Al-Quds Al-Arabi

الأردن: هكذا تصبح «شعبية» الأمير حمزة خطراً حقيقياً

- عوديد غرانوت

■ حاول وزيــر الخارجية الأردني، أمــس، إلقاء الضوء على ملابســات الاعتقالات الليلية لمسؤولين كبار في المملكة. ولكن ممــا رواه يؤخذ الانطباع بأن الســبب الحقيقي لتلك الدرامــا هو في أقصى الأحوال أقــوال ومخططات، قد تكون نســجت في الخفاء، أكثر مما هي أفعال حقيقية. فلم تقتحم الدبابات قصــر الملك في عمان ولم يكن عرش الملك عبدة الله في خطر حقيقي.

يمكن الافتراض بأنه لو كانت لدى الملك الأردني أدلة على تخطيط انقلاب حقيقي مــن جانب الأمير حمزة، لاقتاده إلى السجن ولم يكتفِ بالإقامة الجبرية التي فرضها عليه.

قبل أكثر من خمسين سنة تنبأ البروفيسور منفرد ألفرن،

من أهم المستشرقين بأن مصير الملوك في منطقتنا حسم، وهم ســيختفون من حياتنا في غضون بضع سنوات. لقد أخطأ، بالطبع. فالربيع العربي الذي أســقط طغــاة قدامى كمبارك والقذافي، تجاوز الممالك بشــكل عجيب وترك كل الملوك على عروشهم؛ من ملك المغرب وحتى ملك السعودية وملوك دول الخليج.

غير أن ذاك الربيع أو الشتاء العربي جعل المتبقين الكبار ملوكاً أكثر قلقاً وتوتراً على حكمهــم. بعض منهم على الأقل مقتنع بــأن الخطر الحقيقــي يحدق بهم ليــس من صفوف الجيش وقــوات اأامن، بل من البيت، من النار التي في داخل المجنزرة. قبل ســنة بالضبط، أمر ابن الملك السعودي، محمد بن ســلمان، باعتقال ثلاثة من أبناء العائلة المالكة، وبينهم أميران كبيران بتهمة «محاولة انقلاب». وعمل الملك عبد الله الأردني أول أمس وفقاً للوصفة إياها بالضبط.

فضلاً عن ذلك، فإن تخوف الملــوك من الخيانة في داخل العائلــة المالكة الموســعة ينخــرط جيداً أيضاً مــع تطلعهم الطبيعي لترك الخلافة لأبنائهم على باقي الأقرباء الآخرين. والأمثلة لا تنقص. قبل أقل من أربع ســنوات، أطاح ســلمان ملك الســعودية بابن أخيه محمد بن نايف، كيف يعين ابنه، محمــد، ولياً للعهد. الحســن ملك الأردن وهــو على فراش الموت أطاح بأخيه الحســن كي يعين ابنه عبد الله للجلوس على عرشه. وهكذا، مخلصاً لتقاليد تفضيل الابن على قريب العائلــة، حرص الملك عبد الله على نزع منصب ولي العهد من أخيه حمزة، كي يعين ابنه الحســن، الذي حاول في الشــهر الماضي أن يثبت مكانته من خلال مشــادة مع إســرائيل على عدد الحراس الذين سيرافقونه إلى الحرم.

ليس واضحاً حتى هذه اللحظة كم بعيداً سار حمزة، إلى ما بعد اعترافه نفســه في الشــريط الذي هربه بأنه لم يكن

شريكاً في أي محاولة انقلاب، ولكنه انتقد الفساد المنتشر منذ سنين في قمة المملكة. ولكن الرد المتسرع من الملك والاعتقالا­ت الليلية تشهد على الحساسية الشديدة في القصر الملكي تجاه كل ظل محاولــة انقلاب وعلى الأعصاب المتوترة. ولذلك عدة أسباب أساســية: وضع الأردن الصعب الذي يصارع جائحة كورونــا، والاقتصاد الأردنــي الذي يصعب عليــه مواجهة العجز الهائل والبطالة المستشرية، والذي لم يتلقَ إلا القليل من الأكســجين بفضل قرار الكونغرس إلغاء قــرار الرئيس الســابق ترامب لتقليص المســاعدا­ت الخارجية المقدمة إلى الأردن.

وثمة سبب آخر يرتبط بلا شك بحقيقة أن حمزة، ابن 41، مع تعليم عال واسع اكتسبه خارج الأردن وسجله العسكري الغني كقائد عســكري كبير في قوات المدرعات، هو شــعبي وكاريزماتي أكثر بأضعاف من ولي العهد الحسين بن عبد الله.

إضافة إلى ذلك، فإنه يحظى بتأييد بعض من زعماء العشائر في الأردن، الذين هم السند الأســاس للنخبة السلطوية في المملكة. في المظاهرات الكبرى التي كانت في الأردن قبل نحو ثلاث سنوات على خلفية الأزمة الاقتصادية، رفع اسم حمزة كمن هو جدير أكثر من الحسين لمنصب الخليفة.

في قــراره قصقصة أجنحة حمــزة كي يزيــل كل تهديد حقيقي أو وهمي على حكمه، نــال الملك عبد الله تأييداً جارفاً من الولايــات المتحدة والغرب ومعظــم دول العالم العربي. الرســائل المهدئة بشــأن اســتقرار الحكم في المملكة والتي نقلت من عمان إلى القدس، تشــهد على أن الملك -رغم التوتر السياســي الســائد بين الدولتين- يولي أهمية كبيرة أيضاً للإسناد من جانب إسرائيل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom