Al-Quds Al-Arabi

الإدارة الأمريكية تتجه لإعادة بلورة استراتيجية جديدة في ليبيا

تختلف عن تلك التي تبناها ترامب والتي اعتمدت لغة غامضة وملتبسة تجاه طموحات حفتر لحكم البلاد

-

■ إســطنبول - الأناضــول: تتجه الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، لإعادة بلورة اســتراتيج­ية جديدة في ليبيا، تختلف عن تلك التي تبناها الرئيس الســابق دونالد ترامب، والتي اعتمدت لغة غامضة وملتبسة تجاه طموحات اللــواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لحكم البلاد.

وعلــى عكــس ترامــب )2017-2021(، لا تبــدو إدارة بايدن متســاهلة مــع التجاوزات التي ارتكبتها مليشيات حفتر، بحسب تقرير الخارجيــة الأمريكية حول حقوق الإنســان لعام 2020، الذي صدر الثلاثاء الماضي.

إذ يتهــم التقرير مليشــيات حفتر بالتورط فــي عمليــات قتــل تعســفي وغير مشــروع وإخفــاء قســري وتعذيــب، وتجنيــد أطفال واستخدامهم في الصراع.

ويتحــدث التقريــر عن اســتيلاء جماعات متحالفة مع حفتر على مدينة سرت )وسط( وتعــرض العديــد مــن المدنيــن للاختطــاف والاحتجاز بســبب "ولائهم" لحكومة الوفاق الوطني، وكذلــك جرائم مليشــيا الكاني في مدينة ترهونة )غرب(.

ويعتبر هــذا التقرير مؤشــرا علــى طبيعة تحرك واشــنطن خلال المرحلــة المقبلة تجاه مليشــيات حفتر، في ظل انتشــار الاغتيالات والاختطافـ­ـات خاصــة فــي مدينــة بنغازي )شــرق(، التــي يــكاد يخرج الوضــع الأمني فيها عن السيطرة.

حيــث التــزم وزيــر الخارجيــة الأمريكي أنتونــي بلينكــن، خــال عرضــه للتقريــر، باســتخدام عبارة "كل أدوات دبلوماســي­تنا للدفاع عن حقوق الإنســان ومحاسبة الذين يرتكبون الانتهاكات".

*هل تلجأ واشنطن لخيار العقوبات؟

وسبق لمستشــار الأمن القومي الأمريكي جيــك ســوليفان، أن أصــدر بيانــا فــي 12 مــارس/آذار المنصرم، أكد فيــه العمل "على تعزيــز المســاءلة لأي طــرف يســعى إلــى تقويــض خارطة الطريــق الانتخابيـ­ـة التي وضعها الليبيون".

وهــذه رســالة موجهة بشــكل رئيســي لحفتــر، الــذي أجهــض محاولات ســابقة لإجــراء انتخابــات فــي 10 كانــون الأول/ ديســمبر 2018، كمــا نــص عليهــا اتفــاق

باريــس، وأيضــا انتخابــات ربيــع 2019، حسب اتفاق باليرمو )إيطاليا(، بين أطراف الصراع.

لكن حفتــر اختار ربيــع 2019، موعدا لبدء هجومــه الكبيــر علــى طرابلــس بــدل إجراء الانتخابات، خاصة بعد المكالمة الشهيرة التي أجراهــا مــع إدارة ترامب، واعتبــرت "ضوءا برتقاليــا" لمواصلــة القتال، الذي اســتمر 14 شــهرا، وخلــف آلاف القتلــى والجرحــى، وجلــب معــه الخــراب والمئــات مــن مرتزقة "فاغنر" الروس.

ويمثــل 24 كانون الأول/ ديســمبر 2021، موعــد جديــد لإجــراء انتخابــات رئاســية وبرلمانيــ­ة اتفــق عليه أطــراف النــزاع خلال اجتماعهــم فــي تونــس، تشــرين الثانــي/ نوفمبر الماضي.

وتراهــن الولايات المتحــدة والأمم المتحدة علــى إجــراء انتخابات ليبيــة ذات مصداقية وتوفير الخدمــات العامة الأساســية لإنهاء النــزاع من خــال عملية سياســية شــاملة، بحســب بلينكن، الذي أجــرى اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة.

يشــكل انتشــار نحــو ألفــن مــن مرتزقة "فاغنر" في ليبيا، مصــدر قلق كبير للولايات المتحــدة، خاصــة فــي ظــل معلومــات حول مساعي موسكو لإقامة تواجد عسكري دائم في البــاد، ما يمثل أكبر تهديد لمصالح حلف شمال الأطلسي )الناتو( جنوب المتوسط.

إذ يواصل مرتزقــة "فاغنر" حفر الخنادق وتحصــن مواقعهم، بحســب تقارير لقوات عمليــة "بــركان الغضــب" التابعــة للجيــش الليبــي، ما يؤشــر علــى أن انســحابهم قد لا يكون قريبا.

لذلــك تســعى واشــنطن لتنشــيط دور حلفائهــا الأوروبيــ­ن مــن أجل وضــع ليبيا علــى جدول أولوياتهم، في مواجهة أي تمدد روسي بالمنطقة.

وفي هذا الســياق جاءت مشاركة بلينكن فــي اجتمــاع وزراء خارجيــة الناتــو، في 23 مارس، ببروكســل، لبحث عــدة ملفات بينها التحديات التي تمثلها روسيا في ليبيا.

بعــد يومين مــن هــذا الاجتمــاع زار وزراء خارجية فرنســا وألمانيا وإيطاليا، العاصمة طرابلــس، للتعبيــر علــى أن أوروبــا موحدة بموقفها تجــاه الوضع فــي ليبيــا، والتأكيد على مساندتها لحكومة الوحدة الوطنية.

وهذا الموقــف الأمريكــي الأوروبي الداعم لحكومــة الوحــدة، يعزز تآكل الثقــة الدولية في حفتر، الذي يتحمل المســؤولي­ة الرئيسية في استجلاب المرتزقة الروس إلى ليبيا.

* خيارات دبلوماسية واقتصادية

تســتبعد عــدة أوســاط أمريكيــة متابعة للملــف الليبــي لجــوء الولايات المتحــدة إلى القوة لإخراج مرتزقة "فاغنر" من ليبيا.

فالتدخــل العســكري الأمريكي فــي ليبيا عــام 2011، كان مــن نتائجه تثبيــت المرتزقة الروس أرجلهــم في قاعدتين جويتين في كل من ســرت والجفرة )وســط(، وهــذا آخر ما كان يتوقعه صانع القرار الأمريكي قبل عشر سنوات.

لذلك من المتوقع أن تُفعّل واشنطن أدواتها الدبلوماسـ­ـية والاقتصادي­ــة للضغــط علــى موســكو لإخراج مرتزقتها مــن ليبيا، وأيضا قــد يطال هذا الضغــط حلفاءها فــي المنطقة الذين ســهلوا من تواجــد "فاغنر" في الجناح الجنوبي لحلف الناتو.

إذ يمكــن اعتبــار أن تجميــد إدارة بايــدن لصفقة بيع طائــرات "إف35" للإمارات جزء مــن الضغط الأمريكــي على أبوظبــي لوقف تنسيقها العسكري مع روسيا في ليبيا.

لكــن بايــدن يواجــه انقســاما فــي رؤيــة الحزبــن ـ الديمقراطـ­ـي ـ والجمهــور­ي بالكونغرس تجاه الحل في ليبيا.

فبينمــا صــادق مجلس النــواب الأمريكي علــى "قانــون دعــم الاســتقرا­ر فــي ليبيــا"، فــي نوفمبر الماضي، مــا زال القانــون معلقا على مســتوى مجلــس الشــيوخ ذي الغالبية الجمهورية.

لكــن هذا الانقســام لم يمنع واشــنطن من إدراج مليشــيا الكانيــات، التابعة لمليشــيات حفتر، على قائمة العقوبات، في نفس الشهر.

وينص "قانون دعم الاســتقرا­ر في ليبيا"، على إعداد قائمة بأســماء المخترقين للقانون الدولي ولحقوق الإنســان في ليبيا، وفرض عقوبــات ضــد من ارتكبــوا جرائــم حرب أو جرائــم مالية. فخلال الأشــهر الثلاثة الأولى من ولايــة بايدن، تبــدي واشــنطن انخراطا أكثر في الملف الليبي، لاســتعادة المبادرة من أطراف دولية على رأسها روسيا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom