Al-Quds Al-Arabi

السودان: قتلى وجرحى في اشتباكات قبلية في الجنينة ومصدر يتحدث عن «استغلال سياسي»

استخدام أسلحة ثقيلة... وتضرر منشآت حكومية والمستشفى العسكري

- الخرطوم ـ من عمار عوض: «القس العربي»

تجدد العنف بشكل واســع النطاق في مدينة الجنينة عاصمة غــرب دارفور، بين أبناء القبائل العربية وأخرين من قبيلة المســاليت الأفريقية، ما أســفر عن 18 قتيلاً و54 مصاباً، وسط فوضى أمنية بــدأت يوم الســبت وتواصلت حتى أمس الإثنين.

واســتخدم الطرفان أســلحة ثقيلة لا تتوفر للمواطنين في الظروف الطبيعية، حسب شهود عيان أبلغوا «القدس العربــي» أيضاً، أن قذائف الطرفــن من الأســلحة الثقيلة طالت منشــآت حكوميــة والمستشــف­ى العســكري والكثير من المرافق، وأن الوضع خارج عن الســيطرة تماما في ظل غياب عســكري و حكومي بالكامل، حيث أصطف النــاس خلف قبائلهم بشــكل أعنف من المرات السابقة

وأفاد بيان مــن لجنة الأطباء في غرب دارفور أمس بـ«مقتل 18 شــخصاً وجرح 54 آخرين في أحداث تجري منذ الســبت فــي مدينة الجنينة، ويتلقى الجرحــى والمصابون الرعاية الطبية في مستشفى الجنينة التعليمي ومستوصف النسيم ومستشفى السلاح الطبي في الجنينة.»

اعتداء على مسعفين

وأدانت اللجنة «بأشد العبارات الاعتداء الذي نفّذتــه مجموعة من العصابــات الإجرامية على سيارة الإسعاف التي كانت تقل عدداً من الكوادر الطبية العاملة في مستشــفى الجنينة التعليمي مساء الأحد».

وأضافــت أن «المجموعــة أطلقــت النار على الســيارة، ممــا أدى لإصابة الســائق ومن ثم

إنــزال الكــوادر وضربهم، ما أســفر عن إصابة اختصاصــي المختبرات الطبية عبــد الله صالح وكذلك اختصاصي المختبرات محمد الأمين وأحد أفراد الحراسة ونهب كل مقتنياتهم.»

وختمت بــأن «المؤسســات الطبية وســكن الكوادر تتعرض لتهديد مســتمر في ظل التأمين غير الكافي .»

وأوضح والي غرب دارفــور، محمد عبد الله الدومة، في تصريحات إعلامية أمس أن «المعارك لا تزال مستمرة، وسنعلن حالة الطوارئ وحظر التجول في مدينة الجنينة.»

وتابع «الهجــوم تركز على الأحياء الجنوبية والغربية، وحتى الآن لم نستطع إيقافه لأنه كبير وبأسلحة ثقيلة .»

وبين أنه « في 3 أبريل/ نيسان، قُتل شخصان من أحد مكونات إحدى القبائل وبعد تشــييعهما قُتل شخص ثالث من القبيلة ذاتها وبعدها حدثت احتجاجات وهاجمت الميليشيات المدينة.»

خوف وهلع

ووفق موقــع «دارفور 24 «، «عــاش مواطنو مدينة الجنينة عاصمــة ولاية غرب دارفور، يوم الأحد لحظات عصيبة، وحالة من الخوف والهلع وسط أصوات القنابل والمدافع والدانات، بسبب تجدد الحرب القبلية بين المساليت والعرب».

وبين أن «الطرفين اســتعدا للحرب هذه المرة

بشكل مختلف وتكتيك مغاير باستخدام أسلحة، ربما غير متوفرة للقوات الحكومية الســوداني­ة، وإمكانيات ضخمة .»

وحذر من أن «المنطقة على شــفا حرب طاحنة بسبب الهشاشة الأمنية والتركيبة المجتمعية.»

وتبعاً للموقع، فإن ســبب المشكلة «يرجع إلى مقتل شــخصين من أبناء المساليت على الطريق الفاصل بــن المنطقة الســكنية للقبائل العربية وقبيلة المســاليت ليل الســبت الماضــي، وكان بالإمــكان إن يكون الحــادث جنائيا وتباشــر الأجهــزة المختصة بإجراءاتهـ­ـا اللازمة للقبض على الجنــاة، لكــن البعض اســتغل الحادث، وبــدأت حالــة التجييش ونذر الحــرب ودقت طبولها بإطلاق النار العشــوائي بشكل كثيف، والتــزم المواطنون منازلهم، وأغلقت الأســواق والمدارس، وتعطلت الحياة واســتعد الجميع لما هو آت .»

يبدو أن التركيبة السكنية في مدينة الجنينة بأكملها هي محفزٌ أساسي لتنامي ظاهرة القبلية، حيث أن منطقة أحياء الجبل، التي تشهد القتال، تم تخطيطها على أســاس قبلــي، ففي كل مربع تسكن قبيلة معينة، حيث تتمركز قبيلة المساليت في المربعــات 2، ‪15 ،7 ،5‬ ، أمــا القبائل العربية فيكثــر وجودهــا فــي المربعــات ‪.8، 6،4، 3، 1‬ وبهذا التوزيع الســكني أصبحت بعض المناطق وكأنها معزولة تماماً عن سيادة حكم السودان، والدخول إليها والخــروج منها محكوم بقوانين المسلحين القبليين.

رئيــس حركة «تحرير الســودان» مني أركو مناوي، غرد على «تويتــر» قائلا إن: «ما يجري في الجنينة اســتمرار لأزمة لم يتــم حلها، عدم تنفيذ اتفاق جوبا وتبرير ذلك بأســباب واهية ســيحفز المزيد من البؤر. ســتظل الأزمة قائمة طالمــا أن الاتفاق لا يــزال على الــورق. دارفور الآن ليســت بعيدة عن التدويل، وإن حدث هذا سيكون الأمر أسوأ. المواطن يحتاج للأمن».

ملاحقة المجرمين

كذلك سارع الصادق علي النور، الناطق باسم حركة «تحرير السودان»(جناح مناوي( لإصدار بيان، أرجع فيه تجــدد العنف لعدم تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهم وبين السلطة الانتقالية.

وقال في بيانــه:» تتابع حركة جيش تحرير الســودان بقلق شــديد الأحداث المؤسفة التي وقعت في مدينــة الجنينة من قبل ميليشــيات متفلتــة، وإزاء هذا تترحم الحركــة على أرواح الشــهداء وتدين وتســتنكر بأغلــظ العبارات وتحمّــل المســؤولي­ة الكاملة لحكومــة الولاية، وتطالب الأجهــزة النظاميــة بالتدخل الفوري لحفــظ الأمــن وملاحقــة المجرمــن وتقديمهم للعدالة».

وتابع : «وفي ظل اســتمرار التفلتات الأمنية المتكررة في جميع أنحاء البلاد ووضع العراقيل

أمــام تنفيذ الاتفاقيــ­ة وإهدار الوقــت بصورة متعمــدة حتماً ســيقود البــاد إلــى الانزلاق الأمنــي الذي تصعب الســيطرة عليــه، وربما يؤدي إلى تفتيت الســودان.» وزاد: «لقد ظلت ولايات دارفور المختلفة تعيش في ظروف أمنية وإنســانية صعبة جداً منذ قيــام الثورة، وبعد ســقوط النظام البائد ظلت ميليشــيات النظام البائد تهدد اســتقرار الإقليــم بصورة واضحة خاصة في ولاية غرب دارفور.»

وأضــاف «في ظل هــذه التداعيــا­ت تطالب الحركة بالإســراع في تشكيل ما تبقى من هياكل السلطة، وخاصة حاكم الإقليم بكامل صلاحياته الفدراليــ­ة وأن تولــي اهتمامــا خاصــاً لملــف الترتيبات الأمنية وتشــكيل القوات المشــتركة لحفظ الأمن في إقليــم دارفور، مع العلم أن هذه الظواهــر الســالبة تعتبر من مخلفــات النظام البائد الذي لا تزال لديه أياد خفية تعبث بإرادة بعــض مكونات الولايــة، فيجب علــى الجميع تفويــت الفرصــة علــى المتربصين بمســتقبل السودان .»

مصدر سياســي في ولاية شمال دارفور على اتصال بقيادات في إقليم دارفور قال لـ«القدس العربي:» «لــم ينخفض التوتر قيــد أنملة منذ الصراع الأول الذي وقع في شهر يناير/ تشرين الثانــي، والذي تجــدد في فبراير/ شــباط ولم يســتطع وفد مجلس الســيادة الــذي قدم من الخرطوم حل المشــكلة بشــكل جــذري، وإنما

وضــع حلولا مبنية على وعود هشــة، ومع ذلك لم يتم تنفيذهــا ما جعل النفــوس من الطرفين تغلي بشكل مكتوم، وتضاعف التوتر أكثر عندما حضر وزير الماليــة جبريل إبراهيــم، للمدينة، الأســبوع الماضي، وحديثه حــول عدم منطقية اســتمرار نظام تملك القبائل للأراضي بشــكل عام والتي تعرف بـ )الحاكــورة( وهو ما أوغر الصدور من نوايا قادة سلام جوبا باعتبار أنهم يريدون إعادة تقســيم الأرض لحساب القبائل العربية التي لا توجد لديها أراض تتناســب مع حجمها في ولاية غرب دارفور.»

مصالح حزبية وشخصية

وتابع مفضلا حجب هويته: «هناك استغلال سياسي للتوترات في الجنينة وكل طرف يساهم في الصراع طلبا لمصلحته الشخصية والحزبية. قادة الســام يريدون استغلال الأوضاع لتعيين الحاكم العــام لدارفور، رغم أنف الجميع، وقادة المجموعــا­ت العربية يصعــدون من الخلاف في الجنينة خدمة لموازين القوى المختلة داخلهم بين قيادات الرزيقات ممن هم في مجلس الســيادة وقيادة الدعم الســريع، وآخرون يــرون أنهم الأحق بتمثيل القبيلة في المركز والولايات».

وزاد: «المجتمــع الدولــي الحانق على رفض طلبه بالتمديــد لقوات يوناميد سيســتفيد من تنامي العنف لإثبات صحــة نظريته حول عدم جدوى قوة حماية المدنيين».

وواصل: « يبقــى مواطن دارفور هو الضحية الأبــرز لاســتغلال القيــادات داخــل حاضنة الحكومة التي تريد استمرار الوالي ذي الشعبية العالية داخل قبيلة المســاليت، في مقابل سعي قوى السلام لاستبداله بأحد قياداتهم بالتفاهم مع منسوبي القبائل العربية في مجلس السيادة والدعم السريع».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom