Al-Quds Al-Arabi

حكايات «ألف ليلة وليلة» محتويات جراب الحاوي في العصر الحديث!

- كمال القاضي

باقتراب حلول شهر رمضان الكريم، تحضُرنا ذكريات القصص والحـواديـ­ت في حكايات ألف ليلة وليلة، التي قدمها للإذاعة منذ سنوات طويلة الكاتب الكبير طاهر أبو فاشا وأحدثت في حينها صدى واسـع المجـال، حيث جسدت الفنانة زوزو نبيل بصوتها المميز الشخصية الرئيسية فصار أداؤها ماركة مُسجلة صعبة التقليد، وبعد النجاح الإذاعـــي الُملفت انتقلت الحكايات التراثية إلى شاشة التلفزيون عبر نجوم كبار كانت على رأسهم شريهان التي لعبت دور البطولة مع الممثل الُمعتزل محمد العربي والفنان الراحل جمال إسماعيل، وقد شاركت في البطولة أيضاً زوزو نبيل.

ولم تنته حكايات ألف ليلة وليلة عند هذا التوظيف الدرامي التلفزيوني، وإنما أعيدت كتابة القصص بأكثر من طريقة سواء في المسرح أو السينما، ولكي نقرب الصورة سنستحضر النموذج المسرحي الذي كتبة الكاتب الكبير ألفريد فرج في عام 2005 للمسرح القومي تحت عنوان «الأميرة والصعلوك» وقدم من خلاله النجم الراحل نور الشريف تجربة فارقة ومهمة على مستوى الإخراج والتمثيل، حيث تضمن النص رؤية درامية فلسفية مزجت الواقع بالخيال وتجلت فيها المعاني والاسقاطات الرمزية على الحياة السياسية آن ذاك في مصر والمنطقة العربية قاطبة. حيث طرح العمل المسرحي عدة تساؤلات حول العلاقة بين الواقع والخيال ومدى إمكانية أن يجمع الإنسان بين الحياتين؟ الحياة الواقعية بقوانينها وسلطاتها الاجتماعية، والخيال بمثاليته وأحلامه الوردية ورومانسية أبطالة.

ويجيب النص الفلسفي عن الـسـؤال الصعب

فيصور لنا نموذجا لرجل مثقف يتحايل على ضيق الرزق بإعادة نسخ حكايات ألف ليلة وليلة، مُضيفاً فـي هـوامـش طبعاته الحديثة بعض الُمشهيات الإبـاحـيـ­ة كـي يضمن رواج بضاعته ويُضاعف عائداتها من الدراهم والدنانير. كما لم ينس البطل الُملقب بحسن النساخ نـور الشريف، أن يُضمن هوامشه الُمغرية آرائه في السياسة والحُكام وينتقد الوالي ليُزيد من سخونة كتاباته ويربط بذكاء وحرفية بين الحكايات الخيالية وأصلها الواقعي، وهو مُفتتح النقد الُمباح الذي أراده الكاتب ألفريد فرج والتقطه نور الشريف تمثيلاً وإخراجاً ليُعمق الربط بين ما هو مُعاش بالفعل وما يدور في مخيلتنا ولا نعيشه إلا في أحلامنا وكوابيسنا أحياناً.

ويمضي النص المسرحي في إبـراز التناقضات مُقترباً من المعنى الأصلي في حكايات ألف ليلة وليلة ببلوغ الليلة الواحدة بعد الألف، تلك التي تطوع الكاتب الراحل بإضافتها كي يُثبت أن حولنا من الأساطير والحكايات ما يفوق في غرابته ما روي من التراث القديم برغم مرور السنين والقرون.

وربما بالطريقة ذاتها عبر الكاتب الكبير وحيد حامد عن مضمون الحكايات في فيلمه «احكي يا شهرزاد» الذي أخرجه يسري نصر الله ليصور لنا التشابه في الأحداث والوقائع بين الأمس واليوم، إذ استعرض بعض القصص والصور التراجيدية عبر حلقات البرنامج الاجتماعي الذي تقدمه المذيعة التلفزيوني­ة التي قامت بدورها منى زكي، مُحدداً نماذج بعينها من جرائم الاحتيال والنصب والقتل ارتكبها بحسب السياق الدرامي أبطال الفيلم، محمد رمضان ومحمود حميدة وحسن الرداد وشخصيات ثانوية إضافية وكـان ضحاياها أبطال كرحاب الجمل ونسرين أمـن وناهد السباعي وسوسن بدر، حيث كان لكل من الشخصيات المذكورة المسار

والمسلك والطريق الُمختلف، لكن جمعت بينهم الجريمة كعامل مُشترك ما بين جُناة ومجني عليهم، ولا شك أن رمزية الحكايات العصرية بقتامتها وقسوتها كانت غنية عن التعريف والتفسير وقد أوحت بالقصد والمفهوم والمعنى، إذ تم استغلال الفكرة القديمة الُمستوحاة من تراث ألف ليلة وليلة لعمل الإسقاط المطلوب على الواقع الُمعاصر بما فيه من انتهازيين ومجرمين ومُتسلقين وعشاق للسُلطة والمناصب. كما أن الفيلم قدم رؤية فضفاضة للحياة الاجتماعية الُمتاحة أمام المواطن الفقير العاجز عن التغيير بلا اختيار منه أو رغبة، في إيضاح لغياب العدالة وعبثية الواقع الذي يُنبت الجريمة ويقود الشخصيات إلــى مصائر مجهولة لا تخرج عن النهايات الحتمية التعسة كنتائج لكل مُعطيات الفساد والاستبداد وإهدار الحقوق الإنسانية إبان سياسة الهيمنة والسيطرة والقمع التي كانت راهنة خلال السنوات الفائتة وقت إنتاج الفيلم قبل نحو عشرين عاماً تقريباً من الآن. فهكذا كانت حلقات ألف ليلة وليلة الرمضانية متجاوزة لفكرتها الأصلية كونها مــادة للتسلية والفكاهة بحسب الظاهر في لغتها ومضمونها الخيالي. بيد أن المسلسل التلفزيوني الـذي حمل نفس الاسـم للمخرج عبد العزيز السكري وبطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي وتوفيق الدقن وعبد المنعم إبراهيم، كان ثرياً ونوعياً في طرحه للأفكار، ولا شك أنه مثل نقداً ضمنياً في حينه لبعض السلبيات والُمشكلات الكبيرة والصغيرة وعرج بحساب على القضايا السياسية وفق ما تم السماح به رقابياً في فترة الثمانينيا­ت فلفت النظر وآثــار الإعـجـاب ليس بــأداء البطلين نجلاء فهمي وحسين فهمي فحسب، وإنما بالرؤية الفنية الشاملة للمحتوى الذي جمع بين التاريخي والُمعاصر في قالب واحد بغير نشوز أو اضطراب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom