة النفــط الهندية تارون كابور أن الهنــد طلبت من شــركات التكريــر الحكومية التفــاوض على نحو مشــترك مع منتجــي النفط للتوصــل إلــى اتفاقات أفضــل، لكنــه امتنع عن التعقيب على خطط خفض الواردات السعودية.

وأضاف «الهند ســوق كبيرة لذلــك يتعين على البائعــن مراعاة الطلب في بلدنــا وكذلك الحفاظ على سلامة العلاقة طويلة الأمد».

وامتنعــت شــركة «أرامكــو» ووزارة الطاقــة السعودية عن التعليق.

وقال برادان، الذي يرى أســعار النفط المرتفعة تهديــدا للتعافي الاقتصادي فــي الهند. وارتفعت فاتورة واردات النفط الهندية بشــدة بينما بلغت أســعار الوقود، التي تضخمت بســبب الضرائب التــي فرضتها الحكومة العام الماضي، مســتويات قياسية.

وتتوقــع «وكالة الطاقــة الدوليــة» أن يرتفع استهلاك الهند إلى مثليه وأن تصل فاتورة وارداتها من النفط إلى نحو ثلاثة أمثالها مقارنة بمستويات 2019 إلى أكثر من 250 مليار دولار بحلول 2040.

وذكر مســؤول في وزارة النفط، طلب عدم ذكر هويتــه، أن تخفيضات «أوبــك+» خلقت حالة من الضبابية وصعَّبت على شركات التكرير التخطيط

وزير النفط الهندي دارمندرا برادان

للمشــتريا­ت والتحوط من مخاطر السعر. كما أنها خلقت فرصا أيضا لســد الفجوة من جانب شركات في الأمريكتين وافريقيا وروسيا.

وإذا نجحت الهند، فســوف تضرب مثالاً لبقية الدول. إذ أنه في الوقت الذي يرى فيه المشــترون المزيد من الخيارات بأســعار في المتناول، وتصبح الطاقة المتجددة أكثر شــيوعاً، فإن نفوذ المنتجين الكبار مثل السعودية قد يعتريه الضعف مما يغير الأوضاع الجيوسياسي­ة ومسارات التجارة.

مسعى التنويع

زاد الطلب على النفط فــي الهند 25 في المئة في الأعوام السبعة الماضية، وهو ما يتجاوز طلب بقية المشترين الكبار. وتخطى البلد اليابان كثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم.

وخفضــت الهند بالفعل اعتمادها على الشــرق الأوســط من أكثر من 64 في المئة من الواردات في 2016 إلى أقل من 60 في المئة في 2019.

لكن هذا الوضع تغير فــي 2020، عندما قوضت جائحة كوفيد-19 الطلب علــى الوقود، وأجبرت شــركات التكرير الهندية على الالتزام بمشتريات نفط من الشرق الأوسط بموجب عقود محددة المدة واستبعاد المشتريات الفورية.

وقال المســؤول فــي وزارة النفط أن شــركات التكرير تبحــث الآن عن مُورِّديــن جدد مع تحول الهند مجدداً في أعقاب دعوة برادان إلى تســريع التنوع.

وفي الأعوام الفائتة، تفاوضت شركات التكرير على نحو مشــترك لإبرام صفقات نفــط مع إيران الخاضعة لعقوبــات، والتي تعرض خصومات في السعر وشحناً مجانياً، وتعتزم الآن أن تفعل المثل مع منتجين آخرين.

ومنذ بدء الخلاف مع الســعودية، عقد برادان اجتماعات مع ســلطان أحمد الجابر، وزير الدولة الإماراتــ­ي والرئيــس التنفيذي لشــركة بترول أبوظبــي الوطنيــة «أدنــوك» ووزيــرة الطاقة الأمريكية جنيفر غرانهولم لتعزيز شراكات الطاقة.

وقــال في الآونة الأخيــرة أن البلدان الافريقية قد تلعب دوراً محورياً فــي تنويع النفط في الهند. ويتطلع البلد إلى توقيع اتفــاق توريد نفط طويل الأمد مع غيانا، فضلاً عن دراســة خيارات لزيادة الواردات من روســيا حسبما ذكر مصدر في وزارة النفط.

وقال مصــدر منفصل في الحكومــة الهندية أن الحكومة تتوقع تخفيــف العقوبات المفروضة على إيران في الشــهور الثلاثة أو الأربعــة المقبلة، مما يوفر بديلاً محتملاً أرخص ثمناً للنفط السعودي.

واتفق اثنان مــن المتعاملين على أن إيران لديها فرصــة جيدة للاســتفاد­ة من التحول فــي الهند، وكذلــك فنزويلا والكويــت والولايــا­ت المتحدة. وذكر مصدر في شــركة تكريــر هندية أن الولايات المتحدة وافريقيا ومزيج «سي.بي.ســي» النفطي القازاخستا­ني والنفط الروسي لديهم فرصة كذلك على الأرجح.

لا بديل عن الشرق الأوسط

وعلــى الرغم مــن أن المســتورد­ين فــي الهند سيشــترون ســريعاً أحجاماً متزايدة من درجات الخام العالمية الُمسـَّـعرة عند مستويات مغرية، فإن معظم المحللين يتوقعون أن يظل الشــرق الأوسط الموُرِّد الرئيســي للنفط إلى الهند لأســباب أهمها تكاليف الشحن الأقل.

وتتعــاون وزارة النفــط الهندية مع شــركات التكرير لوضع إطار عمل لبنود التفاوض المشترك مع الموردين.

وقــال كابــور «المشــترون لديهم هــذه الأيام خيارات في الســوق، وهذه الخيارات ستتضاعف مســتقبلاً... هناك الكثير من الشــركات في الهند التي تقوم بالشراء وحدها، لذا عندما تتجمع هذه الشركات فإنها تصبح تكتلاً كبيراً للغاية».

واتفقت الســعودية و»أوبك+» أمس الأول بعد مناقشــات مع مســؤولين أمريكيين علــى تخفيف القيود على إنتاج النفط بدءا من مايو/أيار.

وأقر وزير الطاقة الســعودي الأمير عبد العزيز بن ســلمان بــأن تخفيضات الإنتاج تســببت في مواجهــة « أرامكو بعــض الصعوبــات مع بعض شركائها».

ويقــول محللون أن الخــاف النفطي ليس من الضروري أن يمتد إلى علاقات إستراتيجية أوسع نطاقا في بقية القطاعات، لا سيما الدفاع.

وقالت «أوراســيا كونسَلتِنغ» للاستشارات في مذكرة «حتــى الآونة الأخيرة، فــإن ميزان القوى يميل صوب الســعودية، لكــن الهنــد باتت على نحو متزايد تســتغل الوصول إلى ســوقها وتنوع الخيــارات لفــرض ضغوط علــى الســعودية... بالنســبة للسعودية، فإن خســارة حصة سوقية في بيئــة عالمية تشــهد فيها معظــم الاقتصادات المتقدمة بالفعــل انخفاضاً في طلبهــا على النفط بسبب تطبيق سياسات أقل تلويثاً للبيئة، ستكون ضربة».

وأكد الأمير عبد العزيــز أن «أرامكو» أبقت على إمدادات نفط عادية في أبريل/نيسان إلى شركات التكرير الهندية، بينما خفضتها لمشــترين آخرين، في مؤشــر على أن القلق ينتاب المملكة بشأن بحث الهند عن مصادر جديدة.

والســعودي­ة رابع أكبر شــريك تجاري للهند، وتســتورد العديد مــن المنتجات ومنهــا الأغذية. وتــدرس «أرامكو» شــراء حصة 20 فــي المئة في أنشــطة النفط والكيميائي­ات التابعة لـ»ريلايَنس إندستريز». كما أنها جزء من مشروع مشترك لبناء مصفاة بطاقة 1.2 مليون برميل يومياً في الهند.

لكن أميتينــدو باليت، الباحث لــدى الجامعة الوطنيــة في ســنغافورة، قــال أنه ســيكون من الصعب على الســعودية العثور على مشــتر بديل مســتقر إذا وصلت الهند خفض المشتريات لفترة طويلة. وأضاف «هــذه العلاقة الثنائية لا يجب أن تتأثر بسبب أي قرارات تخص سلعة أولية واحدة. لكن في ظل فائض عالمي، فإن المشترين في السوق لديهم قدر كبير من قوة التفاوض والمصادر».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom