Al-Quds Al-Arabi

الصين وثورات الربيع العربي

- *كاتب مصري

رجاله بالقنابل والدبابات.

حاولت الصــن بالتعاون مع روســيا، منع الولايات المتحدة والدول الحليفة لهــا، وقف ضرب ليبيا، وحماية نظام العقيد معمــر القذافي، مــن دون جدوى، وضاعت كلماتها في الهــواء، فالدول العربية المعنية دخلت مراحل الحــراك الثوري، خاصــة بعد أن ســقط النظام المصري العتيد خــال 18 يوما فقط. تحقق ما قلناه للمســؤولي­ن الصينيين فــي زياراتهــم المكوكية للمنطقــة. وهالهم أن يــروا الأنظمة التــي راهنوا عليها تتســاقط أمام أعينهم في مصــر وليبيا واليمن، كقطع الشــطرنج، بينما يترنح النظام الســوري، وينقســم العرب على أنفســهم داخل الجامعة العربية، وتتمــزق أوراق التحالف بين مجموعة عدم الانحيــاز التي تقودهــا الصين داخــل أروقة الأمم المتحدة. اعترف القادة الغربيون، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكــي أوباما بأن ثــورات الربيع العربــي، فاجأتهم وأذهلتهم، بدرجة لم تستوعبها أجهزة المخابرات ومراكز الدراسات البحثية المتابعة بدقة لكل ما يحدث في المنطقة. وعلى الرغم من أن الصين لم تعتــرف بهذا الأمر علنا، إلا أننا ســمعنا ذلك من مســؤولين فيها مرارا، في السفارات واللقاءات التي حضرناها أثنــاء مقابلاتهم في الصين أو مصر أو بعض الدول العربية. ولذلك شــرعوا بالتواصل لأول مرة مع الأحزاب غير المرتبطة بالحكم، فطلب مسؤول الحزب الشيوعي الصيني في سفارة القاهرة، أن نساعده في مقابلة الدكتور ســيد البدوي رئيــس حزب الوفد في حينه، وسأل زملاءَ آخرين بأن يعضدوه في ذلك. وعندما أتممنا الطلب، وجدنا تدفقا من المسؤولين الصينيين على جريدة «الوفد» التي تصدر عن الحزب الليبرالي العتيق، والتي شــاركت في إطلاق موقعها الإلكتروني، وأصبحت صوتــا قويا للثــورة المصريــة. جاء هؤلاء مــن قيادات وزارة الإعلام الصينية والحزب الشــيوعي ووكالة أنباء شنخوا الرسمية، ليفهموا كيف استطاعت وسائل الإعلام الحديثــة إحداث تغيير ثوري في الشــارع العربي، بهذه السرعة. وشــلمت الزيارات دعوات لعشــرات القيادات الحزبية والإعلاميـ­ـة ورجال الأعمال مــن الأطياف كافة لزيارة بكين، لمدد تتراوح ما بين إســبوعين وشهر، تشمل عقد ندوات معهم للتعرف منهم، عما جرى لعلهم يفهمون ما يجري.

جــاءت الطامة الكبرى، عندما شــهدت الثورة الليبية تحولات عنيفة، وانتشر السلاح وحالات السلب والنهب، وأصبحت المشروعات الصينية هدفاً ثميناً. خسرت الصين في تلك الأحداث مشروعات بمليارات الدولارات، سبق أن تعاقدت على تنفيذها مع نظام العقيد القذافي. وتحول نحو 30 ألف صيني في شــرق وجنوب البلاد، وحول العاصمة الليبية، إلى فرائس هائمة، ما جعل السفارة الصينية في القاهرة، تستنجد المجلس العسكري لمساعدتها في إخراج الصينيين العالقين هناك بأي وســيلة. جاء التنسيق بين الطرفين رفيع المستوى، حيث شاركت قبائل ليبية مرتبطة بمصــر من نقل الصينيــن من المدن الليبيبــة إلى أقصى شــرق ليبيا، ومن هنــاك نقلت مصر الأفراد إلى الســفن الصينية الرابضة في ميناء الســلوم. فرّ بعض الصينيين في الغرب الليبي إلى الجزائر، بينما تمكن آلاف من اليمن من الهرب إلى جيبوتي، ومن ســوريا إلى مصر والأردن. هكذا وجد الصينيون أنفســهم يتحولون إلى مطاريد في منطقة راهنوا مرارا على قــوة أجهزتها وحكوماتها، ولم يتعلموا بعد أن يتعاونوا مع أهلها ومؤسســاته­ا المدنية. جاء الدرس قاســيا دفعت الصين ثمنــه من أموالها، التي أهدرتها في استثمارات أتت عليها رياح التغيير للأنظمة، كما حدث من قبل مع الغزو الأمريكــي للعراق عام 2003، وها هي تتوسل مســاعدتها من أنظمة تحتضر لمساعدتها في إخــراج مواطنيها من المنطقة بأي ثمن. لهذا أســرعت الصــن بدفع 200 مليون دولار نقدا للمجلس العســكري لمســاعدته في شــراء صفقة قمح تحتاجها مصر بصورة عاجلة، وتبرعت بـ700 ســيارة وأجهزة لاسلكية لإعادة بناء الشــرطة المصرية. وكلفت مجموعة الدبلوماسـ­ـيين وأصدقاءنا الخبراء للالتقاء بالسياسيين ومجلس رجال الأعمال المصريين والعرب، في القاهرة والجزائر والخليج بخاصــة، للتعرف على المشــروعا­ت المهمــة التي يرون ضرورة مشــاركة الصين في تنفيذها، لمساعدة العرب في رفع مســتوى المعيشة وتحســن الاقتصاد. من أجل ذلك قابل القنصل الصيني في الإســكندر­ية أمين حزب الحرية والعدالة حسين إبراهيم لأول مرة، كما التقى السفير فونغ فياو، رئيس حزب «الصرح» الســلفي طارق نديم، لبحث كيفية إقامة مشــروعات صغيرة للأســرة المصرية، على غرار المشــروعا­ت التي أحدثت نهضة في المناطق الريفية

في الصين، وامتدت اللقاءات مــع أحزاب الوفد والتجمع والشيوعي المصري والشعب الديمقراطي وغيرها، داخل السفارة الصينية وخارجها، في القاهرة وبكين وأبو ظبي والرياض وقطر والجزائر والرباط.

وضعــت الصين خططا ســريعة من أجل التوســع في إنشاء أقسام صينية جديدة في الجامعات العربية، خاصة مصر والمغرب والجزائر، وإنشاء مراكز «كونفوشيوس» لتعليم اللغة الصينية، التي كان بعضها من قدامى الحزب الشيوعي الصيني والخبراء الأمنيين والإعلاميي­ن، الذين يرتبطــون بالحزب الشــيوعي والمخابرات، أســوة بما تفعلــه الأجهزة الغربية، في المنطقــة. ظهرت العقبة أمام فهم الصينيين للأحداث في أن الجيــل القديم القادر على الاحتكاك بالعرب، لا يعرف أدوات الثورات الجديدة، ولا القيادات الشــابة التي تدير الميادين، وأجهزة التواصل والإعلام، بينما الجيــل الجديد، حتى القــادر منهم على التعامل مع الأدوات التكنولوجي­ة، واتقان اللغة العربية، تنحصــر دائــرة اهتماماتهم، فــي التمتع بقــدر عال من الرفاهية، التي لم تتحقق لآبائهم وتحســن مســتواهم الاجتماعــ­ي والوظيفي، وأغلب الذيــن يعملون منهم في المنطقــة من أبنــاء الطبقة الصاعدة من قيــادات الحزب الشيوعي والمسؤولين الســابقين، الذين درسوا أو عملوا في الشرق الأوسط من قبل. ومن هنا نشأت بين الفريقين، رؤى متناقضة لمــا يدور حولهم، الشــباب أغلق الأبواب على نفســه، أو طلب الخروج على عجل مــن هنا، حيث ســبل الحياة أفضل في بلدهم أو إلــى بلدان أكثر هدوءا، بينما جيل الآباء ظل يحذرنــا من خطورة ما نقوم به من مبادرات لدعم الحــراك الثوري، ويقــول: «إن الثورات عندما تبدأ لا يمكن لمن شارك فيها أن يوقف عجلات الزمن، ولن يفيق إلا بعد عشــرات السنين، حيث تكون البلاد قد شهدت دمارا للبشر وخرابا، لا يمكن تصوره». كنت أعتبر رؤية هؤلاء الخبراء، ومنهم الدكتور وو بنغ بنغ الأستاذ في جامعة بكين، ووانغ فو رئيســة تحرير مجلة «الصين اليوم» بمثابة مخاوف عجائــز الفرح، ولكنها كانت تعبر عن رؤية واقعية لما يؤمن به القادة الكبار في الصين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom