Al-Quds Al-Arabi

«الكاليس» في تونس: حرفة يكاد يطويها النسيان

-

■ صفاقس )تونــس( ـ الأناضــول: رغم صعوبة صناعــة «الكاليــس» (العربــة المجــرورة بالخيول( وقســاوة ظروف العمل في هذا المجال، لا زال التونسي محمد الشــرفي، أو»ملك صناعة الكاليس» كما يسميه أهالي صفاقس، محافظا على حرفة صناعة الأجداد.

في ورشــة صغيرة تقليدية تقع على أطراف مدينة صفاقس جنوبي تونس، استطاع الخمسيني الشرفي بتفانٍ تطويع الحديد وصهره بالنــار وتقطيع ألواح، للحصول علــى عربات وبيعها لزبائن يســتخدمون­ها إما لنقل البضائع والأشــخاص والمنتجات الفلاحية أو كوسيلة نقل تروق للسياح.

ولا تــزال ذكريــات عقــود خلت عالقة فــي مخيلة الحرفي التونســي، عندمــا كانت محافظــة صفاقس تعج بالعشــرات من محترفي صناعة هذا الصنف من العربات، حين كانوا يشــكلون خلية نشاط ويتفننون في صناعة المجرورات بمختلف ألوانها وأشكالها.

ويعد الشرفي أحد القلائل الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة التي تكاد تندثر، بعد أن توفي أغلب العاملين فيها مع ما حفظته أناملهم من حرفة جميلة نادرة.

ويعود أصل كلمــة «كاليس» إلى اللغة الإســباني­ة «كاليــزا» وقد دخــل «الكاليس» مــع الأندلس للبلاد التونسية )ســنة 1906( وراج بكثرة في صفاقــس صناعة واســتعمال­ا باعتباره وسيلة النقل الوحيدة آنذاك.

صناعة تتطلب الدّقة

احتفــظ الشــرفي، بطــرق النقــل التقليدي التي كانت متداولة في محافظة صفاقــس خــال خمســينيات القــرن الماضــي، فاقتبس المشــاهد والروايات وحافظ على صناعة الأجداد للمجرورات بالخيول، رغم تقلص نسبة مستعمليها.

وتختلف مسميات وأشكال المجرورات حســب المهمة التي صنعت لأجلها، فمنها ما يسميه التونسيون بلهجتهم العامية «الكريطة الكبيرة» التي تســتعمل لنقل البضائــع الثقيلــة، ومنهــا «الكاليس» الــذي غالبا ما نجده حاضــرا في أغلب المنازل كوسيلة أساســية للنقل، وكذلك «الجرادن» وهــي بمثابة مجرورة تحمل إسطوانة صغرى تستعمل لجلب المياه.

وبحسب الشرفي، فإن مراحل تصنيع المجــرورا­ت تتطلب تفاعل مختلف الحــرف فيما بينها كالنجارة، والحدادة، كمــا تتطلب خبرة ودراية هامة حتى تستقيم مراحلها، والتي تأخذ من الحرفيين حيزا كبيرا مــن الوقت والجهد، حيث تتطلــب صناعتها من أسبوع إلى أسبوعين.

ومن أهم هذه المراحل، تقطيع الخشــب بعد أن يتم قياســه ومن ثم ثقبه بطريقة دقيقــة حتى يتوافق مع طول وهيكل المجرورة المقترح إنجازها، وفقا للحرفي.

ولفت إلى أن بعد ذلــك تأتي مرحلة تحضير الحديد يدويا، وهــي أن يقوم الحرفي بتدويــره والتحكم في أشــكاله واتجاهاته بواسطة التســخين بالنار تحت درجة عالية، ســرعان ما تغير لونه إلى الأحمر القاتم، ثم وضعه بين المطرقة والســندان للتحكم في أشــكاله ومقاساته ورسم زواياه.

تأتي إثرها مرحلة التركيب، وهي أن يثبت الخشب بالحديد من خلال الجمع بــن الثقوب التي في كلاهما بواســطة المســامير والبراغي الحديدية السميكة ثم وضع الكرسي وتثبيته جيدا على الحديد.

إضافة إلــى تثبيت العجــات المطاطية بالنســبة للمجرورة التــي تحمــل البضائع الثقيلة كالمســماة «الكريطة الكبــرى والجردينة» أما العجلات الحديدية فهي مخصصة «للكاليس» لكونه لا يحمل سوى الركاب والأشياء الخفيفة. لينتقل الحرفي إلى مرحلة الطلاء، وهي أن تزخرف المجــرورة بالألوان من أجل المحافظة على سلامتها وجمالها حتى تضفي رونقا وطابعا مميزا وجذاب.

حرفة تحتضر

ويستعمل «الكاليس» اليوم للتجول أو لحمل المتاع خلال الفســحة فــي الأراضي الفلاحيــة أو للأغراض الســياحية، حيث لم يعد مــن الضروريــا­ت بحلول السيارات والدراجات النارية.

ويتراوح ســعر المجرورة بــن 2 و15 ألــف دينار تونســي )بــن 730 دولارا و5.5 آلاف دولار( ويتغير الســعر حســب حجمهــا ومميزاتهــ­ا واستعمالات­ها.

ويخشــى الشــرفي على هذه الحرفة من الاندثار، إذ أن الشــباب لم يعد يقبل البتــة على توارثها، ممــا دفعه إلى تلقين ابنــه خريــج المعهــد العالــي للرياضة أصول الحرفــة وتفاصيلهــ­ا، وحثه على عــدم تركهــا، للحفــاظ على اســتمرار حرفة الأجداد. ويعد أبرز مشــكلات هذه االعربات، أن عدد المقبلين على شرائها في تقلص، مقابل ارتفاع كلفتها وأسعار المواد الأولية المكونة لها.

إضافة إلى أن السلطات المعنية لا تبدي أي نوع من الاهتمام بمثل هؤلاء الحرفيين، لذلك عزف عنها الشــباب ممــا يعني أنها في مســار الاندثار، وفق الشــرفي. وتعد صناعــة العربــات المجــرورة بالخيول أحد أبــرز الصناعــات التقليدية اليدوية الكثيــرة، التــي تواجه خطــر الاندثار والتلاشي، اذا لم تقابلها وقفة حازمة من الســلطات المعنية، فبناء المستقبل يبقى رهين المحافظة على التاريخ.

 ??  ?? الخمسيني الشرفي في ورشة عمله
الخمسيني الشرفي في ورشة عمله
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom