Al-Quds Al-Arabi

بعد عقد على الحرب السورية: إسرائيل توصي بتحول في النهج وإزاحة الأسد مقابل تحرك دولي للإعمار

- أودي ديكل وكارميت بلنسي

■ في ختام عقد على نشوب الحرب الأهلية في سوريا، واضح أنها، مثلما كانت بين 1963 – 2011، لم تعد كما كانت؛ فالعصيان المدني الذي قُمع بوحشية من نظام ديكتاتوري مســنود عســكرياً ودبلوماسياً من روســيا وإيران، ترك ســوريا منقسمة إلى مناطق نفوذ وســيطرة بإسناد دول أجنية. هذا الواقع يفرغ من مضمونه الشــعار الذي يطلق كثيراً من جانب محافل ســورية وبعض من الدول الغربية عن «الحفاظ على وحدة وســامة الدولة السورية. يبدو أن الدولة السورية ســتبقى منقسمة ومفككة في المستقبل المنظور.

«خريطة السيطرة»: ســوريا منقسمة واقعياً إلى عدة جيوب: بشار الأسد، بمساعدة عسكرية من روسيا وإيران وفروعها، يســيطر ظاهراً على ثلثي الدولة، ولا سيما على العمود الفقري الذي يربط بين المدن الكبرى حلب وحمص ودمشق، وبقدر أقل في الجنوب. أما منطقة إدلب في شمال غربي ســوريا، فهي جيب للثوار برعاية تركيا، فعلى طول الحدود الســورية التركية مناطق تحت ســيطرة تركية. ومعظم المناطق في الشمال الشرقي من الدولة، التي تضم معظم المقدرات الطبيعية، تخضع لســيطرة كردية برعاية الولايات المتحدة. وفي وســط وشرق سوريا تعمل خلايا لـ»داعش». السيطرة على الحدود السورية تشهد سيادة منقوصة: 1. الجيش السوري، التابع لنظام الأسد، سيطر على نحو 15 في المئة من الحدود البرية الدولية؛ 2. حدود ســوريا – لبنان تحت سيطرة حزب الله؛ 3. حدود العراق – سوريا تحت سيطرة ميليشيات شيعية – فروع إيرانية – على جانبيها.

حدود سوريا : تركيا تحت سيطرة جملة من الجهات ليس نظام الأسد وسيدته إيران بينها

الوضع الإنســاني: في العقد من الحرب فقد نحو نصف مليون شــخص حياتهم )في مرحلة معينة توقفت محافل الأمم المتحدة إحصاء الضحايا(؛ نحو 12 مليون شــخص فقدوا بيوتهم وهم اليوم إما لاجئــون أو نازحون، 90 في المئة من السكان يعيشــون تحت خط الفقر. يسيطر الأسد على نحو 12 مليون نســمة من السكان الذي يقدر عددهم بـ 17 مليون. والدولة على شفا أزمة مجاعة بينما يتعاظم النقص في المواد الأساسية لا ســيما الخبز والوقود. يقدر بأن نحو 11 مليون من الســكان يحتاجون إلى مســاعدة إنسانية.

البنى التحتيــة: أكثر من ثلث البنى التحتية في الدولة دمرت أو تضررت بشدة. هاجم النظام وحلفاؤه – روسيا وإيران – مراكز المدن في حربه ضد المعارضة المسلحة، بما في ذلك في ظل اســتخدام الســاح الكيميائي والبراميل المتفجرة كجزء من اســتراتيج­ية التدمير لتصفية المناطق التي يســيطر عليها الثوار. وتقدر كلفة إعادة بناء سوريا بنحــو 250 – 350 مليــار دولار، ولا توجد في هذه المرحلة جهة قادرة أو معنية بتمويل إعادة البناء.

المكانة الإقليمية والدولية: يقاطع الغرب نظام الأســد ويلوح أن إدارة بايدن تواصل السياسة الأمريكية الحازمة تجاه الأســد، باتخاذ عقوبات ضده وضد محيطه، وعدم الاعتراف به زعيماً شــرعياً أو بنتائج انتخابات الرئاسة التي ســتجرى في نيســان – أيار، وذلك طالما لا تلوح في الأفق إصلاحات سياســية وبداية اســتقرار وإعادة بناء سوريا وفقاً «لخريطة الطرق» التي وضعتها الأمم المتحدة – مشروع 2245. للأسد عدد قليل من الأصدقاء في الشرق الأوسط، رغم أن عدد الدول التي طبعت علاقاتها معه مثل عُمان والبحريــن والإمارات بل ومصر والأردن، ســلموا ببقائــه في الحكم، وهم يدعون مؤخــراً إلى التخفيف من العقوبات على الشعب الســوري. ومع ذلك، بقيت سوريا خارج الجامعة العربية. روسيا، التي تعترف بأنه مطلوب إصلاح ســلطوي واقتصادي في سوريا كي يعترف العالم بالنظــام فيها كصاحب الســيادة الشــرعي، لا تنجح في تحقيق تسوية سياسية. من ناحيتها، يعدّ الثمن السياسي لإنهاء حكم الأسد جســيماً؛ لأنها لا تشخص جهة مستقرة يمكنها أن تحل محله. على هذه الخلفية، تحاول موســكو تسويق نظام الأســد الإجرامي كنظام شرعي في أوساط الأسرة الدولية.

لماذا ينبغي لنهج «الشيطان المعروف» أن يتغير؟

منذ بدأ التدخل الروســي في حرب ســوريا، في أواخر 2015، سلمت إسرائيل اســتمرار حكم نظام الأسد بمثابة تفضيل «الشيطان المعروف». وباســتثنا­ء جهد متواصل للتشــويش على بناء «آلة الحرب» الإيرانية في الأراضي السورية، اختارت إســرائيل الجلوس على الجدار وعدم المشــاركة في الصراع بين الجهات الســورية المتخاصمة. ولكن صــورة الوضع الحالية تســتوجب إعــادة تقويم السياسة الإسرائيلي­ة، وأساساً الفهم بأن النهج الذي وجه سياسة عدم التدخل فقد مفعوله للأسباب التالية:

أولاً، بشار الأسد هو الذي منح إيران الفرصة لتوسيع نفوذها في سوريا والتموضع في مســتويات مختلفة في الدولة على مــدى الزمن، وهكذا خلق لإســرائيل­ي تحدياً أمنيــاً عظيم المعنى على حدودها الشــمالة. دعمت طهران الأسد ولا سيما من خلال حزب الله، وكيلها اللبناني، وكذا ميليشيات قتالية جندت من الســكان الشيعة في العراق وأفغانستان وباكســتان. في الســنتين الأخيرتين، تركز إيران على تجنيد مقاتلين ســوريين ودمجهم بميليشيات الدفاع المحلية، تدربهم وتســلحهم؛ وتعمق إيران نفوذها في الجيش السوري من خلال تأهيل قادة كبار والمساعدة في بناء القوة العســكرية؛ يســيطر حزب الله على طول حدود ســوريا ولبنان ويشــكل خلايا إرهــاب في هضبة الجــولان؛ تهيئ إيــران قواعد لفيلق القــدس من الحرب الثوري الإيراني في شمالي ســوريا، مما يسمح بانتشار

ســريع للقوات ووســائل إطلاق الصواريــخ والطائرات المســيرة الهجوميــة نحو إســرائيل عند الطــوارئ. أما الهجمات الجوية الإســرائي­لية فلا تمنع التموضع والنفوذ الإيراني المتعاظم في ســوريا وإن كانت تشــوش بعض الشــيء المخططــات الإيرانيــ­ة لخلق جبهــة هجوم ضد إســرائيل في أراضي الدولة. طالما كان الأسد في الحكم – فإن التحدي الأمني أمام إسرائيل بهذا المعنى سيتعاظم.

ثانياً، لا يوجد توقع لحل سياســي للأزمة في ســوريا طالما كان الأســد في الحكم. وقســم مهم من سكان الدولة لا يعترفون به كحاكم شــرعي. وتبدو شرارات الاحتجاج الآن حتى في أوســاط الطائفة العلوية التي لم يتجاوزها العوز والجوع. من هنا فإن بقاء الأســد سيضمن لسنوات أخرى انعدام الاستقرار، وسيعمق تلك الظروف التي أدت إلى نشــوب الحرب منذ البداية. وإصرار الأسد على عدم إجراء إصلاحيات سلطوية أو أي تنازل سياسي هو عائق في وجه كل محاولة تحقيق تسوية بوساطة الأمم المتحدة أو بقيادة روســيا. فما بالك أن الولايات المتحدة تمتنع عن المطالبة الصريحة بـــ «تغيير النظام»، ومطالبها تدل على أنها تســعى إلى هنــاك. تواصل إدارة بايــدن خط نظام ترامب وتمنع كل مســاعدة اقتصادية لإعادة بناء سوريا بغياب تنازلات سياســية وعودة إلى مسار الأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإن بقاء الأســد في الحكم يضمن ألا يعود معظم اللاجئين إلى ســوريا خوفاً من الاعتقال أو التجنيد القسري إلى صفوف قوات النظام. إضافة إلى التخوف من العودة إلى الدولة التي سلبت فيها ممتلكاتهم، مع اقتصاد مدمر وغياب أفق تشغيلي.

ثالثاً، بقدر ما يدور الحديث عن نظام الأسد، فإن حجة وجود «عنوان مسؤول» يمكن أن تتبع تجاهه قواعد لعب فقدت من قيمتها، والدليل هو أن الأســد لا يســيطر بشكل فاعل حتى في المناطق التي ســيطر عليها عسكرياً. جنوب ســوريا حالة اختبار واضحة لذلك: مع عودة الســيطرة إلى قوات النظام في صيــف 2018، أصبحت المنطقة مجالاً للفوضى في خليط من الفصائل المســلحة المقاتلة دون أن ينجح النظام في لجمهــا - بينها جهات معارضة، وجهات تخضــع للنفوذ الإيراني أو الروســي، وكذا جهات محلية تتمتع بقدر من الاستقلالي­ة في علاقاتها مع النظام المركزي.

وأخيراً، فضلاً عن تقويمات الوضع الاستراتيج­ية، فإن الاعتبــار الأخلاقي يجب أن يؤخذ بالحســبان من جانب أصحاب القرار في إسرائيل والأســرة الدولية. الاعتراف الدولــي بزعيم ارتكب جرائم حرب على مدى الســنين ولا يــزال يواصل التنكيــل بالمواطنين – بعــض من الحالات لم ينكشــف للعالــم إلا مؤخراً – هو ليــس أقل من وصمة عار أخلاقية على جبين من يســعون إلى قبوله في حضن المنظومة الإقليمية والدولية.

التوصيات

ثــاث فرضيات لإســرائيل تبــددت: الأولــى أن جهد الهجمات سيمنع التموضع الإيراني العسكري في سوريا؛ والثانية أن روســيا ســتبذل جهداً لدحر الفروع الإيرانية عن ســوريا وتقليص نفوذ طهران في الدولة؛ والثالثة أنه

من الأفضل حكم مركزي، حتى تحت قيادة الأسد، في دولة موحدة، على كثرة العناوين. يجمُل بإســرائيل أن تعترف بأن سوريا ستبقى منقسمة ومتنازعة، وأن الأسد طالما بقي في الحكم فلن يكون ممكناً دحر إيران وفروعها من أراضي الدولة. وبالتالي، عليها أن تشــجع مبادرة واسعة لإزاحة الأسد عن الحكم مقابل المساهمة الدولية ومن دول الخليج العربي لإعادة بناء سوريا.

إلى أن تستقر سوريا من جديد، على إسرائيل أن تأخذ مخاطر في المدى الزمنــي القصير كي تمنع إيران وفروعها من السيطرة على سوريا، وذلك من خلال زيادة دورها في ثلاثة مجالات استراتيجية حيوية لها:

1. جنوب ســوريا – لمنع إيران من إقامة حدود إرهاب واحتكاك عال في هضبة الجــولان من خلال فروعها، على إسرائيل أن تستغل ضعف نظام الأســد ومنافسة النفوذ بين إيران وروسيا كفرصة لاتخاذ سياسة فاعلة في المجال: ضرب الفــروع الإيرانيــ­ة، بما في ذلك قــوات حزب الله، وبالتوازي تعزيز القوات المحلية سواء السنية أم الدرزية، وإقامة علاقات مع الســكان المحليين المعارضين للنظام في ظل منح مســاعدة إنسانية تســاهم في خلق «جزر نفوذ إســرائيلي­ة» وهكذا تشوش مخطط التموضع الإيراني في المنطقة.

2. في شــمال شرق سوريا – مع التشــديد على منطقة الحدود العراقية الســورية، على إســرائيل أن تســتعد لســيناريو إخلاء قوات الولايات المتحــدة. إيران جاهزة للســيطرة على الفراغ الذي سينشأ لتثبيت الجسر البري من العراق إلى ســوريا ولبنان. نوصي إسرائيل بتطوير قنوات تعــاون، في الظل، مــع القوات الكرديــة ومنحها مساعدة عسكرية واقتصادية، وإلى جانب ذلك بناء منصة لنشــاط عملياتي متواصل في هذه المنطقة لمنع الســيطرة الإيرانيــ­ة على هذا الإقليم الاســترات­يجي الغني بمقدرات الطاقة والزراعة.

3. الحــدود الســورية – اللبنانية. الــرد المتبادل بين حزب الله وإســرائيل اتســع إلى الأراضي السورية إلى المنطقــة المحيطــة بالحــدود الســورية – اللبنانية. هذه المنطقة الواقعة تحت ســيطرة حزب الله تسمح للمنظمة بنقل الوســائل القتالية إلى لبنــان وإقامة صناعة تهريب حيوية لها، بل ونشر وســائل قتالية، توجه ضد إسرائيل في يوم الأمر. إن ســيطرة حزب الله على الحدود السائبة بين سوريا ولبنان تعبر عن ضعف استراتيجي لإسرائيل ســمحت بتعاظم المنظمة بعد حرب لبنان الثانية وتشكل رافعة نفوذ سياسي عسكري اقتصادي واجتماعي لحزب الله في ســوريا. نوصي بأن تصعد إســرائيل نشــاطها العملياتي في المنطقة في إطــار «المعركة ما بين الحروب». وإلى جانب ذلك، أن تشــجع تدخلاً دولياً لإغلاق الحدود بين سوريا ولبنان على أساس التقدير بأنها خطوة حيوية لإعادة بناء لبنــان مثلما لإضعاف الجهــات المتطرفة في المنطقة كلها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom