Al-Quds Al-Arabi

سوريا: تفاقم أزمة المحروقات والدواء في مناطق سيطرة النظام

-

■ الحســكة - أنقرة - وكالات: تعمقت أزمة المشــتقات النفطية في مناطق ســيطرة النظام الســوري خلال الأيام الماضية، جراء عدة عوامل أفضت إلى تشــكل طوابير طويلة من الســيارات والمركبــا­ت أمام محطات الوقود. وبحســب معلومات حصل عليها مراســل الأناضول من مصادر محلية، فإن توقف توريد المشتقات النفطية من المناطق التي يحتلها تنظيــم "يب ك/ بي كا كا" )الإرهابــي بتصنيف تركيا( إلى مناطق سيطرة النظام، عمق من أزمة المشتقات النفطية. كما يجري الحديث عن أزمة دواء عميقة في مناطق النظام.

وتضيــف المعلومــا­ت أن هــذا التوقف بدأ قبــل حوالى أسبوعين بســبب تراكم الديون على نظام الأسد، فضلاً عن ضغوط من قبــل الولايات المتحدة الأمريكيــ­ة على التنظيم الإرهابي لوقف تجارة النفط مــع النظام. كما يعيش النظام صعوبات أخــرى تتعلق بهبوط قيمة الليرة الســورية أمام الدولار )الدولار يعادل 3650 ليرة(، وارتفاع أســعار النفط، ما أدى إلى صعوبة في حصوله على النفط من إيران.

ويمضــي أصحاب المركبــات في دمشــق وحلــب واللاذقية وطرطوس وحماة والمــدن الكبرى المزدحمــة وقتهم في طوابير طويلة أمام محطات الوقود نتيجة شح المشتقات النفطية، حسب الأناضول، بالإضافــة إلى أزمة الدواء وفقــدان بعضها وارتفاع أسعارها بشكل يصعب على العائلات الفقيرة الحصول عليه.

وفي وقت تتعمــق فيه أزمة المحروقــا­ت وتصيب الحياة بالشــلل، فإن حســابات مقربة مــن النظام على وســائل التواصــل الاجتماعي، تنقــل عن حالة توقــف المواصلات الداخلية في العاصمة دمشــق، ومدينتــي حلب واللاذقية. كما ســعى النظام لحل هذه المشكلة عبر رفع أسعار المشتقات النفطية والمحروقات، ولكن هــذه الخطوة أيضا لم تكن حلاً للأزمة الخانقة. وسجلت الليرة السورية في 16 آذار/ مارس الماضي أكبر خسارة في القيمة على مدار التاريخ، وفي اليوم نفسه رفع النظام سعر البنزين بما نسبته 50 في المئة.

وبعد الزيادات فإن أســعار المشتقات النفطية في مناطق النظام المدعومة حكومياً من البنزيــن والمازوت وصلت إلى نحو ألفي ليرة، ولكن لعدم وجود لائحة أســعار رسمية فإن المواطنين يضطرون لشــراء المشــتقات النفطية من السوق السوداء بضعفين أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وذهب النظام إلــى تقليل الحصة مــن المحروقات لأصحــاب المركبات إلى النصف في البطاقــات الإلكتروني­ة التي تمنح لهم، فيما ربط الأزمة بتأخر وصول المشــتقات النفطية بســبب أزمة النقل في قناة السويس. وبتقليل النسبة، فإن أصحاب السيارات الخاصة في المدن الكبرى باتــوا يحصلون على 20 ليترا من المحروقات في الأسبوع، فيما حددت حصة أصحاب سيارات الأجرة العمومية بخمسة ليترات في اليوم فقط.

وطــرد تنظيــم "يب ك/ بي كا كا" نحــو 1500 مدني من بيوتهم في مدينة الحســكة شرقي سوريا، بطلب من القوات الأمريكية، تحت مبرر "دواعٍ أمنيــة". وأفادت مصادر محلية لمراسل الأناضول، أن عناصر التنظيم أجبروا سكان 15 بناء في محيط المدينة الرياضية التي توجــد فيها مواقع للقوات الأمريكية وللتنظيم على إخلائها لأسباب أمنية، بعد تلقيهم طلبا من القوات الأمريكية بهذا الصدد.

■ إدلب الأناضول: رغم مرور 4 سنوات على مجزرة خان شيخون في محافظة إدلب )شمال غربي ســوريا( التي ارتكبها نظام بشار الأســد بالأسلحة الكيميائية، فــي 4 أبريل/نيســان 2017، مــا أدى لمقتـــل نحــو 100 جلهــم من الأطفال، يشـــدد ســـوريون شــهدوا المجزرة على التمسك بتحقيق العدالة. ويعرب من شهد الكـــارثة أنـــهم عانوا شـــخصيًا من تبعاتها، وأن معاناتهم لا تزال مستمرة، في ظل استمرار إفلات المسؤولين عن ارتكاب المجزرة من العـقاب.

وقــال المســؤول الإعلامي للدفاع المدني في خان شــيخون، حميــد قطيني، إنه لا يســتطيع نســيان اللحظات التي عاشــتها خان شــيخون أثناء وقــوع المجزرة، «ولا يمكن لأي شــخص طبيعي تحمل مشــاهد الموت التي نتجت عن اســتخدام الأسلحة الكيميائية». وأضاف قطيني أن المدنيين في خان شــيخون «أصيبوا بحالات صدمة وهلع واختناق جراء الغازات السامة» مشددًا أن «السوريين ما زالوا يريدون تحقيق العدالة للضحايا رغم مرور 4 ســنوات على الهجوم الكيميائي». وأشــار إلى أن نظام الأســد «يواصل تهجير آلاف المدنيين، فضلا عن اســتمراره في شــن الهجمات ضد المدنيين، لاســيما ســكان بلدة خان شــيخون الذين عانوا جراء مجزرة الكيميائي». ولفت إلى أن الهجمات التي شــنها نظام بشار الأســد على مناطق مختلفة في إدلب، «أدت إلــى مقتــل عدد من متطوعــي الدفاع المدنــي وأبرزهم بشــار ددو، وعمر كيل، والإعلامي أنس دياب».

فقد 25 من أقاربه

وذكر عبد العزيز يوســف، أحد ســكان بلدة خان شــيخون، أنه فقد 25 من أقاربه فــي المجزرة التــي ارتكبتها قوات الأســد بالأســلحة الكيميائية. وتابــع في حديثه: «كان يوما صعبا للغاية. ما زلت أشــعر بألمه حتى الآن. نتيجة لهجمات نظام الأســد وروســيا، اضطررنا إلى مغــادرة منازلنا وأراضينا». وحول الأحداث التي شــهدها يــوم مجزرة الكيميائــ­ي، قال: «رأيت خــروج زبد من أفواه المصابين جــراء الهجوم. كانوا يعيشــون حالــة صدمة. كل من جاء للإنقاذ تضرر بســبب الغــازات وأصيب بالإغماء. كان الناس يقعون قتلى دون وجود علامات إصابة على أجسادهم.»

لم يبق أحد من العائلة

وأضــاف أحمد يوســف، أنه فقد في المجــزرة والديه وشــقيقين وعمه واثنين من أبناء عمومته، فيما خضع هو شخصيًا للعلاج فترة طويلة من أجل التعافي من الآثار التي تركتها الغازات السامة في جسده. وأشار يوسف، خلال كلامه، إلى حقيقة أن «القتلة ما زالوا أحرارًا فالتين مــن العقاب، وأن النظام لايزال يواصل ارتكاب أعمال القتل ضد المدنيين». وتابع: «عندما وقعت المجزرة، ذهبت من الحقل حيث كنت أعمل إلى مكان الهجوم. كان عمي ملقى على الأرض في متجره وكان الزبد يخرج من فمه.»

واستطرد: «أما في منزلنا، فشاهدت أخي ملقى في غرفة المعيشة وقد فقد الوعي والقدرة على التنفس مع خروج للزبد من فمه، لم أجد وقتها ســيارة لإســعافهم­ا إلى أن جاء ابن عمي وقام بمساعدتي قبل أن يتضرر هو أيضًا بسبب المواد الكيميائية.» وذكر يوســف أنه فتح عينيه في المستشــفى بعد 6 ســاعات من الهجوم وعلم أنه لم يتبــق أحد من أفراد عائلتــه، وأنه «غير قادر على زيارة قبور أفــراد عائلته لأن قوات النظــام ســيطرت فيما بعد علــى بلدة خان شــيخون وأجبرت ســكانها على النزوح عنها». وأكد أنه «يأمل في العودة إلى خان شيخون حيث تم تهجيره قسراً، وأن تتم معاقبة الذين ارتكبوا جريمة الهجوم بالأسلحة الكيميائية.»

الوضع في خان شيخون

خضعت بلدة خان شــيخون جنوبي محافظة إدلب الســورية لســيطرة المعارضة والجماعــا­ت المســلحة المناهضــة للنظام عــام 2014. وفــي 4 أبريل/ نيســان 2017 اســتهدفت قــوات نظام الأســد البلدة بالأســلحة الكيميائية مــا أدى لمقتل نحو 100 شــخص جلهم من الأطفــال. وإثر الهجوم، اســتهدفت الولايات المتحدة في الشــهر نفسه، قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لنظام الأسد، مظهرة بذلك ردة فعل محدودة ضد انتهاكات النظام. وأعلنت تركيا وروســيا وإيران، في اجتماع عقد في العاصمة الكازاخية أســتانا )نور ســلطان حاليا( في ‪-5 4‬مايو/ أيار 2017 محافظة إدلب بما في ذلك بلدة خان شيخون كمنطقة خفض تصعيد شمال غربي سوريا.

لكــن كل هــذا لم ينقذ خان شــيخون من أن تكــون هدفا لهجمــات مكثفة من قبل نظام الأســد والمليشــي­ات التابعة له. وأكــدت بعثة التحقيق المشــتركة التابعة للأمم المتحــدة ومنظمــة حظر الأســلحة الكيميائيـ­ـة فــي 27 أكتوبر/ تشــرين الأول 2017 مســؤولية نظام الأســد عن تنفيذ الهجوم الكيميائي في بلدة خان شيخون. وتعتبر مجزرة خان شــيخون جريمة حرب بموجب القانون الدولــي، لكنه لا يمكن محاكمة المســؤولي­ن عن المذبحة في المحكمة الجنائية الدولية بســبب المعوقات التي تفرضها روســيا. وبمساعدة روســية، تمكنت قوات نظام الأسد من السيطرة على المنطقة في أغسطس/ آب 2019 وإخلائها من سكانها المدنيين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom