Al-Quds Al-Arabi

«الطفولة على مذابح المعتقلات»: قصص تروي عذابات أطفال فلسطين على أيدي جنود الاحتلال

في اليوم العالمي للطفل: 140 طفلا يواجهون أوضاعا قاسية في السجون

- غزة ـ رام الله ـ «القدس العربي»:

في الوقت الذي يحيي فيــه العالم بفعاليات متنوعة «يوم الطفل العالمــي» تركز مجملها على صون حقــوق الطفــل، يقبع عشــرات الأطفال الفلســطين­يين في ســجون الاحتلال في أوضاع مزرية، ويتعرضون هناك لشتى أنواع العذاب.

وبمناسبة هذا اليوم العالمي الذي يصادف يوم الخامس من أبريل/ نيســان من كل عام، أصدرت هيئة الأســرى دراســة بعنــوان «الطفولة على مذابح المعتقــات» أعدتها المحامية عرين بدوان، أكــدت فيه أن الأطفال يدفعــون الثمن الأكبر في أوقات الحــروب ومناطق النــزاع، وأنه بالرغم من المســؤولي­ة القانونية لإســرائيل عن حقوق الإنسان الفلســطين­ي عامة والطفل الفلسطيني خاصة؛ بما أقره المجتمع الدولــي عليها بصفتها دولة احتلال في أكثر مــن 27 اتفاقية، إلا أنها لم تؤد مسؤوليتها، بل ولم تتوقف يوما عن إلحاق أكبر أذى جسدي ونفسي بالأطفال الفلسطينيي­ن بالذات الأســرى منهم، ولم تخصص لهم معاملة قانونية حقوقية تتوافق مع تصنيف أعمارهم.

قصص مؤلمة

وكتبت المحامية في وصفها المشــهد «أن تكون طفلا أســيرا لدى قــوات الاحتــال، كأن تكون عــودا غضا في قلب العاصفــة، صفعات متتالية وانتهاكات لا تتوقف لأبسط حقوقك، حين يسكن الأطفــال الزنازيــن وتصادر أبســط حقوقهم، ويدفعــون ضريبة، لا ذنب لهم بهــا، من بواكير أعمارهــم، ومن ذروة صحة أجســادهم، وتوّقد عقولهم، وتألق معنوياتهم، فلا يخرج أحدهم إلا وقد أصيب سوءا في كل ما سبق.»

وحســب الدراســة فإن حكايــات الأطفال الأســرى تتوزع بين احتجاز غير قانوني، دون محاكمات عادلة، ودون ملفــات قانونية تحمل لوائــح اتهام، من خــال ما يعــرف بالاعتقال الإداري، أو بــن محاكمــات صوريــة تســتند ملفات الاتهام فيهــا إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب، أو بين أسلوب «الحبس المنزلي» الذي يحمل من الأذى النفسي والمعنوي كما هائلا على الأطفال وذويهم، حيــث يتحول فيه الأب والأم إلى ســجانين لأطفالهم، ولا يســتطيع الأطفال تفهم هذه الحالة في كثير من الأحيان مما له أثر كبير في الصحة النفسية لهؤلاء الأطفال.

وعلى اختــاف صور الاحتجــاز والاعتقال وحكاياته، تســعى إســرائيل إلى تحقيق أكبر ضرر نفسي وذهني وجسدي للأطفال الأسرى، عبر احتجازهم في أماكن تفتقر إلى الحد الأدنى مما يقيم أود حاجات القاصرين، في مســاحات ضيقــة، مكتظة، قذرة، مترافقــة مع إهمال طبي متعمــد لحاجاتهم، أو عبر وضعهم مع ســجناء جنائيــن وما يشــكله ذلــك كله مــن خطورة عالية على حياة الأطفال وصحتهم الجســدية والنفسية.

ووفق الدراسة فإن عدد حالات الاعتقال من

بداية هذا العام حتى بدية شــهر نيسان / أبريل الحالي بلغت 65 طفلا، أما عدد المعتقلين الأطفال القاصرين القابعين في سجون الاحتلال فيبلغ نحو 140 .

وتشــدد الدراســة التي أعدتها الهيئة على ضرورة أن لا يكون هؤلاء الأطفال «أرقاما عابرة في الســجلات » أو «أسماء مجهولة في القوائم » وتؤكد أن لكل منهم حكاية ألم ومعاناة.

وحين تطرقت لروايات الألم، قالت إن الطفل أحمــد فلنة لا يعلم ما إذا كان ســيعود يوما إلى حياته الطبيعيــة، بعد أن اقتيــد إلى الاعتقال مضرجا بدمائــه بخمس رصاصــات اخترقت القسم السفلي من جســده، فلم يكن فلنة يعلم وهو جالس يتســامر مع رفيقه فــي بلدة صفا قضــاء رام الله، بمــا ينتظره من اعتقــالٍ دامٍ ينتهك كرامته وأبسط حقوقه، فبعد أن اخترقت الرصاصات فخذيه وأســفل البطن، قام الجنود الإســرائي­ليون بتمزيق ملابسه والسخرية من ألمــه ودمائه، حيــث لا يزال الطفــل أحمد حتى هذه اللحظة فــي معتقلات الاحتــال لا يقوى على المشي ويرافقه مسؤول القسم لأداء أبسط احتياجاته الآدمية.

وفي قصة أخرى، قالت الدراســة إن مدرسة، وملعبــا، وألعاب الفيديو، ونقاشــات حادة مع الأم والأب عن وجوب أداء الواجبات المدرسية؛ هو ما يفعله طفــل في عمر الرابعة عشــرة في أي مكان في العالــم، إلا أن حياة الطفل محمود الخطيب أصغر الأسرى من بلدة شعفاط قضاء القدس لا تشــبه هذه الحيــاة، فمنذ أن تعرض لتجربة قاســية حــن اقتيد إلــى زنازين مركز تحقيق «المسكوبية» الســيئة، التي يصبح فيها الحصول على الأساســيا­ت المتمثلــة في الاكل والنــوم والاســتحم­ام حلما للأطفال، يشــكو الطفل من رداءة الطعام المقدم له، والحشــرات التي تملأ مــكان نومه فــي زنزانتــه الضيقة، ونزع الاعترافات من الطفل تحت وطأة ساعات التحقيــق الطويلــة وفقدان حاجــات الحياة البديهية.

أما عن كيفية تحــول الكوابيس إلى حقيقة، فتتمثل في حكاية الشــبل المريــض أمل نخلة، الذي اقتيد فجرا مــن منزله في مخيم الجلزون إلــى معســكر بيت أيــل، لكنــه لم يصــل إلى المعســكر إلا بعــد تعمــد الإذلال عبــر تعرضه لصفعات متتالية علــى الوجه من قبل المجندات الإسرائيلي­ات في الجيب العسكري، وبعد نقله إلى المعســكر الاعتقالي في عتصيون، تم رفض استقباله لحاجته إلى العلاج يوميا.

ويوضح التقرير أن الطفل أمل الذي يعاني من مرض دائم نادر متمثل في وهن عضلي، يجتاح عضلات الجهاز التنفسي مما يسبب له صعوبة في التنفس، لم يكن يعلم أن اعتقاله الذي جرى بهذه الوحشــية ســينتهي تحت عنوان الملفات الســرية المتمثلة في «الاعتقال الإداري» بعد أن جرى تجريده من أبســط حقوقه القانونية في المحاكمة والمرافعة، وها هو يعاني ألم الســجن الظالم وآلام المرض سويا.

وفي الســياق، قال نادي الأسير إن سلطات الاحتلال تواصل اعتقــال نحو )140( طفلا تقل أعمارهــم عن )18( عاما، بينهم أســيران فتيان رهن الاعتقال الإداري وهمــا: أمل نخلة من رام الله، وفيصل العروج من بيت لحم، وأوضح في تقرير بهذه المناسبة أن عمليات اعتقال الأطفال في القدس، تعــد من أخطر القضايا التي تواجه المقدســيي­ن، جراء عمليات الاستهداف الممنهجة والمتكررة لهم.

وأوضح أنــه على مدار الســنوات الماضية، وتحديدا مــع بداية الهبة الشــعبية عام 2015، صعّدت ســلطات الاحتلال مــن جرائمها بحقّ الأطفال ومنهــا الاعتقالات، التــي وصلت إلى 2000 حالــة، ويؤكد التقريــر أن الاحتلال يُنفذ انتهاكات جســيمة بحقّ الأســرى الأطفال منذ لحظة اعتقالهم.

التنكيل بالأطفال وترهيبهم

ومنذ بداية انتشــار وبــاء «كورونا» ورغم النــداءات التي أطلقتها المؤسســات الحقوقية من أجل إطلاق ســراح الأطفال، فإن ســلطات الاحتلال واصلت اعتقالهم، واستخدمت الوباء أداة تنكيل بحقّهم، والضغط عليهم وترهيبهم. ويواجه الأسرى الأطفال في قضية الوباء، ذات الإجــراءا­ت التي يتعرض لها الأســرى الكبار، من حيث عدم توفر أقسام اعتقالهم للإجراءات الوقائيــة اللازمة، وتعرضهــم لعزل مضاعف كمــا كل الأســرى، وحرموا من زيــارة العائلة والمحامين، لا سيما في الفترة الأولى من انتشار الوباء، الأمر الذي تسبب لهم بأزمات، وضغوط كبيرة على مستوى الحياة الاعتقالية.

ولا تزال غالبية الأطفال الأســرى وبســبب الوبــاء محرومــة منذ عدة شــهور مــن رؤية عائلاتها فيما يُســمح للمحامين بزيارتهم، ومع ذلك ترفض إدارة الســجون الســماح للأطفال بالتواصل مع عائلاتهم عبــر المكالمات الهاتفية، رغم المطالبات المتكررة، كما لم يســتثن الأسرى الأطفال مــن عمليات التصنيــف التي يفرضها الاحتــال. ويُطبق الاحتلال بحـّـق الأطفال في الضفة القانون العسكري، فيما يُطبق إجراءاته الاستثنائي­ة في القانون المدني الإسرائيلي على أطفال القدس، كجزء من سياســات التصنيف التي يحاول فرضها على الفلســطين­يين، كما لا يتوانى عن اعتقالهم إداريا، تحت ذريعة وجود «ملف سرّي .»

وفي هذه المناسبة، شددت وزارة الخارجية الفلســطين­ية على حق الشــعب الفلســطين­ي والاطفال في العيش بأمان وسلام اسوةً بأطفال العالم، لافتة إلى أن الطفل الفلســطين­ي لم يكن بمعزل عن الانتهاكات التي تمارســها ســلطات الاحتلال، بل كان في مقدمة من تستهدفهم عمداً. وقالت إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي­ة «تفتقر الى الحد الأدنى من معايير الإنسانية واحترام القانــون الدولي، ولا تراعي حقــوق الطفل في انتهاكها المستمر .»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom