Al-Quds Al-Arabi

ما معنى أن تتقدم 36 قائمة تتنافس على البرلمان الفلسطيني؟

3 لـ«فتح المنقسمة» وواحدة لحماس و4 لليسار والباقي «مستقل»... وسؤال التحدي: هل سيصوت المقدسيون؟

- عميرة هاس

■ «لقد طفح الكيل» اســم مميز لإحــدى القوائم الـ 36 التي تنوي التنافــس في انتخابات المجلس التشــريعي الفلســطين­ي في 22 أيار القادم. وتعدّ هذه القائمة نفسها قائمة الشــباب التي تشــمل عدداً من حركات الاحتجاج التي عملت في غزة في الســنوات الأخيرة ضد الانقسام الفلسطيني الداخلي وتداعياته الاقتصادية. اسمها يمثل المزاج العام بصورة صادقة، وهي قائمة من 25، مســتقلة صغيرة ظهرت مؤخراً، وكان بادر إليها مجهولون، وهناك شــك ما إذا ما كانت ستحصل على 28 ألف صوت المطلوبة لكل مقعد، أو أنها ستجتاز نسبة الحسم وهي 1.5 في المئة.

إن كثــرة القوائــم تعكس التعطش لإســماع الصوت والمشــارك­ة في عملية اتخاذ القرارات في المجتمع المنقسم بين نظامين مســتبدين، وليســت لهما أي ســلطة أو قوة بالنسبة لسيطرة إسرائيل وسياستها. 11 قائمة من هذه القوائم تمثل تيارات سياســية معروفة، أو أن من يقفون على رأسها معروفون. ومثلما يقتضي قانون الانتخابات، فإن نســبة النساء اللواتي ترشــحن لكل قائمة بلغت 26 في المئة على الأقل، اثنتان في العشــرة الأوائل لكل قائمة. انقسمت حركة فتح إلى ثلاثة أقسام: القائمة التي شكلتها اللجنة المركزية بقيادة محمود عباس واســمها الرســمي «العاصفة» (على اســم الذراع العســكرية الأولى لحركة فتح( وقائمة «الحرية» برئاســة ناصــر القدوة ومؤيدي مروان البرغوثي، وقائمة «المســتقبل» التي شكلها محمد دحلان.

إن تعــدد القوائم قــد يحطــم الثنائية التــي ميزت السياسة الفلسطينية في الـ 15 ســنة الأخيرة ويخلص الناس من الحاجــة إلى الاختيار بين حركــة الحكم هذه )فتح الرســمية( وحركــة الحكم الثانيــة )حماس(. في انتخابات 2006 التي كانت الانتخابات الثانية منذ تشكيل الســلطة الفلســطين­ية، لكنها الأولى التي شــاركت فيها حماس، صوت كثيرون لحماس كتعبيــر عن خيبة الأمل من «فتح» وازدراء قادة الفســاد في الســلطة، رغم أنهم لم يؤيدوا البرنامج الديني – السياســي لحركة المقاومة الإســامية. الآن ســتكون أمامهم بدائل أخرى لتصويت الاحتجاج والغضب والأمل.

في الأســبوع الماضي، وجــه الاهتمــام بالإعلان عن قائمة مشــتركة لمروان البرغوثي وناصــر القدوة، الذي هو من كبار الشــخصيات فــي «فتح» وابن أخت ياســر عرفات. في الشــهر الماضي، قام محمود عباس بفصله من اللجنة المركزية في «فتح» بسبب تشكيله القائمة وبسبب تصريحــه بالحاجة لإجراء تغييــرات جذرية في الحركة وفي سياسة السلطة.

ولكــن هنــاك المزيد من المفاجــآت. فرقم 2 فــي قائمة «المســتقبل» هو سري نسيبة، البروفيســ­ور في الفلسفة ورئيس جامعة القدس سابقاً. في العام 2002 عينه ياسر عرفات ممثــل م.ت.ف في القدس، وفي الســنة نفســها صاغ هو ورئيس الشاباك الســابق، عامي أيلون، إعلان

مبادئ لاتفاق ســام يقوم على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إســرائيل )خلافاً لاتفاق أوسلو الذي لم يذكر دولة فلسطينية(.

إن قربه من دحلان، الــذي يعيش في الإمارات منذ أن طرده محمود عباس من الضفــة الغربية، يعرفه الجميع. وترأس منذ العام 2019 «مجلس القدس للتطوير والإنماء الاقتصــاد­ي» الذي يدعم المؤسســات الثقافية وســكاناً مقدســيين، ولذا حصل على دعم بمبلــغ 12 مليون دولار من صندوق أبو ظبــي للتطوير. وهؤلاء الذين لا يؤيدون دحلان يشــيرون إلى قدرة نســيبة على ضــخ الأموال ودعم نشاطات سياســية واجتماعية لمؤيديه في المناطق التي يبرز فيها غياب الســلطة: قطاع غزة وشرقي القدس ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية.

لقائمة المســتقبل صورة تنمر بســبب ماضي دحلان كرئيــس لجهاز الأمن الوقائي القمعــي في غزة وأنصاره الكثيرين الذي خدموا في هذا الجهاز. ليس نسيبة وحده هو الــذي يلطف هذه الصــورة، فهناك نيــروز قرموط، الكاتبــة والناشــطة النســوية، وهي مــن مواليد مخيم اليرموك للاجئين في دمشــق، جاءت طفلة إلى قطاع غزة فــي العام 1994. رقم 1 في القائمة هو من الذين خدموا في جهاز الأمن الوقائي، سمير مشهراوي، الذي عاد منذ فترة قصيرة إلى القطاع بعد أن كان في المنفى مدة 14 سنة. بعد الحرب الأهليــة القصيرة والمؤلمة في العــام 2007 هربت من القطاع شــخصيات كبيرة وأعضــاء الأجهزة الأمنية التي انتقلت لسيطرة حماس )التي فازت في الانتخابات قبل ســنة من ذلك(. وحماس تســمح بعودتهم منذ بضع ســنوات، والكثيرون منهم عادوا مؤخراً وتجندوا لقائمة «المستقبل».

علــى رأس قائمة فتح الرســمية خمســة أعضاء من اللجنــة المركزية للحركة، خلافاً لتصريح ســابق لعباس بأنه لن يكون فيها من يتولى وظائف في المؤسسات العليا للحركة. ويقف علــى رأس القائمة محمود العالول، نائب عباس. وجبريل الرجوب رقم 4، وكان في السابق رئيس الأمن الوقائي في الضفــة. والأمر الذي فاجأ الكثيرين هو أن رقم 7 في القائمة هو قــدورة فارس، المقرب من مروان البرغوثي. كان من المتوقع أن يكون في قائمة مروان، بعد أن عمل عبــاس والرجوب على إبعاده عــن دائرة اتخاذ القرارات في فتح، ربما بســبب الدعم الشعبي له. ومثلما هو مطلوب من المرشــحين، فقد استقال من منصب رئيس نادي الأسير.

يبــدو أن الناخبــن الفلســطين­يين يولــون أهميــة للمرشــحين في كل قائمة أكثر مما يولون لبرنامجها. هكذا فإن تمثيلاً قليــًا أو مبالغاً فيه لمحافظة ما، أو تمثيلاً قليلاً لغزة أو للســجناء المحررين ومواليــد مخيمات اللاجئين يعتبر نقطة ضعف. في الليلتين في أعقاب إغلاق القوائم، تم الإبلاغ عــن احتجاجات قام بها مؤيــدو فتح – إطلاق النار فــي الهواء وعلــى بعض المباني – بســبب تركيبة القائمة الرسمية النهائية.

في العشرية الأولى لقائمة «الحرية» تمثيل كبير لسكان محافظة رام الله )حتى لــو أن أصل عدد منهم من مناطق

أخرى مثل نابلس والقدس( – 7 من بين 10، اثنان من قرية كوبر، فدوى البرغوثي، زوجة مروان، وفخري البرغوثي، وهو ســجين محرر. القدوة من مواليــد غزة، لكنه يعيش منذ سنوات في الخارج، ويعيش الآن في رام الله – هكذا، في قطاع غزة يشــعرون بأنه قد «تخلى» عنهم، مثلما قال أحــد المصوتين المحتملــن. يؤكد القــدوة ورجاله أنهم لا يحصلون على تمويــل من دول أجنبية، وســيضطرون إلى العمل بشكل حثيث في الأســابيع القادمة ليوضحوا بأن الأمر المهم هو البرنامج السياسي وطرق تطبيقه. في نهاية الأســبوع، تلقى القدوة توبيخــاً من كل الاتجاهات لأنه تجرأ على إسماع انتقاد عن ظاهرة الإسلام السياسي في مقابلة أجراها مع وكالة «فرانس 24».

قائمة حماس تســمى «القــدس – موعدنــا» وخلافاً لتقديرات مســبقة فإن 55 في المئة من بين الـ 132 مرشحاً هــم من ســكان الضفة الغربية وشــرقي القــدس. وكما تعلــم التجربــة في 2006 فإن إســرائيل يمكنهــا اعتقال الكثيرين منهم إذا تم انتخابهم للمجلس. الشــاباك سبق وحذر نشــطاء في الضفة والمتماهين مــع حماس من عدم ترشحهم لقائمتها. يقف على رأس القائمة أحد الأشخاص المخضرمين في الحركة من غــزة، خليل الحية، الذي قتلت زوجتــه وأولاده الثلاثــة في قصف لإســرائيل في العام 2014. وشغل محمد أبو طير المكان الثاني، وهو من مواليد القدس، وسحبت منه إسرائيل إقامته في المدينة وطردته منها بسبب انتخابه للمجلس التشريعي في العام 2006.

35 ســنة من سنوات حياته الـ 70 قضاها في السجون الإســرائي­لية، ســواء كمحكوم أو كمعتقــل إداري بدون محاكمة. في بداية آذار أُطلق سراحه من الاعتقال الإداري الذي استمر 11 شــهراً. أما رقم 3 فهي لمى خاطر )45 سنة( التي تعيش في الخليل واشــتهرت بمقالاتها في الصحف وعلى الشــبكات الاجتماعية. في 2018 اعتقلها الشــباك مــع عدد من النســاء بتهمة نشــاطات اجتماعية ودينية في حمــاس. ورغم أنه لــم يكن هناك أي شــك في قيامها بنشــاطات عســكرية، فهي وزميلاتها تعرضن لتعذيبات قاسية.

ينقســم اليسار الفلســطين­ي الصغير إلى أربع قوائم، منهــا قائمتان لهمــا احتمالية لاجتياز نســبة الحســم والحصول على عدة المقاعد. الأولى هي «نبض الشــعب» المتماهية مع الجبهة الشــعبية ويقف على رأسها الأسرى أحمد ســعدات وخالدة جرار )التي مــن المفروض إطلاق سراحها هذه السنة(. ومن بين الـ 65 مرشحاً، 40 منهم من سكان القطاع. القائمة الثانية «التغيير وإنهاء الانقسام» يترأســها الدكتــور مصطفــى البرغوثي. وهنــاك قائمة أخرى لديهــا احتمالية للحصول على عدة مقاعد هي «معاً نســتطيع» التي يترأســها رئيس الحكومة السابق سلام فياض. رقــم 12 )غير المضمون( هو محمــد الخطيب من بلعين، أحد المبادرين ونشطاء المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل والذي حكم عليه وسجن بسبب نشاطه هذا.

قانون الانتخابات الفلســطين­ي يلزم بتسجيل مسبق لمن يريدون التصويت. نسبة المسجلين عالية )93 في المئة مــن إجمالي أصحاب حق التصويت( مــن بين 5.5 مليون

فلســطيني، هناك حوالي 2.5 مليون ســجلوا في ســجل الناخبين: 1.070.000 في القطــاع و1.400.000 في الضفة الغربية )بما في ذلك شــرقي القدس(. نحــو نصفهم في أعمار 40 فما دون. ما زالت تفضيلات واعتبارات الناخبين لغــزاً: هل ســينجذب الشــباب لقوائم جديــدة وليس للأحــزاب التقليدية؟ هل ســيتأثر التصويت من الوعود المالية وكم يخافون من الهزات الزائدة لذلك ســينتخبون فتــح وحمــاس؟ وكم منهــم، بدافــع وطنــي بالتحديد سيصوتون للقوائم التي تنكل بها إسرائيل بشكل خاص – حماس والجبهة الشعبية؟

رغم الاهتمام الكبير بالانتخابا­ت إلا أن هناك تساؤلات ما زالت تســمع ما إذا كان محمود عباس سيقرر تعليق أو إلغــاء الانتخابات، وبأي ذريعة. هنــاك من يعتقدون أن العملية وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن عباس سيتمسك بقراره لأن شخصيات إسرائيلية رفيعة أظهرت معارضة إجراء الانتخابات. عملية التســجيل التي تمت تغطيتها إعلاميــاً أظهرت الاهتمــام بالانتخابا­ت. وبــات إلغاؤها أو تأجيلهــا، لأي ســبب من الأســباب، صورة ســخيفة لعباس ومؤيديه. ممثلو الاتحاد الأوروبي الذين -خلافاً للتقديــرا­ت- لــم يضغطوا علــى الســلطة للإعلان عن الانتخابــ­ات، وتفاجأوا بإعلان عباس عن إجرائها، أبدوا دعمهم الواضح لاســتمرار العملية. وإذا بادرت السلطة إلــى إلغائها فقد يجــدوا طرقاً للتعبير عــن عدم الرضى والامتعاض.

الجمعة الماضي، نشر أن المحافظ السابق في خانيونس وأحد مؤسســي فتح، حســني زعرب، أوصــى بتأجيل أو إلغاء الانتخابــ­ات. إلى جانب الخوف من فشــل فتح و»المشــروع الوطني» أشــار إلى رفض إســرائيل لوضع صناديق اقتراع في شــرقي القدس واســتمرار تفشــي كورونا في أوساط الفلسطينيي­ن في جيوب الضفة وغزة. أعلن عبــاس عدة مرات بأنــه لن يتم إجــراء انتخابات «بــدون القدس». وفي أعقابه، تظاهــر مؤيدو «فتح» ضد إجراء الانتخابات «بــدون القدس». وحذرت حماس بأن الأمر ذريعة لإلغاء الانتخابات، وانتقد أحد أعضاء حزب الشــعب )الحزب الشــيوعي ســابقاً( حماس على ذلك. حسب اتفاق أوسلو، على إسرائيل السماح للفلسطينيي­ن بوضــع صناديق اقتراع فــي عدد من مكاتــب البريد في شــرقي القدس. وهذه لن تشــمل أكثر مــن 6300 مصوت طوال يوم الانتخابات. يتوقع أن يصوت أغلبية الناخبين في الصناديق التي وضعت في الأحياء التي خارج حدود البلدية أو خارج جدار الفصل. نســبة المسجلين في سجل الناخبين في محافظة القدس هــي الأقل، 74 في المئة )أقل من 89 ألفاً(. في العام 2006 كانت نســبة الناخبين الفعلية هــي الأدنى. لذلــك، التحــدي الحقيقي لجميــع القوائم الفلســطين­ية، خاصة حماس وفتح، ليس فقط التصويت الرمزي نســبياً داخل حدود القدس، بل ضمان أن معظم الناخبين المقدسيين سيذهبون للتصويت على بعد حاجز عن بيتهم وخلف جدار الفصل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom