الرئيس التونسي بعد رفضه إقرار «المحكمة الدستورية»: لن أقبل أبداً بوضع القوانين على المقاس لتصفية الحسابات
النهضة تؤكد تمسّكها بالمشيشي وتشكو انقطاع اتصالاتها بسعيّد
■ تونس ـ الأناضول: قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، الثلاثاء، إنه لن "يقبل أبداً بــأن توضع النصوص القانونية على مقاس الحكام لتصفية الحســابات"، مبرراً بذلك رفضه التعديل البرلماني لقانون المحكمة الدستورية.
جاء ذلك في كلمة ألقاها ســعيد لدى إشــرافه على فعالية لإحيــاء الذكرى الـــ 21 لوفاة الرئيس التونســي الأســبق الحبيب بورقيبة )2000- )1903 .
والســبت، رفض الرئيس المصادقة علــى قانون المحكمة الدســتورية، بعد أيام مــن تعديلات أجراهــا البرلمان على القانون، تشمل تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها من 145 إلى 131 نائباً. وأضاف سعيد في كلمته: "اليوم جاؤوا بهذا المشــروع )تعديلات قانون المحكمة الدستورية( لتعديل قانون وضعوه علــى المقاس )..( ولن أقبــل أبداً بأن توضع النصوص القانونية على مقاس الحكام لتصفية الحسابات".
وأوضح: "من خرق الدســتور لا يمكن أن يجرني معه إلى خرقه وليتحمل مسؤوليته، وهم اليوم خارج الآجال".
وكان الرئيس التونسي شدد في وقت سابق "على ضرورة احترام كل أحكام الدســتور فيما يتعلق بالآجال الدستورية لانتخاب أعضاء المحكمة الدســتورية". وبــرر رده للقانون بالفقرة الخامســة من الفصل 148 بالدستور، التي تنص على اختيار أعضاء المحكمة في أجل أقصاه ســنة بعد الانتخابات التشريعية )أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.)
ولم يتمكــن البرلمان خلال الفترة الماضيــة من انتخاب 3 أعضــاء للمحكمة، بعدمــا اختار واحداً فقط، وذلك بســبب خلافات سياسية تتمثل في تمسك كل كتلة سياسية بمرشحها.
والمحكمة هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014 ، وتضم 12 عضــواً، 4 منهــم ينتخبهم البرلمــان و4 يختارهم "المجلس الأعلى للقضاء" )مؤسسة دســتورية مستقلة(، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.
هاجــم الرئيــس قيس ســعيّد البرلمــان التونســي، متهما الائتــاف الحاكــم بالســعي لتفصيــل قانــون المحكمــة الدســتورية علــى مقاســه، ومحاولــة اســتخدام لتصفيــة الحسابات السياســية، كما دعا لوضع نظام سياسي جديد في البلاد، في وقت دعا فيه رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى الإســراع في تشكيل المحكمة الدســتورية لتعزيز المسار الديمقراطي فــي البلاد، فيما أكدت حركة النهضة تمسّــكها ببقــاء المشيشــي على رأس الحكومة التونســية، واشــتكت -بالمقابــل- مــن محاولة بعــض الأطراف قطــع اتصالاتها بالرئيس سعيد.
وخلال إشــرافه على إحياء الذكــرى 21 لرحيل الزعيم الحبيــب بورقيبة، قــال الرئيس قيس ســعيد إن "التعديل المقترح لمشــروع المحكمة الدســتورية وُضــع على المقاس كاللبــاس كالحــذاء والــرداء، ولــن أقبل أبــدا أن توضع هذه النصوص علــى مقاس الحكام لتصفية الحســابات )...( هــؤلاء جاؤوا اليوم بعد خمس ســنوات من ســبات ونفــاق وشــقاق )لتشــكيل المحكمــة الدســتورية( فهــل ستكون محكمة دســتورية ام محكمة لتصفية الحسابات الدستورية؟ لن ادخل معهم في هذه السجالات والدستور قدم لــي حق الاعتــراض والرد واســتندت للدســتور في اعتراضي".
وأضاف "من خرق الدســتور لا يمكن أن يجرني لخرقه معه. هم لهم حسابات فيها طرح وجمع ويبررون مواقفهم بتبريــرات واهيــة لا تســتحق الذكــر، وهم لم يؤسســوا المحكمــة الدســتورية وكانــوا مدعويــن بنص الدســتور لإرسائها بعد عام من الانتخابات".
وكان ســعيد أعــاد قانــون المحكمــة الدســتورية إلــى البرلمان، لأن آلية المصادقة عليه تخالف أحكام الدســتور، مشــيرا إلــى أنه "لــن يتم القبــول بختــم القانــون إلا بعد تحققنا مــن تغليب أحكام الدســتور"، وهو مــا دفع عددا من السياســيين والخبراء لاتهامه بمحاولة تعطيل إرساء المحكمة الدستورية لدوافع سياسية.
واعتبر ســعيد أن مفهــوم الدولة "مفقــود" في تونس، مضيفــا "خوفي على الدســتور القادم مــن أن تأكله أتان جديدة أو حمار من ســالة الحمار الأول" )في إشارة إلى تصريح سابق له قال فيه إن دستور 2014 أكله الحمار!(، مشــيرا إلــى أن "هنــاك مــن يريد اليــوم تعطيــل دواليب الرئيس التونسي قيس سعيد الدولة، وهنــاك إرادة لضرب الدولة والمجتمع التونســي مــن الداخــل )...( ولــدي مــن الإمكانيــات والوســائل القانونية الكثيــر للتصدي لمن يريد تعطيل ســير دواليب الدولة".و قال ســعيد إن التونسيين انتفضوا ضد ضرب كرامتهم، لكنهم اليوم يزدادون فقرا وبؤســا فيما يزداد الآخرون ثراء، مضيفا "الأمــوال موجودة ولو كان هناك انتخابــات لرأيتم كيف توزع الأمــوال بالمليارات، وهناك -للأسف - من يوظف هذه المليارات ولو بالعملة الصعبة في الخفاء".
وأضاف "الشــعب التونسي قام بانفجار غير مسبوق في التاريــخ لأنه ملّ الفقر وكل أنواع التهميش والإقصاء ومن حقه أن يشارك في الحكم وأن يضع نظاما سياسيا
جديدا يمكنه من الآليات القانونية التي تحقق مطالبه".
فيما دعا رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى الإسراع في تشــكيل المحكمة الدســتورية معتبرا أنها "اســتكمال للبنــاء الديمقراطــي والمؤسســاتي فــي تونــس"، مطالبا بتركيــز جميع المؤسســات الدســتورية الكفيلــة بضمان مسار ديمقراطي متماسك.
وقــال فتحي العيّــادي الناطق باســم حركــة النهضة إن لرئيــس قيس ســعيّد متمســك بإقالة حكومة هشــام المشيشــي قبل الحوار الوطني، مشــيرا إلى أن النهضة ' ما تزال متمسكة بالمشيشي على رأس الحكومة'.
كمــا أكد انفتاح النهضة على مشــاركة جميع الأطراف السياســية في الحوار الوطني المقبــل، مضيفا "نحن ضد الإقصــاء. إذا كان الحــزب الدســتوري الحــر مســتعدا للمشــاركة في الحوار فنحن لن نقصي أحدا. لا نملك فيتو' على أي قوة سياسية'.
كما اشــتكى – مــن جهة أخــرى – من وجــود أطراف تحــاول قطــع الاتصالات بــن الحركــة والرئيــس قيس ســعيد، وأوشــح بقوله "كان هناك اتصالات كثيرة معه، لكن ثمة أشــخاص يغلقون الأبواب ويقطعون الاتصالات معه'.
و أكد الخبير الدســتوري أمين محفوظ أن الإشكال في إرســاء المحكمة الدســتورية قانوني بالأســاس، وسببه التجاذبات السياســية ورغبة الأحزاب في السيطرة على المحكمة الدســتورية، معتبرا أن القانــون الحالي الخاص بإرســاء المحكمــة الدســتورية "يمثل انحرافــا خطيرا في مسار البناء الديمقراطي".
ودعا محفــوظ إلى إعــادة النظر فــي القانون الخاص بالمحكمة وخاصة في ما يتعلق باختصاصات المرشحين، مشيرا إلى أن البرلمان عمد إلى إدخال تغييرات كبيرة على مسودة مشــروع قانون المحكمة الدستورية الذي صاغته لجنة خبراء كان يترأســها "ما جعل المحكمة الدســتورية تخرج في شــكل مشــيخة دســتورية تقطــع الطريق على تونس للانتقال إلى دولة قانون على غرار ألمانيا والنمسا وغيرها من الدولة التي تعلي شأن القانون".
فيمــا اعتبــر الخبيــر الدســتوري صــادق بلعيــد أن لجــوء البرلمان لاســتكمال انتخاب بقية أعضــاء المحكمة الدســتورية، "يعد تصعيدا للأمور مــع رئيس الجمهورية بعد رده مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الدستورية"، مشــيرا إل أن "رد الرئيــس لمشــروع القانــون يتضمــن ايحــاءات بأنه قد لا يقبل بأعضاء المحكمة الدســتورية ما يعمق الأزمة التي تمر بها البلاد. والظروف الحالية للبلاد غير ملائمة لارســاء المحكمة الدستورية مهما كانت نزاهة أعضائها".
فيما اعتبر القاضي الســابق أحمــد الصواب أن رفض الرئيس ســعيد ختــم قانون المحكمــة الدســتورية "ينفي شرعية رئاسته للجمهورية طالما أن معاينة الشغور لم تتم عن طريق هذه المحكمة"، معبرا عن استغرابه من أن "سعيد وصل إلى سدة الرئاسة عن طريق الاستحالة الدستورية واليوم يرفض الانضباط لضوابطها ومحدداتها".