في الحرب الباردة بين أمريكا والمعسكر الصيني الروسي: أين ستقف إسرائيل؟
■ قبــل نحــو ثلاثين ســنة انتهــت الحرب البــاردة التي اســتمرت 45 ســنة بــن العالم الديمقراطي بقيادة الولايات المتحدة، والعالم الشــيوعي برئاســة الاتحــاد الســوفياتي. واليــوم، نقف أمام حرب بــاردة جديدة؛ فمن جهة تقف الولايات المتحدة، وإن كان برئاسة تحالــف أقــل تراصــاً من قبــل، ومــن الجهة الأخــرى الصــن وروســيا. وخلفيــة نهايــة المعركة إياها كانت تفكك الاتحاد السوفياتي وذوبــان الأيديولوجيــا الشــيوعية بعامــة، مســيرة أعلن عنها خبيــر العلوم السياســية الأمريكــي فرنســيس فوكويامــا كالانتصار النهائــي للديمقراطية الليبراليــة، التي -على حد قوله- ستكون في المستقبل شكل الحكم الوحيد ولــن تتمكــن أي أيديولوجيــا أخرى مــن تحديها. وقــد وصف هــذا بأنــه «نهاية التاريخ». لو كان في ســجل الأرقام القياسية غينــس فصل عن النبــوءات الكاذبة، لاحتلت نبــوءة فوكوياما مكان الشــرف. ففي حينه، اختلفتُ معه وادعيت بأن الإســام المنتشــر، ســواء كان الســني لـ»داعش» و»القاعدة» أم الشــيعي لإيران، يشكل تهديداً لا يقل خطورة علــى النظــام الليبرالي عن الشــيوعية، ولكن المواجهــة العلنيــة الأكثــر معنى ســتكون في الســنوات القادمة مــع الصــن، التي تحدت بالفعــل، أيديولوجيــاً وعمليــاً، الديمقراطية الغربيــة. في هــذه اللحظــة تتركــز المواجهة علــى الاقتصــاد والتكنولوجيــا، ولكــن لا تعوزهــا علائــم عســكرية. فبينمــا يطالــب اليســار في الولايات المتحدة تقليص ميزانية الدفاع، تزيد الصين بوتيرة ســريعة تعاظمها العســكري. فــي الحــرب البــاردة الســابقة، عملــت الأيديولوجيــا الاشــتراكية وفشــلها الاقتصادي في صالــح أمريكا وحلفائها. أما في الواقع الراهــن، وبفضل نجاحات الصين في المجــال الاقتصــادي، فثمــة عاطفون في الغرب يفضلون إغماض عيونهم عن طبيعتها الطاغيــة، والمــس بحقوق الإنســان وجوانب أخرى أقل جذباً.
يبــدو أن إدارة بايــدن بخــاف الرئيــس ترامــب، توصلــت إلــى الاســتنتاج الصحيح بأنها ليســت مجــرد منافســة اقتصادية، بل إن أمريــكا والعالــم الحر يقفان أمــام معركة
صينيــة شــاملة لفــرض نظــام عالمــي جديد بقيادتهــا. وأعلــن الرئيــس بايــدن عــن نيته تأسيس «حلف الديمقراطيات»، وبعد بضعة أيــام، ردت بكــن وموســكو ببيان مشــترك ضــد العقوبــات و «التدخــل الأمريكــي فــي شــؤونهما». وكانت الخطــوة التالية للصين توقيــع اتفاق اقتصادي شــامل ذي تداعيات عســكرية محتملة مــع إيــران، جعلهــا عملياً جزءاً من التجمع الصيني الروسي، ناهيك عن أن أمريــكا وأوروبا تفضلان تجاهل ذلك. تجتهد الصين لتعزيز علاقاتها الدبلوماســية والاقتصاديــة مــع دول لا تعــد جــزءاً مــن شــركائها الطبيعيين، بما في ذلك إســرائيل، ممــا يفتــرض بهــم -رغــم مصالحهــم فــي العلاقــات الاقتصادية مــع الصين- الحرص على ألا تتضرر علاقاتهم الحيوية مع أمريكا.
لا تــزال المعركــة فــي بدايتها. وكمــا يفيد التاريــخ، حتــى لو تلبثــت أمريــكا أحياناً في صحوتهــا، فقد تكون يدها فــي نهاية المطاف هــي العليــا، فمــا بالــك أن لا يجــب تجاهــل التناقضــات الداخليــة التــي فــي الطريقــة الصينيــة بين نظــام الطاغيــة ومحاولة إدارة اقتصاد رأسمالي.
وأين إســرائيل من كل هــذا؟ كان الوضع واضحــاً فــي الحــرب البــاردة التاريخيــة:
فإســرائيل حســب قيمها ومصالحها، كانت جزءاً مــن المعســكر الأمريكــي، وإذا كان في اليســار محافــل، وأســاف «ميرتــس» ممن شــككوا بهــذا الموقــف، فــإن بــن غوريــون، وايســار هرئيل رئيس أجهــزة الأمن، وضعا فــي هذا حــداً وبســرعة. إســرائيل اليوم في المعسكر الأمريكي دون شــك، رغم الخلافات فــي مواضيــع معينــة، مثــل إيران والمســألة الفلســطينية. ولكن هناك بعض الفروق: ففي حينه، بينما كانت روســيا والعالم الشيوعي )الصين لــم تكن قد لعبت بعــد دورا مركزيا( الأعــداء الألداء للصهيونيــة والمؤيدين للعالم العربي، فبفضــل التحولات التــي وقعت في روســيا ومصالحهــا فــي الشــرق الأوســط والدبلوماســية الناجحــة فــي عهــد نتنياهو التــي عرفــت كيــف تســتغل ذلــك تتمتــع إســرائيل اليوم بتفاهمات عمليــة وبعلاقات ودية مع روســيا، دون المس بحلفها الأساس مع أمريكا. كما أن الســام مــع العالم العربي البراغماتــي يعمل فــي هذا الاتجــاه. إن أحد شــروط الحفاظ علــى هذا الوضع هــو إقامة حكومة منســجمة فــي الموضوع السياســي وليســت حكومة خليط حزبي، نهايتها شلل سياسي.
معاريف 2021/4/6