Al-Quds Al-Arabi

شرق أوسط إيراني جديد

- * كاتب فلسطيني

عندمــا فــرض الرئيــس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوباتــه الصارمة قبــل عام، قلنا حينها إنها «عنق الزجاجة الأخيــر» الــذي ســتتجاوزه إيران، فقياســا على ما حققته طهران مــن نفوذ في الشــرق الأوسط في ظل عقوبات سابقة امتدت منذ عهد اوباما، ومقارنة مع الفشــل الذريع للدول الغنيــة المترهلة بالثروة فــي مواجهتها في ساحات عديدة آخرها اليمن، كان واضحا أن النظام الإيراني متمرس في العمل تحت العقوبات والضغط الاقتصــاد­ي، بل وقادر على ممارســة دور خارجي داعم لحلفائه رغم ضائقته الداخلية.

ولأن كل المؤشــرات فــي ســاحات النــزاع في العراق وســوريا ولبنان واليمن كانت تشــير إلى أن الأمريكيــ­ن يتراجعون في الشــرق الأوســط، وحلفاؤهم جميعــا في هذه الســاحات لم يحققوا نجاحا فــي مواجهة حلفاء إيــران، )والمثال الأخير هو الحوثيون( ولأن الساســة الأمريكيين أنفســهم شــككوا بنجاح العقوبات وانتقــدوا إلغاء الاتفاق النووي، لذلك كان وصــف «عنق الزجاجة الأخير» متطابقا مع حالة العقوبات كمحاولة أخيرة لا يبدو أنها ستنجح، لكبح لجام الإيرانيين، وبالفعل عندما جاء وزير الخارجية الأمريكــي الجديد بلنكن، فإن أول ما أعلن عنه هــو نيته العودة للاتفاق النووي، وإيجاد صيغة لتسوية مع إيران ورفع العقوبات.

ومع توقيع الاتفاق الصيني الإيراني بدا أن طهران وجهت رســالة قوية لواشــنطن، مفادها «أننا غير مبالين بالعقوبات وغير مســتعجلين لرفعها ولدينا بدائل» وهو ما حدا بصحيفة وول ستريت جورنال لكتابة تعليق حاد على الاتفاقية، يقول إن «من كان يعتقد أن مغادرة ترامب ســتعيد الــدور الأمريكي بقوة للعالم، قد تلقى تنبيها في الشهرين الماضيين، أحــدث علامة هي اتفاق الصين وإيــران، وهو مثال على توحــد خصوم أمريكا علــى تعزيز طموحاتهم الاســترات­يجية». وتضيــف الصحيفــة أن الصين ستستفيد من اســتثمار مئات الملايين من الدولارات في الطاقة النوويــة والموانئ والنفــط والغاز، في المقابل ســتحصل الصــن على إمــدادات ثابتة من النفط، وســيعمق الطرفان تعاونهما الدفاعي حيث ســتنقل الصــن بعــض التكنولوجي­ا العســكرية لإيران. كما تنتقد الصحيفة فــي المقال، الذي كتبته هيئــة التحرير، المقللين من أهميــة الاتفاق الصيني الإيراني، لمصالح إيران في الشرق الأوسط فتقول: «هذه صفقة كبيرة تعزز المصالح الاستراتيج­ية لكلا الجانبين على حساب الولايات المتحدة والاستقرار فــي الشــرق الأوســط. كمــا أن الدخل مــن النقد الأجنبي، ســوف يمول الحرس الثــوري وحلفاءه في اليمن وســوريا والعراق». طبعا هناك من يقلل مــن أهمية هذا المقــال لوجود ميــول جمهورية في صحيفة وول ســتريت، لكن يمكن لنا إيجاد قراءات مشــابهة في أكثر من صحيفة غربيــة. محرر البي بي سي للشؤون الشرق أوســطية، جيرمي بوين، قال مثلا، تعليقا على الاتفاق، إن «الاتفاق ســيعزز موقف إيران فــي مواجهة الولايات المتحدة» خاصة أن «الولايــات المتحدة لم تحقق تقدما في الشــرق الأوســط «فخوفها من المزيد من التورط في المنطقة فتح المجال أمام منافســيها» ويضيــف: أن «الصين ترى الولايــات المتحدة قد دخلــت مرحلة تراجع لا يمكن الرجوع عنها، وترى في نفســها القوة العالمية الصاعدة. وقوة بهذا الحجم لا يمكنها تجاهل منطقة كالشرق الأوســط في القرن الواحد والعشرين وما بعده».

ويبدو المشهد الأصعب بالنسبة للمشرق العربي هــو أن إيران تبــدو وكأنها تجاوزت فكــرة النفوذ في العواصم المشــرقية بعد أن ضمنه لها حلفاؤها، وبدات تفكر في النفوذ الإقليمي الأوســع وتنســج علاقات وتحالفات مع كبرى دول العالم كالصين بعد روسيا، وقريبا ربما تسوية مع أمريكا!

ولا بد من الإشــارة هنا إلى أننا وإنْ تحدثنا عن نفــوذ وهيمنة إيــران، فنحن بلا شــك نعني نفوذ حلفائهــا، ومعظمهم من قوى الإســام الشــيعي وفرقه، وقد حققــوا هيمنتهم تجاه خصومهم بدون وجــود إيراني مــادي، لقوات أو عناصــر إيرانية، بل بإشــراف عام وضبط للفرق المتنازعة من خلال قيادات مثل قاســم سليماني. ولذلك لا بد من الإقرار بــأن مشــكلة العرب الســنة في العراق وســوريا ولبنان واليمن هي مع نظرائهم العرب، من شــيعة وعلويــن وحوثيين، فهــو إذن نــزاع أهلي داخلي عربي عربي، يتحمل العرب بداية ســبب فشلهم في تسويته داخليا، قبل أن يزج كل طرف منهم بداعميه الخارجيين بـ «الجغرافيا» والداخليين في «المذهب» في أتون هذه المعركة الدموية التي من الواضح أنها ستغير وجه المشرق العربي لعقود مقبلة.

ومع قرار بايدن الأخير بسحب المزيد من القوات الأمريكية من الخليج، ســتتجه واشنطن لتقليص وجودها العسكري وستســحب أغلب جنودها من العراق وسوريا، وهو ما سيعني المزيد من انحسار تأثيرها السياسي بعد العســكري، لنصبح مقبلين أكثر من أي وقت مضى على شــرق أوســط إيراني جديد!

تبدو إيران وكأنها تجاوزت فكرة النفوذ في العواصم المشرقية بعد أن ضمنه لها حلفاؤها وبدأت تفكر في إقامة تحالفات مع كبرى دول العالم

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom