حنا ميخائيل: قصة الفدائي المثقف العاشق لفلسطين
ثمــة أكاديميون ومثقفون فلســطينيون انخرطــوا في حركات المقاومة الفلســطينية منذ انطلاقتهــا؛ وكان نصب أعينهم تحرير فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطن الآباء والأجداد. كان من بين هؤلاء الراحل الشــهيد، الفدائــي، الأكاديمي، المثقف والعاشــق لوطنه حنا إبراهيــم ميخائيل؛ الذي فضــلّ الانضمام إلى الثورة الفلســطينية على العيش الرغيد فــي الولايات المتحدة الأمريكية بعد تحصيله العلمي العالي.
مسيرة حياة
ترك حنــا إبراهيم ميخائيــل )أبوعمر( الولايات المتحدة عـــام 1969 وانضم للثورة الفلـــسطينية. أشــرف على تنـــظيم جـــهاز الإعـــام المركــزي لحركة فتح فــي الأردن وكانــت مهامه متابعة الاتصــالات الخارجيــة مــع الشــخصيات والقــوى فــي أوروبا الغربية، حيث ســاهم في تأســيس لجــان الصداقة وشــبكة من الاتصالات.
وتمكن من إقامة أمتن علاقات مع اليســار الفرنسي والإيطالي والأمريكــي. وكانــت تربطــه علاقــة صداقــة متينــة مــع الأديب الفرنســي المعــروف جان جينيــه، الذي كتــب عــن الفدائيين في الأردن وعن «أبو عمر» كتاب « الفدائي العاشق.»
وشــهد حنا ميخائيــل أحداث أيلول- ســبتمبر الأســود عام 1970م والتي وقعت بين المقاومة الفلســطينية والجيش الأردني، انتقــل أواخر صيــف عام 1971م إلــى بيروت وانضــم إلى مركز الأبحاث الفلســطيني وإلى أسرة تحرير مجلة شؤون فلسطينية، وكذلــك إلــى مركز التخطيــط الفلســطيني. كذلك اصبــح عضوُا قياديــاً في القطاع الغربي المســؤول عــن إدارة العمل في الأرض المحتلة والتي رأسها كمال عدوان ونائبه صخر حبش.
تعرف حنا ميخائيل أثناء دراســته العليا في الخمسينيات من القــرن المنصرم بالمفكــر الراحل إدوارد ســعيد؛ وبعد تخرجه من هارفرد عرض علــى حنا ميخائيل عقود عــدة؛ فدرّس في جامعة برينســتون الشــهيرة ثم حصل على عقد برتبة أســتاذ مســاعد لدراسات الشرق الأوسط في جامعة واشنطن في مدينة سياتل.
جاءت هزيمة حزيران- يونيو عام 1967 لتشــكل صدمة لجيل بكامله علق آمالا كبيرة على قيادة العمل القومي الذي كان يمثلها جمال عبد الناصر.
وكان لظهــور حركــة المقاومــة الفلســطينية مخــرج للكثير من المناضلين للانضمام للثورة الفلسطينية.
وكان من بــن الذين تخلوا عــن حياة الوداعــة والرفاهية حنا ميخائيل، حيث اختار طريقا محفوفا بالمخاطر ومستقبلا غامضا وانضم لحركــة فتح في الأردن عام 1969 ليســاهم بفكره ووعيه في عملية مقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين.
وقد نشــر لحنا ميخائيل كتاب «السياسة والوحي: الماوردي وما بعده» وقدم له إدوارد ســعيد، وفي عــام 2019 أطلقت زوجة حنــا ميخائيــل الباحثة جِهان حلــو كتابا يؤرخ له بعنــوان «غُيّب فازداد حضورًا .»
ليزيد حنا ميخائيل مهاراته العســكرية، إلتحق أبو عمر بدورة عسكرية في فيتنام سنة 1975 مدتها ستة شهور، تركت بصماتها علــى نفســيته كثيرا، وقــرر أن ينقل بعــض تجــارب الفيتناميين للثــورة الفلســطينية وخاصة الجدية والوعــي والتواضع. وكان قائــد الــدورة المناضل عبــد الحميد محمــود وشــاحي المعروف باســم «نعيم» الذي إختفى مع حنا عام 1976، حيث كان نعيم من خيرة قادة فتح في المســتوى العسكري، رغم أنه لا يعرف القراءة والكتابــة، لكن حنــا ميخائيل علمه بكل تواضــع ومثابرة الكتابة والقراءة.
أهمية القيادة الجماعية
واللافــت أن حنــا ميخائيل، كان غيــر راض عــن التبذير المالي فــي الثورة الفلســطينية؛ وكان مــن أوائل المثقفين الفلســطينيين فــي إطار الحركة الوطنيــة، الذين حذروا من تدفــق أموال البترو دولار علــى الثــورة لإفســادها وحرفهــا عــن مســارها للتحرير والانتصار على العدو الصهيوني، لتنتشــر أفكاره بشــكل واسع داخل صفوف فتح، وبدأت تتشكل مجموعات صغيرة تؤكد على مبــادئ إنطلاقة فتح التي تعتبر الكفاح المســلح وحرب الشــعب طويلة الأمد كإســتراتيجية وليس تكتيكاً؛ وتؤكد في ذات الوقت علــى التضامن مــع الشــعوب العربية لا مــع الأنظمة الشــمولية والديكتاتوريــة؛ فضلاً عــن التأكيد على أهميــة القيادة الجماعية في داخل حركة فتح وممارســة النقد الذاتي والتصحيح والتعلم من تجــارب الآخريــن. الأمر الذي يطرح ســؤالاً راهنــاً على كافة الفصائل والقوى والأحزاب الفلســطينية؛ إلــى أي مدى تحققت مقولات المثقف والأكاديمي والفدائي الراحل حنا ميخائيل.
ولتمتــن جبهــة الشــمال اللبنانــي؛ أي فــي طرابلــس وبعــد استشــهاد الحاج حســن، وفــي أوج الحــرب الأهليــة اللبنانية، وبتاريــخ 7//1976، 20أرســلت قيــادة الثــورة الفلســطينية إلى هنــاك عبدالحميد وشــاحي وحنــا إبراهيم ميخائيــل وأبو الوفا )جودت المصري( ضمن تســعة مناضلين مــن بيروت متوجهين إلى طرابلس فــي زورق مطاطي عن طريق البحر؛ إذ كانت القوات الســورية وقوات المردة تســيطر على الطرق، لكــن تلك المجموعة اختفت في عــرض البحر ولم يعرف مصير أحــد منهم، ولَم تكلل الجهــود البحثية بالنجاح للتأكد من مصيرهم الحقيقي، ليعتبروا شهداء الثورة الفلسطينية؛ على الرغم مرور خمسة وأربعين عاماً مــن الاختفاء، وثمة تخمينات من اعتقالهم من قبل قوات الكتائب اللبنانيــة وتصفيتهــم، وهنــاك مــن يقــول إن الجيش الســوري اقتادهم من عرض البحر إلى الســجون في ســوريا، رغم السؤال المتكــرر من قبــل زوجة حنــا إبراهيــم ميخائيل لبعــض زوجات المســؤولين في النظام عن مصير المجموعــة الفدائية التي اختفت فــي الســاحل اللبناني بين بيــروت وطرابلــس، إلا أن النفي كان الرد، وثمة رواية أخرى عن خطف البحرية الإســرائيلية لمجموعة الفدائيين.
بعد ســرد قصة الشــهيد حنــا ميخائيل الفدائــي والأكاديمي والعاشــق لوطنه فلســطين، تحتم الضــرورة اســتكمال روايات وقصــص وتوثيقها حول عاشــقين آخرين قضوا شــهداء لتحيا فلسطين. ٭ كاتب فلسطيني مقيم في هولندا