قراءة في مقولات يمين أوروبا المتطرف
■ شــهدت تونــس مؤخــراً فصــاً جديــداً في حال الاســتعصاء ثلاثيــة المحــاور بــن رئاســة الجمهورية ورئاســة الحكومة والبرلمان، وذلك بعد أن رفض رئيس الجمهوريــة قيــس ســعيد التصديق على مشــروع كان البرلمــان قــد أقره حــول إدخــال تعديلات علــى قانون المحكمــة الدســتورية. واســتند الرئيس في قــراره إلى فصل في الدســتور يشترط تشكيل المحكمة الدستورية خلال فترة أقصاها سنة تعقب الانتخابات التشريعية.
وإذا كان الاعتراض صحيحاً من حيث الشــكل، فإنه مــن حيث المضمون لا يبــدو أنه يراعــي حقيقة انقضاء سبع ســنوات وليس سنة واحدة على تلك الانتخابات، عجــز خلالها البرلمــان عن تحديــد حصته مــن أعضاء المحكمة بسبب خلافات حزبية وسياسية معقدة. كذلك يلــوح أن رئيــس الجمهورية يغض النظر عــن حقيقة أن المحكمة ليست مشكلة أصلاً كي يرفض التعديلات على قانونها، وكان الأكثر صواباً أن يعترض على المشــروع لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دســتورية مشاريع القوانين، قبيل التصويت عليه في البرلمان.
وحســب الفصل 118 من الدســتور التونسي تتألف المحكمة الدســتورية من 12 عضواً، يتولى كلّ من رئيس الجمهوريــة والبرلمــان والمجلس الأعلــى للقضاء تعيين أربعــة مــن أعضائهــا، بحيــث تصبــح «هيئــة قضائية مستقلة، من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين فــي القانــون، الذيــن لا تقــل خبرتهــم عــن 20 ســنة.» وكان عــدم تشــكيلها واحــداً مــن العوائق الأساســية أمام اســتكمال المؤسســات التشــريعية والدستورية، وتســبب غيابها بالتالي في تعطيل جانب أساســي من التجربــة الديمقراطية التونســية، نظــراً لانتفاء الجهة القانونيــة الأعلــى التي تصدر الحكــم النهائي والقاطع حول أي نزاع يمكن أن ينشــب بين السلطتين التنفيذية
والتشريعية.
ورغــم أن رئيــس الجمهوريــة كان هــو الــذي اختار رئيــس الحكومة الحالي هشــام المشيشــي وأصرّ على تكليفه بمعزل عن التشاور مع الأحزاب السياسية، فإن سلسلة من النزاعات سرعان ما نشبت بين الرئاستين، وكان آخرهــا رفض ســعيد قبول أداء اليمــن لعدد من الوزراء الذين اختارهم المشيشــي ضمن تعديل حكومي واســع النطاق حظي بثقة البرلمــان. وهذه وجهة أخرى للاســتعصاء، إذْ أن رئيس الحكومة ليس أقل من رئيس الجمهورية تمســكاً بتعييناته، والبرلمان من جانبه رهن هــذا الوضــع العالق بقدر ما هو أســير صراعــات كتله وأحزابه.
وقد زاد فــي تعقيد الوضع محــاولات تدويل الأزمة عن طريق بعض أطراف الســلطة أنفســهم، إذ اســتقبل رئيــس الجمهورية ســفراء عــدد كبير من الــدول وأثار
أمامهم مشــكلات داخلية يُفترض أنها ســيادية يجري علاجها على مســتوى مؤسسات الدولة الوطنية، كذلك كان راشد الغنوشــي رئيس البرلمان قد استقبل السفير الأمريكــي وأثــار معــه قضايا مماثلــة. ولم يكــن غريباً أن تلتقــط الدوائر الماليــة العالمية هذه الإشــارات، على صعيد تخفيض الترقيم الســيادي للبلد، أو نشــر البنك الدولي معطيات مثيرة للقلق حول معدلات البطالة التي تجاوزت 17٪ وعجز الموازنة بنســبة 11,5 من الناتج المحلي الإجمالي، وتقلص هذا الناتج ذاته بنسبة 8.٪
ومن نافل القــول إن المواطن التونســي هو الضحية الأولى لحــال التــأزم هذه، التــي لا تصيب مســتويات العيــش والخدمــات العامة في مياديــن التعليم والبنية التحتية والأســعار والغذاء والصحــة في أزمنة جائحة كورونــا فقط، بل تنــذر بانقســامات حادة فــي البنية الاجتماعية وتهدد بعواقب وطنية خطيرة.