Al-Quds Al-Arabi

مستجدات «اعتقالات السبت»: الأردن يبتعد عن «التكهن» ويقترب من «تعريف» هوية «الجهات الخارجية»

- – عمان «القدس العربي»

حتى اللحظة، لا تلبي الرواية الرســمية الأردنيــة المتعلقة بأحداث السبت الماضي، لا شغف الجمهور الأردني بمعرفة التفاصيل وكيفية مســار الأحداث ولا هــوس الإعلام الدولي والإقليمــ­ي بالمتابعة تحت ســتار إظهار القلق على الأردن. وعملياً، لا يوجد ما يبرر إنتاج كميات كبيرة من القلق على الأردن.

ثمــة دليل علــى ذلك، فالمقربــو­ن من الدولة وبعــض رموزها، ومن بينهــم الدكتــور فايــز الطراونــة والوزير الســابق الجنرال حســن المجالي، خرجوا على الإعلام المحلي في إطار تمنيات وجملة سياسية مبرمجــة تتأمل من الأمير الشــاب حمزة بن الحســن تحديداً العودة إلى «رشــده الوطني». قــال صيغة قريبة من ذلــك لفضائية «المملكة» وتقصــد المجالي وهو مــن أبرز من عملــوا في القصر الملكي ســنوات طويلة، الإشــارة إلى أن جلالــة الملك هو الأرحم والأحن على شــقيقه الأمير.

قبل ذلك كان البيان الرســمي يتحدث عن مشــروع لمعالجة مسألة الأمير في ســياق «العائلة» وما يتلمســه المواطن والمراقب من حديث الطراونــة والمجالي هو إشــارة في هــذا الاتجاه أيضاً قبــل أن تدخل مواقع ومنصات محلية وبعض وســائل الإعلام الإســرائي­لية تحديداً على خطوط التشــويش، ومعهــا تلك الزفة المايكروفو­نيــة التي تنتج يومياً قصصاً وروايات درامية عدة باسم المعارضة الخارجية.

فــي كل حال، لا ينبغــي للرأي العام أن يخــوض بتفاصيل الجزء العائلــي من القصــة، فقد تحركت المؤسســات الســيادية، ومحاولة الاحتواء مســتمرة على نار هادئة وناضجة، ولا يبدو -حسب البيان الرســمي- أن مشــكلة الأمير تتجاوز حتى اللحظة وجود أشــخاص حوله يقومون بتحركات مضادة لمصالح الدولة.

يبرر ذلــك اعتقال بعض العاملين مع الأميــر والمقربين منه. وهؤلاء تقصــد البيــان، الــذي أدلى بــه الوزير أيمــن الصفدي، الإشــارة إلى تواصلهم مع معارضين في الخارج، الأمر الذي يخالف منطوق تقاليد الدولــة الأردنية، فالعاملون مع الأمراء يحرصون بالعادة على البقاء في الظل ولا يتواصلون مع المعارضة بأي صيغة.

علــى الزاويــة المقابلــة ووســط الشــغف الهوســي الباحــث عن معلومات، يجلس شــخص إشــكالي أيضاً مثل الدكتور باسم عوض اللــه، وقد لوحــظ أن العديد من الشــخصيات التي تصــدرت واجهة الإعــام مثــل عضــو البرلمان الســابق عدنــان الســواعير، تصر على الحديث عن إجراء متأخر في مسألة عوض الله، وعلى التذكير بدوره القديم في ملف التخاصية.

لكــن مثــل تلك الآراء لا تنتبــه إلى أن عوض الله اعتقل وســيحاكم علــى ملفــات لا علاقة لهــا بوظائفه الســابقة ولا بدوره في مشــروع التخاصية، فالجزء الذي ورد على لســان الصفدي بشأن عوض الله يتحدث عن اتصالات وتحركات مشبوهة له ولشخص آخر مع جهات خارجية، بمعنى أن حالة النقد الكبيرة لعوض الله الآن بعدما سقطت ورقته لا علاقة لها بالتوضيحات التي وردت لمســألة اعتقاله، بموجب بياني الصفدي ورئيس الأركان الجنرال يوسف الحنيطي.

ويمكن سياســياً وإعلامياً ومن باب التحليل فقط هنا، الإشارة إلى أن عبارة «جهات خارجية» دقيقة جداً ومبرمجة، وإن كانت لم تخضع لتعريف يصلح كإطار قانوني للبناء، فملف الاعتقالات نفســه لا يزال مفتوحاً. هنا تحديداً تجنب الصفدي - وهو من يرأس الدبلوماسـ­ـية الأردنية أصلاً - التحدث عن «دول خارجية» وأصر مرتين على الأقل على اســتعمال عبارة «جهــات خارجية». ذلك طبعاً يحصل لســبب، فالأردن ليس في صدد توتير أو تأزيم علاقاته مع دول صديقة يعرف الجميع بأن عوض الله مقرب منها.

والجملــة المتعلقة بأي اتهامات يمكن أن توجه لاحقاً لعوض الله أو غيــره، ينبغي أن تبقى في إطار بنــاء قضية بعيدة عن تجاذبات الرأي العام مع البقاء في مساحة مناورة لا تؤدي إلى اندلاع أزمة مع حلفاء أو أصدقــاء أو دول مجاورة يمكنها أن تتخلــى عن أي صديق أردني لها بالمقابل في موازاة قرار ســيادي أردنــي وطني بالتعامل مع ملف أمني وضمن حسابات الحذر من التدخل في الشؤون الأردنية. وبناء عليه، ينبغي أن تتوقف عملية التكهن. ومســألة الجهــات الخارجيــة على الأرجــح في طريقهــا للتعريف ضمن معادلــة تراعي كل المصالح وتحصر المســألة في انحرافات أو مخالفــات في القانون ارتكبها أردنيون فــي النتيجة، مع أن الإثارة لم تكتمل أو قد لا تكتمل إلا بظهــور تعريف لتلك الجهات الخارجية على مسرح الحدث المثير.

الأردن بهذا المعنى كله يحتوي فتنة داخلية، ويحسم بعض الملفات العالقة بصيغة تراعي حسابات المصالح، خصوصاً مع دول مجاورة، الأمــر الذي يلقــي الضوء على الجزء السياســي المبرمج الراشــد من عملية أمنية متقنة ولها عدة أهداف حققت معظمها حتى اللحظة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom