Al-Quds Al-Arabi

موكب الموتى في مصر... وَصْفَة «الرفاق الأعزاء» وحكاية النحت في سوريا

-

لا يحتــاج إلى إثبات أن مجــرد فوز فريق رياضي لنظام مســتبدّ يمكن أن يســتثمر غطاءً لارتكاب مجزرة، فهــذا المثال بالذات حدث ذات مرة في روســيا، عندمــا حصدت ثلاث عشــرة ميدالية ذهبية في أولمبياد سوتشــي 2014، وكانت شعبية بوتين قبلها في هبوط مســتمر، فأســهمت الذهبيات برفعها، إلى حــدّ أن الفيلم الوثائقي «إيكاروس» يَنســب إليهــا زيادة عدوانية بوتين وتجرؤه على شــنّ الحــرب علــى أوكرانيا. فمــا بالك حــن يتعلّق الأمر بعــرض ملكي بــاذخ وباهر شــوهد في أرجــاء الأرض، وحظــي بالتصفيق ورفع القبعات حتى من قبل أشــدّ أعداء النظام المصري، بحجة أن «رحلة المومياوات الملكية» تخصّ مصر الحضارة، لا حكّامها!

صحيح أن عبدالفتاح السيسي لا يفكّر في شن حرب على أي بلد جار، لكن موكبه الذهبي سيغطي سلفاً انتهاكات ومفاسد ومجازر وحوادث ليســت قدريــة تماماً، آخرها حادث اصطــدام قطارين لم يجف دم قتلاه.

نتحــدث هنا عــن عرض بــاذخ طارئ وحســب، لا عــن فعاليات ثقافية مســتدامة، عن عرض كُرّس فــي كل تفصيل منه في تطويب السيســي، خصوصاً فــي دخوله إلى المتحف، المنحول من مشــهد للرئيــس الروســي بوتين فــي طريقه إلى خطــاب القســم، قبل أن ينسخه بشار الأســد هو الآخر، في محاولة لتقليد القيصر المريض بفردانيته وسطوته وديكتاتوري­ته.

عرض ضاجّ بالأضواء والموســيق­ى لنقل مومياءات فرعونية من متحف إلى آخر، نموذج في توظيف الطاغية لكل ما في البلد، وللبلد، من تاريــخ وتماثيــل ودراما ومكتبات وســواها لتكريــس صورته كزعيــم نهائــي. لن نجد مقولة أكثــر اختزالاً من عبارة ســائق توك توك مصري صرخ مرة بعالي الصوت: «أشــوف مصر عالتلفزيون ألاقيها فيينا، أنزل الشارع ألاقيها بنت عم الصومال» وهذا قبل أن تخرســه أجهزة الأمن المتفرعنة. وهنا أيضاً، إنها المفارقة نفســها، بين مصر المتلفزة التي ســلبت كثيراً مــن العقول حول العالم أمس، ومصر المقهورة التي زُجّت في السجون ونكّل بها أفظع تنكيل.

يعبر الموكب الذهبي ميدان التحرير، رمز ثورة 25 يناير المغدورة، فينتبــه كثيــرون: وحدهم الموتى مــن يحق لهم التظاهــر في ميدان التحرير.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom