Al-Quds Al-Arabi

بانتظار توضيحكم

-

ما زلت أنا وغيري من عائلات الشهداء، الذين ارتقوا، علــى مدار عقود مــن العمل النضالي الفلســطين­ي، ممن قضــوا ودفنوا فــي مقبرة الشــهداء الفلســطين­يين في مخيم اليرموك، يبحثون عن إجابات تخص مصير رفات

أحبابهم، بعد أن أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية عن قيام البعــض بالبحث عن رفات جنود إســرائيلي­ين في تلك المقبرة، وهو ما تم نفيه في عدة مناسبات.

لكن وقوع المقبرة تحت سيطرة قوى مختلفة، قاد إلى ضياع الحقيقة، فتارة يقال إن المليشــيا­ت المسلحة التي سيطرت على المقبرة، قامت بتسليم رفات هؤلاء الجنود لإســرائيل، وتــارة أخــرى يقال إن قــواتٍ تتبــع لدولة غربية، قامــت بالبحث عن رفات أحــد الجنود وتقديمه «هدية» لإسرائيل.

ومــا يؤلم الصــدر أكثر فأكثــر هو أن عمليــة البحث، أضافــت دمــاراً علــى دمــار، وحزنــاً على حــزن ليس لكــون المقبرة قــد دمرت بفعــل القصف والدمــار الذي لحــق بالمقبــرة، بل لأن المشــاهد والصــور التي وصلت من هناك، تشــير إلى تمشــيط كامل للمقبــرة، أدى إلى انكشــاف رفــات الشــهداء ودمــار قبورهــم واختلاط عظامهم وإهانتهم بصورة غاية في الإيلام. وعلى الرغم من محاولة قطع الشــك باليقين فــإن البعض تعامل مع الموضــوع في إطــار التجاهل والتســويف، بينما اعتمد البعض الآخر أســلوب الكذب والتضليــل، في محاولة شــرح ملابســات الأمر، وقد يضطرني صمــت البعض وتغاضيهــم، إلى فضح ما توفر لــديّ من حقائق دامغة ذات يــوم. ولعل ما زاد التعقيــد الذي يكتنف هذا الأمر، هو نشــر إحدى وســائل الإعــام العبريــة لوثيقة قيل إنها كتبت ورســم بعــض أجزائها بيد الشــهيد الراحل أبو عمار، تشــير إلى خريطة توضح موقع وجود رفات مزعومــة لجنــود إســرائيلي­ين، قتلــوا فــي لبنــان إبان الاجتياح الإســرائي­لي عام 1982 ودفنوا في تلك المقبرة في دمشق. أياً كانت التفاصيل فإنني أقول للجميع إننا في انتظار التوضيح المنطقي والمقبول لما جرى ويجري، كما ننتظر بحرقة إعطاء الضوء الأخضر لإعادة إصلاح وترميم المقبرة بما يحفظ كرامة الشهداء وذويهم.

لقــد تجنبت وغيري كثيرين الخروج إلى الإعلام، كما أننــي تجنبت ولســنوات طالت الحديث فــي الأمر، لكن تضــارب الروايــات و «تطنيــش» البعض، قــد خلق في داخلي وداخل الكثيرين من أبناء شهداء سجوا في تلك المقبرة، حالة من الجرح المعنوي.

لقد تجنبــت أيضاً وطيلــة أعوام مضــت وعلى طول ســنوات عديدة، ســاهمت فيها بكتابة مقالات مختلفة، مناقشــة قضايــا شــخصية، ولربما قناعتي بــأن الأمر إنما هو شأن عام، لا يمس كرامة مئات عائلات الشهداء الراقديــن في تلــك المقبرة فحســب، بل كرامة الشــهيد العربي الفلســطين­ي، إينما كان، وكرامة شــعب بأكمله، هو ما دفعنــي صراحة للكتابة اليــوم. وقبل أن أغوص في الأمر وأخرج عن دبلوماســي­ة الطرح، أدعو الأطراف ذات العلاقــة إلــى توضيح الأمــر، كما أدعو الســلطات الســورية إلى الســماح بإعادة تأهيل المقبــرة. إن رفات وجثامــن شــهدائنا فــي دمشــق، أو المحتجزين حتى اللحظــة في مقابر الشــهداء الإســرائي­لية، هي أثمن من كل ما يخص المحتل، وهي كانت وستبقى مثار اهتمامنا ومتابعتنا ما حيينا.

أتوقف هنا على أمل أن نكسر جميعاً صمت القبور!

رفات وجثامين شهدائنا خاصة في دمشق، أو المحتجزون حتى اللحظة في مقابر الشهداء الإسرائيلي­ة، أثمن من كل ما يخص المحتل

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom