Al-Quds Al-Arabi

تونس: استعصاء سياسي جديد بسبب رفض الرئيس توقيع قانون المحكمة الدستورية

طعن الرئيس في أعلى سلطة قضائية يثير سجالا سياسيا في البلاد ... وأسئلة مشروعة: من يعطّل تشكيل المحكمة الدستورية؟

- تونس-«القدس العربي» من حسن سلمان:

■ تونــس - دب أ:أصبــح وضــع المحكمة الدســتوري­ة التونســية أمام مصير مجهول مع رفض الرئيس قيس سعيد إمضاء قانــون معدل لقانون المحكمــة، وتعليله ذلك بوجود خرق للدســتور، ما يفتح الباب أمام أزمة دســتورية جديدة تضاف إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس.

والمحكمة الدستورية التي كان يفترض تأسيسها في أجل عام من صدور دستور تونس الجديد عام 2014، تأخر وضعها لســنوات بســبب الفشــل في انتخاب ثلث أعضائها من قبل البرلمان، إذ لم يحصل إلا مرشــح واحد مــن بين الأربعة على أغلبية الثلثين.

وتتكــون المحكمة مــن 12 عضوا حيث يعــن الرئيس من بينهم أربعة ويختــار المجلس الأعلى للقضاء الأربعة الباقين، وتســبب غياب المحكمة فــي عدة مآزق قانونية ودســتورية آخرها التعديل الحكومــي المعطل منذ كانــون الثاني/يناير الماضي بســبب القراءات المتباينة للدســتور بــن الرئيس والبرلمان.

ويتضمن القانون المعدل الــذي تقدم به البرلمان تخفيض الأغلبية المطلوبة لتزكية المرشحين للمحكمة الدستورية، من أغلبية الثلثين الى أغلبية ثلاثة أخماس.

ولكن الرئيس قيس سعيد، وفي رده للقانون على البرلمان من أجل قــراءة ثانية، يرى أن تأســيس المحكمة بعد حوالي

ست سنوات يعد خرقا للدستور الذي حدد مهلة بسنة واحدة فقــط. وتتطلب القراءة الثانية فــي البرلمان حصول القانون على أغلبية معززة بثلاثة أخماس عــدد النواب الـ217، غير أن هذا قــد لا يكون كافيا لإمضاء الرئيــس على القانون لأنه يعترض على تأسيس المحكمة برمتها بسبب خرق الآجال.

وجاء في رد الرئيس، وهو استاذ قانون دستوري متقاعد، في رســالته إلى البرلمان "أن المجلس النيابي )البرلمان( بمثل هذا الموقف وضع نفسه في موقف دستوري مستحيل".

وحتى يتجاوز البرلمان عقبة الآجال فهو يحتاج نظريا إلى تعديل النص المحدد لتلك الآجال في الدستور، ولكن مثل هذا التعديل يســتوجب رأي المحكمة الدستورية التي لم يستكمل وضعها بعد، ما يعني الاصطدام بمأزق دستوري.

ولم تعلق رئاســة البرلمان على رســالة الرئيس ســعيد، في وقت يســتعد فيه البرلمان لجلســة عامة يــوم الخميس المقبل ســتخصص لانتخاب باقي الأعضــاء الثلاثة للمحكمة الدستورية.

ودعا حــزب حركة النهضة الإســامية، الحزب الأكبر في البرلمان، في بيــان صحافي أمس الإثنين ، إلــى المضي قدما في انتخاب الأعضاء الثلاثة "وبذل الجهد الأوسع في تحقيق التوافق مع بقية الكتل لبلوغ الهدف المنشود" .

يتواصــل الجدل فــي تونس حول "رفــض" الرئيس قيس ســعيد ختــم قانون المحكمة الدســتوري­ة بســبب "مخالفتــه لأحــكام الدســتور"، فبينما لمح سياســيون وخبراء في الدســتور إلى أن الرئيس لا يرغب بإرســاء هذه المحكمة التي تعتبر أعلى ســلطة كي يحتكر لنفسه هــذا المنصب، اتهــم محيــط الرئيس البرلمــان )الحالي والســابق( بخرق الدســتور بعد التأخير في المصادقة على قانون المحكمة لعدة سنوات.

وكان الرئيس سعيّد أعاد قانون المحكمة الدستورية إلــى البرلمــان، لأن آليــة المصادقة عليــه تخالف أحكام الدســتور، مشيرة إلى أنه "لن يتم القبول بختم القانون إلا بعد تحققنا من تغليب أحكام الدستور".

وكتــب الخبيــر الدســتوري جوهــر بــن مبــارك: "يستشــفّ إجمالاً من نــصّ رئيــس الجمهورية لتعليل ردّه لمشــروع القانــون أنّــه ربّمــا يســتعدّ لرفض ختم مشــروع القانون حتّى في صورة إعادة المصادقة عليه في تلاوة ثانيــة بالأغلبية المعزّزة. فما يفهم من التعليل أنّــه يثيــر طعناً دســتورياً شــاملاً يحول دون إرســاء المحكمة الدستورية أصلاً، مبرّراً ذلك بأن تجاوز الآجال الدستورية المحدّدة لإرساء المحكمة يعدّ خرقاً للدستور غيــر قابل للتــدارك ولن يجوز بعد تجــاوز الأجل الملزم والمحدّد إنشــاء المحكمة إلّا بعد تعديل دســتوري يغيّر في الآجال. علماً وأن أي تعديل دستوري يحتاج بدوره إلى وجود المحكمة الدستورية!".

وأضــاف: "لا أتمنــى ذلــك لأن رئيــس الدولــة -إن صــحّ فهمــي- قد يجــد نفســه مخالفــاً للدســتور من ثلاثة أوجه على الأقل؛ تعطيل إنشــاء هيئة دســتورية افترض الدستور إنشاءها حتماً. وعدم إرساء المحكمة الدســتوري­ة إلــى حــدود اليوم يعــدّ خرقاً مسترســاً للدستور على امتداد 6 سنوات يتعيّن وضع حدّ له فوراً وليس خلق وضعية يصبح معها الخرق دائماً وتطبيق الدستور مستحيلاً. ورفض ختم القانون بعد المصادقة عليــه بالأغلبيــ­ة المطلوبة فــي تــاوة ثانية يعــدّ خرقاً للدســتور باعتبــار أنّ ختــم القانون في هــذه الصورة وبعد انقضاء أجله هو اختصاص مقيّد لا تقدير فيه".

وأشــار بن مبــارك إلى أن "الدســتور ينــص على أن يعيــد البرلمان إعــادة التصويــت على مشــروع قانون تنقيــح القانون المتعلق بالمحكمة الدســتوري­ة الذي رده رئيــس الجمهورية لقراءة ثانيــة، والبرلمان غير مطالب بالرد علــى المبــررات والتعليــا­ت الواردة في رســالة رئيس الدولة. وللبرلمــا­ن أن يتداول في تعليلات رئيس الجمهورية لكن الأســاس إن حصل المشروع في قراءة ثانية على أغلبية ثلاثــة أخماس أي 131 صوتاً، أن يمر ويعرض من جديــد على ختم رئيــس الجمهورية الذي تصبــح له ســلطة مقيدة في هــذا الشــأن وإن لم يحظ

بهذه الأغلبية يســقط نهائيــاً وتتم العــودة إلى العمل بمقتضيات قانون المحكمة الدستورية الأصلي".

وفي بيان أصدرته الإثنين، أكدت كتلة حركة النهضة حرصها على التّسريع في إرســاء المحكمة الدستوريّة الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي

مع مُواصلة دعمها للحكومة وللحوار الوطنيّ، مشيرة إلــى ا هٔمية اســتكمال مجلــس نواب الشــعب عملية انتخاب الا عٔضاء الثلاثــة الراجعين إليهم بالنّظر في علاقة بالمحكمة الدســتوري­ة في الجلسة العامة المقررة

يوم 8 نيسان/ا بٔريل 2021 وبذل الجُهد الا ؤسع في تحقيق التوافق مع بقيّة الكتل لبلوغ الهدف المنشُود".

وقــال فتحــي العيــادي، الناطــق باســم الحركــة: "حرصنــا علــى إيجاد توافــق وحل لتســهيل انتخاب المحكمــة الدســتوري­ة ولكن للأســف هنالــك خطابات جديدة تتميز بالشعبوية والفاشية لإفشال التجربة".

وأضاف رفيق عبد السلام القيادي في الحركة: "من الناحية المضمونية، الرئيس قيس ســعيد قطع الشــك باليقــن برفضــه المطلق لتكويــن المحكمة الدســتوري­ة جملة وتفصيــاً، وبما أنه يرى إرســاءها اليوم أو غدا يقع خارج إطار الشــرعية والدستور، فإنه مصمم على احتكار تأويل الدســتور بألاعيب قانونية وتقعّر لغوي وتفَيْقه مصطنع، علماً أن تجاوز الآماد الزمنية يســرى هنا على هيئات دستورية أخرى منتصبة سبق أن فتح لها أبواب قصر قرطاج".

وكتب غازي الشواشــي، الأمين العــام لحزب التيار الديمقراطـ­ـي: "المحكمــة الدســتوري­ة ركيزة أساســية لتعزيــز دولــة القانــون وبدونهــا تختــل المنظومــة السياسية التي كرسها دستور البلاد لذلك كنا من أشد الحريصين على تركيز هذه المؤسســة منذ ســنة 2016 والتاريخ يشــهد علــى ذلك واليوم ســنواصل النضال والضغط على كل الأطراف من أجل إيجاد هذه المحكمة للقيــام بدورهــا في حماية الدســتور وحســن تطبيقه انتصاراً لدولة القانون والمؤسسات".

وأضاف عدنان منصر، الأمين العام الســابق لحزب الحراك: "حسب فهمي المتواضع، إذا جمع البرلمان 131 صوتاً للأغلبية المعززة، ومر القانون، فإن الرئيس قيس سعيد لن يختمه، وهو يعتبر أن الختم ليس مجرد عملية شكلية. وإذا لم يجمع البرلمان الأصوات 131، فالقانون بطبيعته سيســقط. يعني في الحالتين، اجتمع البرلمان أو لــم يجتمــع، جمع الأصــوات أو لم يجمعهــا، فليس هناك نشر للقانون في الرائد الرسمي!".

وكتب سمير بن عمر، رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمــر من أجــل الجمهورية: "دور رئيــس الجمهورية هو إيجاد حلول للأزمات الدســتوري­ة وضمان الســير العادي لدواليب الدولة وليس افتعال الأزمات وتعطيل دواليب الدولة".

فيما حمل شــقيق الرئيس الخبير الدستوري نوفل ســعيد البرلمان الحالي والسابق المسؤولية في تأخير إرســاء المحكمة الدســتوري­ة، حيث دوّن على صفحته في موقع فيســبوك: "يستشف من الرأي الاستشاري الــذي أدلــت به المحكمــة الإداريــة منذ ســنة 2015 أن الآجال الدســتوري­ة لإرســاء المؤسّســات الدستورية هــي آجال قصوى يتحتــم احترامها مــن قبل الجميع ويُعارض بها الجميع. الرئيس لا يتحمل أية مسؤولية فــي تفويــت إرســاء المحكمة الدســتوري­ة فــي آجالها الدستورية".

وأضاف: "من تداعيات تفويت آجال إرساء المحكمة الدســتوري­ة: هــل الهيئــة الوقتيــة لمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانين مــا زالت موجودة دســتورياً؟ أم إن آجال بقائها قد اســتهلكت أيضــاً؟ )...( تبقى المحكمة الدســتوري­ة ضــرورة ملحــة، ولكن إرســاءها يجب أن يكون مطابقاً للدستور...وهذا أضعف الإيمان".

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom