Al-Quds Al-Arabi

الانبعاثات الكربونية لسفن الحاويات العملاقة تضعها في مرتبة سادس مصدر للتلوث في العالم

-

■ سان فرانسيسكو - دب أ:أزمة ســفينة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن» التي جنحت في قناة السويس قبل اســبوعين، حولت أنظار العالم، ولو لفترة وجيزة، إلى نشــاط شــحن الحاويات، وضــرورة توجيه مزيد مــن التركيز المستدام لمعالجة المخاطر التي تشكلها هذه النوعية من السفن على المناخ.

ويتسبب قطاع الشحن البحري بثلاثة في المئة من الانبعاثات الكربونية في العالم. ولو افترضنا أن قطاع الشــحن هو دولة، فإن هــذه الدولة الافتراضية سوف تأتي في المرتبة السادسة من حيث حجم الانبعاثات على مستوى العالم.

وقد ســاهم قطاع شــحن الحاويات في انخفاض كبير في تكاليف الشــحن بشكل عام، كما اضطلع بدور أكبر في نشاط التجارة العالمية على مدار السنوات الخمسين الماضية، مقارنة بجميع اتفاقيات التجارة مجتمعة.

وتعمل ســفن الحاويات بالوقــود الزيتي الثقيل، الــذي تنبعث منه كميات كبيرة من غاز ثاني أوكســيد الكربون عنــد احتراقه بالإضافــة إلى الكربون الأسود )الســخام( وهي جزيئات دقيقة ســوداء وربما تعتبر ثاني أكبر سبب لتغير المناخ.

ويقول بيتر أوزتســاغ، الكاتــب المتخصص فــي وكالة بلومبــرغ للأنباء الاقتصاديـ­ـة، أن المنظمــة الدولية البحريــة وضعت هدفاً لخفــض انبعاثات الكربون التي تصدر عن الســفن إلى أقل من مســتويات عام 2008 بحلول عام 2050، كما انضمت أكثر من 150 شركة ومنظمة تعمل في مجال النقل البحري إلى مبادرة «تحالف الوصول إلى كربون صفر.»

ووضعت كثير من شركات الشــحن أهدافاً طموحة خاصة بها من أجل تنفيذ عملياتها. لكن وبالرغم من ذلك فإن نزع الكربون من قطاع الشحن سوف يكون مهمة شاقة، وسوف تستمر حصة هذه القطاع من الانبعاثات في الارتفاع خلال الســنوات المقبلة، في الوقت الذي تخفــض فيه باقي القطاعــات من بصمتها الكربونية بوتيرة أسرع.

ويعتبر خفض انبعاثات ســفن الحاويات تحدياً كبيراً في ضوء المســافات الطويلة التي تقطعها هذه الســفن والشــحنات الضخمة التــي تنقلها. ونظرا لكثافة الطاقة المنبعثة من الوقود الزيتي الثقيل الذي تســتخدمه هذه السفن، فإن استخدام بدائل أنظف من الوقود سوف يكون أعلى سعراً أو يحتاج مساحة تخزين أكبر على متن السفينة، وهو ما يجعلها حلولً غير عملية.

ويرى بيل غيتس، الرئيس السابق لشركة «مايكروسوفت» أن بدائل الوقود الزيتي الثقيل الأقل تلويثا للبيئة ســوف تكون أعلى تكلفة بنســب تتراوح في تقديره ما بين 300 إلى 600 في المئة. ويشــير إلى أن ســفن الحاويات التقليدية يمكن أن تحمل 200 ضعف كمية الشــحنات التي تحملها أي من سفينتي الشحن اللتين تعملان بالكهرباء الموجودتين حالياً، كما يمكنها أن تقطع مســافات تزيد

بواقع 400 مرة عن المسافات التي تقطعها هاتان السفينتان.

وبالرغــم من هذه الصعوبات، توجد وســائل عديدة لخفــض الانبعاثات، لاسيما وأن القطاع لا ينتظر حلاً سحرياً لهذه المشكلة. ومن بين الإستراتيج­يات المطروحة أسلوب «الابحار البطيء » وهو السير بالسفن بسرعات أقل مما تسمح به الطاقة القصوى لمحركاتها. وتشــير التقديرات إلى أن هذا الأسلوب يمكن أن يحد من الانبعاثات بنسبة 19 في المئة، بعد الأخذ في الاعتبار العدد الإضافي من السفن المطلوب لتوصيل كمية البضائع نفسها خلال الفترة الزمنية.

ولكن أفضل الحلــول تأتي من اســتخدام بدائــل الوقود الزيتــي الثقيل. فبالإضافة إلى الســفن التي تعمــل بخلايا الوقود التــي اقترحها بيل غيتس، تم بالفعل تدشــن سفن تعمل بالغاز الطبيعي الُمســال. كما يجري تطوير سفن محايدة من ناحية الكربــون تعمل بوقود الميثانول، وإن كانت هذه النوعية من السفن تستهدف قطع مسافات أقصر.

ويرى أوزتســاغ أن الهيدروجين أيضا يمكن أن يكون حلاً أقل تلويثاً للبيئة بالنســبة لتشغيل ســفن الحاويات. ولكن نظرا لأنه أقل كثافة بكثير من ناحية الطاقة، فإن المساحة اللازمة لتخزين وقود الهيدروجين الُمسال على متن السفن المخصصة للرحلات الطويلة قد تجعل الفكرة غير قابلة للتطبيق.

ومن بين الأفكار المطروحة أيضا بناء سلســلة محطات لإعادة التزود بوقود الهيدروجين الســائل، بحيث لا تحتاج الســفن لتخزين كميــات كبيرة من هذا الوقود على متنهــا. ويراهن البعض على فكرة اســتخدام الهيدروجين لإنتاج أمونيا صديقة للبيئة عن طريق مزج الهيدروجين بالنتروجين، وإن كانت كثافة الطاقة التي تصدر عن الأمونيا تقل كثيرا عن طاقة الوقود الزيتي الثقيل.

أما أكثــر المقترحات راديكالية وإثارة للجدل، فجــاءت من بيل غيتس حيث كتب في كتابه الجديد بشــأن تغير المناخ «لابد أن نبحث أيضا فكرة اســتخدام ســفن حاويات تعمل بالطاقة النووية» مضيفا أن «المخاطر هنا حقيقية )فلابد أن نتيقن على ســبيل المثال من أن الوقود النووي لن يتســرب من السفينة في حالة تعرضها للغرق» ولكن كثير من التحديات التقنية قد تم حلها بالفعل، ففي النهاية، توجد حاليا غواصات عسكرية وحاملات طائرات تعمل بالفعل اعتمادا على الطاقة النووية .»

لقد كانت لســفن الحاويات أهمية كبيرة في توســيع سلاسل الإمداد ونمو التجارة العالمية، وحتــى بعد إضافة التكاليف اللازمــة لجعلها صديقة للبيئة بشــكل أكبر، فإنها تظل بفارق كبير أرخص وسيلة لنقل البضائع عبر مسافات طويلة. وفي المســتقبل، وبعــد أن عادت حركة الملاحة في قناة الســويس إلى طبيعتها، فإن هذه السفن ســوف تظل تلعب دورا رئيسيا في مساعي الحد من الانبعاثات الملوثة بالبيئة وصولا إلى درجة الصفر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom