Al-Quds Al-Arabi

هل تحتاج القضية الصحراوية لعصا سحرية؟

- *كاتب وصحافي من تونس

عندما أطلقت جبهة البوليساري­و قبــل مــا يقرب مــن خمســن عاما شــعارها «بالبندقية ننال الحرية» لم يكــن ليدور بخلد جــزء كبير من قادتهــا، أن مياها كثيرة ســتجري بعدهــا، وســتقلب تمامــا معادلات الشــرق والغرب، وستبقي السلاح تركة ثقيلة على النزاع في الصحراء.

لكن من وضع العوائق والحواجــز، التي حالت طوال تلك الســنوات دون إخماد أصوات البنــادق؟ ومن منع التوصــل لاتفاق يضع حــدا جذريا للمشــكل؟ ثم هل أن إســقاطها، أو تفكيكها يحتــاج اليوم لجهــد خرافي، أو حتى لعصا ســحرية؟ مهما قيل أو يقال عن مسؤولية هذا الطرف، أو ذاك، أو عن صعوبة، أو حتى استحالة تحقيق ذلك الهدف، فإن المتنازعين لا يستبعدون فرضية العودة في تاريخ لم يحدد بعد للجلوس مجددا إلى طاولة حوار، قد يفــرز اتفاقا ما على حل واقعــي ونهائي للقضية. لكن السؤال هو ما الذي سيعجل بتحقيق ذلك؟ وهل هناك في الأفق بوادر على حدوثه؟

حتى الآن يكتفي البيت الأبيض بإرسال إشارة مبتورة تدل وبشــكل ملتبس على أن واشنطن تتطلع لأن يحصل الأمر في غضون الشــهور القليلة المقبلــة. وليس عبثا أن تصدر تلك الإشــارة من مكتب وزيــر الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عبر بيان أعلن مســاء الاثنين قبل الماضي فــي أعقاب اجتماع مغلق عقده عبــر دائرة تلفزيونية مع الأمين العام للأمم المتحــدة أنطونيو غوتيريش، وأكد من خلاله بلينكــن «دعم بلاده للمفاوضات السياســية بين المغرب وجبهة البوليســا­ريو، وحثه على الإسراع بتعيين مبعوث شــخصي جديد للصحراء»، بحســب ما أوردته وكالات الأنبــاء. والغرض مــن ذلك هو إعطــاء انطباع قوي بــأن اهتمــام الأمريكيين، في هذا الوقت، بالمشــكل يعنــي أنهم يعملون على تحريك الميــاه الراكدة، وإطلاق المســار المتعطل في المنطقة، لكن الطرفين الأساسيين فيه، لا ينظران لتلك الإشارة بالعين نفسها. فبالنسبة للجزائر ومن ورائها البوليســا­ريو، فإن النبرة المعتدلة نســبيا للأمريكيين تدعم ثقتها في حســن نوايا الإدارة الجديدة، لكنها لا تلبي تماما تطلعها في أن تقدم القوة العظمى على مراجعــة قريبة للقــرار، الذي أخذه الرئيــس ترامب في آخر عهده بالاعتراف بالســيادة المغربية على الصحراء. أما علــى الجانب المقابل فإن المغرب الــذي لا يعارض من حيث المبدأ فكرة التفــاوض على الملف الصحراوي، غالبا ما يفضل أن يحصــل ذلك مع من يراه خصمه الحقيقي في النزاع، أي الجزائر بدلا من أن يتــم الامر مع من يعتبرها الدميــة التي يحركهــا الجزائريون عن بعــد، والمقصود بذلك جبهة البوليســا­ريو. لكن ما المجال الذي قد تنشــط من خلاله العملية التفاوضية من جديد؟ منذ نحو شــهر تقريبا طفا على الســطح جدل بين الجانبــن حول ما إذا كان من المناســب تحويل الملف إلى أديــس أبابا، أم تركه في نيويــورك، وبمعنى آخر ترحيله للاتحاد الافريقي، أم إبقاءه في العهدة الحصرية للأمم المتحدة؟ وليس جديدا أن اختلاف وجهات نظــر العاصمتين حول الجهة الأولى، بالنظر في الملف الصحراوي كان واحدا من أوجه الخلاف الدائــم بينهما، وظل أحيانا محــرارا لقياس حدة التوتر بين الدولتــن. ففيما علّق الجزائريــ­ون آمالا عريضة في أن يتوصــل الافارقة للحســم في الخــاف، في الاتجاه الذي يحقق هدفهم بالطبع، وهو إقرار انفصال الصحراء عن المغرب، تحت أي صيغة كانت، ظلت الرباط تتمســك بفكرة أن الرأي الاستشاري للمنظمة الافريقية في القضية لم يعد ضروريــا، أو ملزما بعد أن أحيلــت أوراق النزاع بالكامل إلى المنتظم الأممي.

ومــن المفارقات أنه وفــي اليوم الذي صــدر فيه ذلك البيان الأمريكي، كان وزيــر الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في زيارة رسمية لمدريد، استغلها لحث الإسبان، من خلال حديث أدلى به لصحيفــة «الباييس» الإيبيرية على الانخراط أكثر في مسار تسوية النزاع في الصحراء، والإشــارة وبوضوح إلى أنه «لا يمكن لإسبانيا أن تستمر في التستر خلف الأمم المتحدة»، قبل أن يضيف: «أعلم أن الأمر معقد، لكن لا يمكننا تــرك الوضع على حاله أربعين ســنة اخرى»، ويشــدد بعدها على انه لا يمكن لإسبانيا أن تتحرر من مســؤوليته­ا التاريخية، وأن موقفها يجب أن يكون واضحا، ثم ينتقــل لاحقا للحديث عن أن «الأمر مأســاوي، لأن جميــع الصحراويــ­ن لديهم جــذور في إسبانيا، فلم التق كما قال الوزير الجزائري يوما بشخص لا تربطه علاقات بمن في ذلك الشــباب. فالجميع يتقنون اللغة الإســباني­ة والأمر يتعلق بمسألة يجب أن نتناولها بشــكل جدي. فهناك لوائــح اتخذت بدون أن تتحســن الأمــور، بــل أدت فقط إلى الانســداد ونحــن نعرف من وراءه». لكن مــا الرابط بين الحدثــن؟ وهل أن تصريح بوقادوم كان معاكسا بالفعل لمضمون دعوة بلينكن؟ ثم ما الذي كان مطلوبا من إسبانيا بنظر المسؤوليين الجزائريين فعله؟ وما الغرض من الإشــارة إلى دورهــا التاريخي، ثــم التلميح لدورها المســتقبل­ي، من خــال الحديث عن الروابط اللغوية والثقافية التي تجمعها بالصحراويي­ن؟ إن السياق العام للأمرين، أي للبيان الأمريكي والتصريح الجزائري، ليــس مناقضا، أو مخالفا فــي العمق لبعضه بعضــا. فجلوس الطرفين المتنازعين إلــى طاولة الحوار، لن يتم بشــكل عفوي، وبدون أن يقدم هذا الطرف أو ذاك بعض التنازلات، وبدون أن يمارس أيضا كل واحد منهما جهودا علنية، ومن وراء الستار لكسب الدعم لموقف على حســاب الآخر. ولعل دعــوة الوزير الجزائري الســبت الماضي إلى «إجــراء مفاوضات مباشــرة وجدية» حول ملف الصحراء بين طرفي النــزاع، وهما في نظره المغرب والبوليســ­اريو، تؤكد جانبا من ذلك وتــدل على قناعة الجزائريين بأن الإدارة الأمريكية لن تبقى مكتوفة الأيدي وســتعمل على جمع الأطراف المعنية بالملف الصحراوي إلى طاولة الحوار. والمشكل بالنسبة للجزائريين هنا، أن الجانب المغربي لا يرغب بالدخول في مفاوضات مباشرة مع البوليســا­ريو، رغم أن الأخيــرة تراجعت عن موقفها المتشدد بعد العملية المغربية في معبر الكركرات والرافض لأي مسار تفاوضي، أو سياسي مع الرباط، وأكدت وعلى لسان أحد قادتها، وهو محمد سالم ولد السالك، قبل أكثر من شهرين إنها على استعداد لإجراء مفاوضات مباشرة مع المغرب. ولعــل ما تفعله الجزائر هنــا هو أنها تحاول حشد الدعم الإسباني والأوروبي لتلك الفكرة، حتى تفند أي اعتقاد بأنها طرف مباشــر في النزاع. ومع انه سيكون مستبعدا جدا أن تقبل الرباط بحضور مفاوضات مباشرة مع البوليساري­و، بدون أن تحضرها الجزائر، ولو كمراقب كما كان الأمر في جولات الطاولة المســتدير­ة، التي نظمت ســابقا في جنيف، إلا أن الســؤال الأهم هو، هل سيكون ممكنا حينهــا إقناع الحاضرين بأي حــل من الحلول؟ أم أن ذلــك لن يحتاج حقا لعصا ســحرية؟ ربما ســيرتبط الأمر وبدرجة كبيرة بشــكل التسوية التي ستعرض على الأطراف المتفاوضــ­ة، وبقدرتها على النظــر لها من أكثر مــن زاوية واحدة، ورغبتها الحقيقيــة في الحل. لكن هل سيبقى الوصول لذلك معلقا بإرادتها فقط؟ أم بما ستقرره الإرادات الدولية بالأساس؟ هنا بالضبط مربط الفرس.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom