Al-Quds Al-Arabi

هل تُذكّرنا صفقة الصين وإيران بصفقة أمريكا والسعودية؟

- *كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

في 14 فبراير/شباط عام 1945 صعد الملــك عبدالعزيز آل ســعود والرئيس الأمريكــي فرانكلين روزفلــت على متن الطراد «يــو أس أس كوينســي»، لتوقيع اتفــاق بموجبه توفر الولايــات المتحدة الحماية الكاملة للنظام السياســي السعودي، مقابل ضمان السعودية إمدادات النفط لها. كانت مدة الاتفاق 60 عاما، ثم تم تمديده للمدة نفســها عام 2005. التغير الأبرز الذي حصل على الأرض نتيجة هذه الاتفاقية، هو أن الولايــات المتحدة حلت محل بريطانيــا العظمى في منطقة الخليج العربي، بعد سيادة هذه الأخيرة عليه لعقود مــن الزمن. فهل يتكرر الحدث مرة أخرى وتســتطيع الصين الحلول محل الولايات المتحدة في هذه المنطقة بعد الاتفاقية مع إيران؟ أم أن المساكنة بين القوتين يمكن أن تكون هي الحل في منطقة الخليج العربي؟

في الأســبوع الماضي تم التوقيع علــى الاتفاقية الصينية الإيرانية، التي تبين أن خطوطها العريضة، هي اســتثمارا­ت صينيــة بمبلــغ 400 مليــار دولار فــي البنــى التحتيــة والطاقة والتعاون العســكري البري والجــوي والبحري، والاســتخب­ارات والحــرب الإلكتروني­ة، ومجــالات علمية واقتصاديــ­ة وثقافية، وغيرها على مــدى 25 عاما. ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها إيران اتفاقية مع دولة عظمى، حيث وقعت اتفاقية مع روسيا في المجال النووي في عام 2001 لمدة 10 سنوات تم تمديدها لاحقا، لكن الأخيرة هي الأطول زمنيا، كما أن المجالات التي شــملتها أوسع بكثير من الاتفاقية مع روسيا.

وبتســليط حزمة من الضوء على بنــود الاتفاقية، يتبين بشــكل واضح أن الصين قد ضمنت وجودا عسكريا وتجاريا غير مســبوق في الجزر والموانئ الإيرانيــ­ة كافة، التي تطل علــى الخليج العربي، وكذلك مضيق هرمــز وعبادان وبندر عباس وشــهبهار. وقــد أثار هــذا التمدد الصينــي، الذي أعطتــه الاتفاقية له، لغطا كبيرا في الأوســاط السياســية المحليــة والدولية، حتى رأى البعض أنه تخل عن الســيادة الإيرانيــ­ة، حصــل بســبب الضغــط الامريكــي، وضغط الحاجــات الاقتصاديـ­ـة الداخلية. في حين هلــل النظام لها وعدّها اختراقا كبيرا في جدار العقوبات الأمريكية، كما زعم أنها نجاح سياســي إيراني كبير، في دفع الآخرين لتشكيل محور يجــرف الهيمنة الأمريكية على العالم. وهنا يمكن فهم الموقف الإيراني المنتشــي بهذا الاتفاق، من جانب المناكفة مع الآخرين، لكن هل من آفاق حقيقية لتحقيق ما ورد من بنود؟

أولا، إن كل الحقول الواردة في الاتفاقية، التي ستستثمر فيها الصين هي فعلا موجودة فيها منذ زمن، ولو قارنا حجم الاســتثما­ر الصيني في إيران، واستثمارات­ها في دول أخرى في المنطقة نجده أقل بكثير. فقد استثمرت في السعودية من عــام 2010 إلى 2020 حوالي 30 مليــار دولار، وفي الإمارات للفترة نفســها 29 مليار دولار، في حين كانت استثمارتها في إيران بحدود 18 مليار دولار، خلال الأعوام المذكورة نفسها. لذلك قد تكون الاتفاقية رافعة لحجم الاستثمار، وليس حالة مميزة عن الآخرين، أو انفجارية، كما تروج لها طهران. ثانيا، أفق العلاقات بين الطرفين غير مفتوح ومحدداته، أن الصين تعرف جيدا أن العقوبات الأمريكية يمكن أن تطالها، وتعرقل عملها في إيران. كما أنها ســتأخذ بنظر الاعتبار علاقاتها مع المنظومة العربية، ولــن تجازف بإثارة امتعاض دول عربية في حالة صراع مع طهران، لذلك كان تصريح المتحدث باسم الخارجية الصينية، مشــددا علــى أن الاتفاقية لا تهدف إلى مواجهة أحد فــي المنطقة. مضيفا أنها ســتكون مماثلة لتلك الموقعة مع الســعودية والإمارات والعراق. أما على الجانب الإيراني فإن صانع القرار لن يســتطيع الانفتاح على الصين بصورة كبيرة، لانه يعــرف أن الأخيرة لديها علاقات جيدة

مع دول المنطقة، في حين أن سياساته عدائية فيها.

ما يميز الاستراتيج­ية الصينية في منطقة الشرق الأوسط ،أنها ترفع من قيمة التعاون الاقتصادي على حساب المواقف السياســية. كما تحافظ علــى معادلة متوازنــة في المنطقة بعيدا عن الانحيــاز إلى طرف دون آخر، خوفا من الانخراط في صراعات محليــة تفقد فيها الامتيازات الاقتصادية، لذلك لن تكون الاتفاقيــ­ة الأخيرة مع طهران بديــا عن علاقاتها مع الســعودية، أو الإمــارات أو إســرائيل. فالعلاقة بينها وبين طهران هي التي تتحكــم فيها، من خلال منظور إقليمي يأنف مــن دعم طهران فــي صراعاتها الإقليميــ­ة، ومنظور دولي تســتخدم فيه دعمها لطهران في المنافسة مع الولايات المتحدة، لماذا؟ لأنهــا تريد جر الولايات المتحدة للمنافســة في مناطق بعيــدة عن حدودها ومجالها الحيوي. كما تعرف جيــدا أن دعمها لطهران اقتصاديا وسياســيا، ســيزيد من رعونة صانع القرار الإيراني، ويدفعه لفعل المزيد من المشاكل للولايات المتحدة. وهذه سياسة صينية منخفضة التكاليف تماما، لكن الســؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه الآن هو، هل أن السياســة الصينية في هذه المنطقة ستبقى كما هي الآن؟ أم أنها ســتتغير في ضوء انغماسها فيها وتشعب مصالحها، خاصــة أن الصــن أبدت اســتعداده­ا لحل قضايا الشــرق الأوسط عندما زار وزير خارجيتها المنطقة مؤخرا؟

ومع ذلك فإن التحليل السياســي يقــول، إن الاتفاق قد يكون تحولا جيوسياســي­ا مهما في المســتقبل، لأنه يؤسس لوجــود صيني فعلــي لفترة طويلــة. أما إذا دخــل العامل الروســي في المعادلة، وإذا ما التحقــت تركيا بهذا التحالف مناكفة مع واشــنطن، فإن موازين القوى حتما ستتغير في الشرق الأوســط. لكن لا أحد بإمكانه أن يحل محل الولايات المتحدة في المســتقبل القريب، لأنها مازالت القوة الأكبر في العالم وهذه المنطقة نقطة عالية الأهمية في اســتراتيج­يتها. قد تشــكل الاتفاقية تحديا لبايدن، وعامــل قوة لطهران في المفاوضات حول الاتفاق النووي، لكنها لن تكون جواز مرور صيني يمنحه الصينيــون لإيران لتطوير أســلحة نووية، وزعزعة الأمن في الشــرق الأوســط، لأنهم يراهنون عليها اقتصاديا، ولهم فيهــا مصالح كبيرة. ستســعد بكين كثيرا إذا غيــرت الاتفاقية قواعد اللعبــة، وأصبحت عامل ضغط قوي على واشــنطن في المفاوضات مع إيران. حينها ستثبت لدول ضعيفة كثيرة بأنه يمكن الاعتمــاد عليها، وأنها لاعب دولي كبير وقادر على حل مشــاكل دولية كثيرة. وســيكون ذلك نجاحا دبلوماســي­ا كبيرا لها، وتعزيزا لقوتها الناعمة. مــا يؤخذ على الاتفاقية الصينيــة الإيرانية هو حالة التكتم والغمــوض في بعض بنودها. قيل إن الاســتثما­ر يصل إلى مبلغ 400 مليار دولار، لكن ذلك لم يظهر في الوثائق الرسمية، وعندما سأُل المتحدث باســم وزارة الخارجية الصينية عن قيمة الاستثمار رفض الإجابة، كذلك تسربت معلومات تشير إلى ضمان إيراني لتسليم الصين نفطا رخيص الثمن لمدة 25 عاما. بعض التقارير شــككت في إمكانية التنفيذ، خاصة أن هناك ثلاثة مشــاريع كبرى وقعتها الصين مع شــركة النفط الإيرانيــ­ة، تم الغاؤها بســبب التأخير في التنفيذ، حســب ادعاءات الجانب الإيراني.

كل هــذه العناوين دفعت آخرين للقول إنها صفقة مناكفة مربحة صينية إيرانية ضد قوى كبرى في ســياق التطورات الدولية. كما أن بكين تريد الاســتثما­ر في القلق الذي أحدثته الإدارة الأمريكيــ­ة الحالية في علاقاتها مع بعض الحلفاء في المنطقة، بعد الضغــط عليهم في مجالات حقوق الإنســان، فتقدم نفسها كبديل يستطيع توفير الحماية في مجلس الأمن بحق النقض.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom