Al-Quds Al-Arabi

السودان: مبادرة التعايش السلمي في ولاية البحر الأحمر

- ٭ كاتب سوداني

■ نواصل ما إنقطع مــن مقالاتنا التي تتناول القضايا التي أثيرت أثناء لقاءاتنا في ولاية البحر الأحمر، والتي قطعنا تسلســلها بمقالنا الســابق الذي إســتعرضنا فيه إعلان المبادئ لتســوية النزاع ووقف الحرب الأهلية في جنوب كردفان وجنوب النيــل الأزرق، الموقع بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، والقائد عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشــعبية لتحرير السودان/شــمال، والذي احتضنته مدينة جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان بتاريخ 28 مارس/آذار المنصرم. وزيارتنا لولاية البحر الأحمر، كانت في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي جاءت تلبية لدعوة كريمة من جامعة البحر الأحمر بالتعاون مع إتحاد خريجي الجامعة، والمجموعة الوطنية لترسيخ الديمقراطي­ة للمشاركة في ورشة بعنوان «شرق السودان: آفاق جديدة نحو التحول المدني الديمقراطي والتعايش السلمي.» وكانت الزيارة، فرصة ذهبية لنا للتعرف على الواقع الاجتماعي والسياسي في الولاية بشكل مباشر، حيث إلتقيت بالمكونات السياسية والمدنية والأهلية فيها، وخرجت مــن تلك اللقاءات بــدروس هامة تناولت مســببات وعلاج القضايا التي تستوطن ولاية البحر الأحمر، وإستعرضت ذلك في سلسلة من المقالات.

لكننا في البدء، ننشر توضيحا وصلنا من الأستاذ نميري دابو، مقرر غرفة إدارة الأزمة لأبناء جبال النوبة بولاية البحــر الأحمر، والأمين العام المكلف لرابطة أبناء النوبة بالولاية. ففي مقال ســابق لنا بعنوان «والدرس الرابع من النوبة في شــرق الســودان» والذي لخصنا فيه القضايا التي أثارها من إلتقيناهــ­م من «غرفة إدارة الأزمة » والتي تضــم قيادات من مجموعة النوبة التي تشــكل أحد مكونات ســكان ولاية البحر الأحمر، أشــرنا إلى أن «غرفة إدارة الأزمة» تتكون من القيادات الأهليــة وقيادات المجتمع المدني والمثقفين والناشــطي­ن من أبناء النوبة القاطنين ولاية البحر الأحمر، شــكلتها رابطة أبناء جبال النوبة بالولاية للتواصل مع مكونات الولاية وجهاتها الرســمية، بهدف إخمــاد الفتنة وإطفاء نيران النزاعات. ولكن، الرســالة التصحيحية من الأســتاذ نميري دابو تقول إن غرفة إدارة الأزمة لــم تكونها رابطة أبناء جبال النوبة، وإنما الرابطة جزء منها، وهي تكونت بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2019 بتوجيه من وفد مجلس السيادة الانتقالي الذي جاء خصيصيا لتهدئة الموقف وفض النزاع في ولاية البحر الأحمر. وعضوية الغرفة تضم 4 ممثلين لرابطة أبناء جبال النوبة بولاية البحر الأحمر، 8 من قيادات الإدارة الأهلية وســط أبناء النوبة، 4 ممثلين للمرأة، 6 من مثقفي أبنــاء جبال النوبة، و10 ممثلين للشباب والطلاب من أبناء جبال النوبة بولاية البحر الأحمر.

ومن ضمــن لقاءاتنا في ولاية البحر الأحمر، كانت اســتضافتن­ا من لجنة مبادرة دعم التعايش الســلمي بالولاية، والتي يرأســها البروفيســ­ور علي محمد عبد الله وتضم عددا من القيادات الرسمية والمجتمعية. واللجنة كونها والي ولاية البحر الأحمر بتاريخ 31 أغســطس/آب 2020 من 25 عضوا بهدف التنســيق بين المبادرات المتعــددة، أكثر من 40 مبادرة، التــي تعمل من أجل بســط السلام والتعايش الســلمي في المنطقة. وروعي في تكوينها أن يكون أعضاؤها من شخصيات محايدة ومقبولة لدى الجميع، وأن يتم تمثيل النوع، الفئات العمرية، قطاعات المجتمع....الخ. وفور تشكيلها، تواصلت اللجنة مع كل المكونات في الولاية: نظارات البجا والعموديات المســتقلة، البني عامر، الأمرأر، النوبة، الحباب، مبادرات المجتمع المدني والحراك المجتمعي، العاملين فــي قطاعات الخدمات الصحيــة والرياضــة والآداب والفنون...الخ. وبعد الإستماع لوجهات النظر المختلفة، تداولت اللجنة في الأمر وتوصلت إلى رؤية حول مســببات النزاع، تتلخص في: 1 ـ لا توجد مرتكزات مادية للصراعات، فلا يوجد نزاع حول الأرض مثلا، رغم وجود بعض الإختلافات حول ترسيم حدود أراضي القبائل، إضافة إلى هشاشة البنية الإجتماعية وإنعدام التنمية بســبب الإهمال، والترسبات النفسية بسبب التنازع في العمل في الميناء بين هذه الإثنية وتلك، وحساسية الحديث عن الأجانب في الإقليم، والتراخي في تحديد معايير الهوية الشــخصية، أو شهادات الجنســية. 2 ـ توزيع السكن والأحياء في مدينة بورتســودا­ن يقوم على أساس إثني. 3 ـ عدم تنفيذ القلد بطريقة صحيحة، مثلا الخلل في تعريف المســميات بالإشارة إلى البني عامر وكأنهم ليسوا من البجة. 4 ـ الاعتراضات الحادة على مسار الشرق في اتفاق جوبا، من حيث محتوى الاتفاق والمشــارك­ين بإسم الشرق. 5 ـ المنطقة حدث فيهــا دمار حقيقي إبــان الإقتتال مع قوات التجمع الوطنــي الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي. مثلا، منطقة قرورة وجنوب طوكر دُمرت تماما مما دفع السكان إلى الهجرة إلى بورتســودا­ن وزاد ذلك من التوترات المتوقعة، إتفاقية جوبا لم تشــر إلى ذلك، وما جاء في اتفاقية الشرق لم يتم تنفيذه. 6 ـ بعد ســقوط الإنقاذ حدث فراغ سياسي كبير في الإقليم، تقاعست وضعفت الحركة السياسية عن ملئه، فأمتلأ بالجهوية والقبلية وإنتشار السلاح.

أما التوصيات بشــأن الحلول الممكنة، فتقترح اللجنة: 1 ـ إعطاء الإقليم الأولويــة التفضيلية في مشــاريع التنميــة، مع علاج التفاوتــا­ت، وإعادة تعمير منطقة قرورة وجنوب طوكر. 2 ـ عقــد ملتقى جامع لأهل الإقليم يضم السياســيي­ن، المجتمع المدني، المجتمع الأهلي...الخ، يناقــش الحلول الممكنة لمشــكلات الإقليم، وضرورة إلتــزام الحكومة بتنفيذ هــذه الحلول لأن عدم التنفيــذ يعمق التوترات. 3 ـ ضــرورة إحترام الدولة للتنــوع وتمثيله في كل برامجها وتوجهاتها. 4 ـ الدعوة إلى نفير مجتمعي يحرك أئمة المســاجد والقيادات المجتمعية للتبشــير بالسلام والتعايش الســلمي وجبر الضرر. 5 ـ الإلتزام بالقلد وتنفيذه دون مزايدات سياســية. 6 ـ ترســيم الحدود بين أراضي القبائل ومراجعة الهوية الشخصية وشهادات الجنسية. 7 ـ أن تتكفل الســلطات بالتعويضات وجبر الضرر. 8 ـ إنشــاء آلية للإنزار المبكر لرصد بوادر وإشــارات التوترات الإجتماعية والنزاعات بــن القبائل. 9 ـ تجريم خطــاب الكراهية والتعصب الإثنــي. 10 ـ إعادة النظر فــي خطط التوزيع السكاني وتخطيط الأحياء الســكنية بمراعاة عدم التوزيع والتخطيط على أساس إثني. 11 ـ فرض هيبة الدولة والحزم تجاه خرق القانون ومحاولات الإفلات من العقاب. 12 ـ تشجيع ثقافة الحوار.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom