Al-Quds Al-Arabi

نتنياهو بين المحاكمة والتكليف: تنافر الشكل وتكامل المضمون

-

■ لــم تكن المصادفــة وحدها هــي التي جعلت دولــة الاحتــال الإســرائي­لي تجمــع بــن حدثين متعارضــن من حيث الشــكل ومتكاملين من حيث المضمــون: الأول هو افتتاح جلســات اســتعراض الأدلــة فــي محاكمــة رئيــس الحكومــة بنيامــن نتنياهو بتهم الرشــوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والحــدث الثانــي هو إعــان الرئيس الإســرائي­لي تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة.

وكان الشــكل يقتضــي ألا يكــون الخاضــع لمحاكمــة مثــل هــذه على تهــم مثل تلــك على رأس الســلطة التنفيذيــ­ة، وأن يســجل رقمــاً قياســياً جديــداً كأطــول رئيــس حكومة فــي المنصب على امتــداد تاريــخ الكيان. لكــن المضمــون اقتضى أن يدخل الكنيســت الإســرائي­لي في مأزق رابع لجهة العثور علــى أغلبية كافية تتيح تشــكيل الحكومة، لأسباب عديدة قد يكون أبرزها أن شرائح واسعة

في المجتمع الإســرائي­لي تواصل تعلقها بهذا الماثل أمام القضاء ولا تريد سواه على رأس الحكومة.

المظهر الثاني لهذا التأزم هو أن نتنياهو لا يكتفي بتوظيف شــعبيته لــدى تلك الشــرائح وفي قيادة الليكود، الــذي يظل أكبر أحــزاب دولة الاحتلال، بل يواصــل التنمر على النظــام القضائي ذاته في الدولــة التــي يفاخر أصدقاؤهــا الغربيــون بأنها الواحة الديمقراطي­ة الوحيدة في الشرق الأوسط. آخر اتهاماته للقضاة وللادعاء العام أنهم يحيكون ضــده مؤامــرة انقلابية، ويســتبعدو­ن الشــهود، ويخفون تســجيلات لصالحه، وكل هذا لتقويض «رئيس حكومة قوي قادم من صفوف اليمين.»

غيــر أن المظهــر الثالــث للأزمــة المفتوحــة هــو هــذا على وجــه التحديــد: أن اليمين الإســرائي­لي، التقليدي والمتدين والمتطرف على حد سواء، عاجز عــن إقناع شــرائح أخرى من المجتمع الإســرائي­لي

ببــراءة نتنياهو أو جدارته لرئاســة الحكومة. هو كذلك يمــن متفرق غير قادر علــى توحيد صفوفه فــي الحدود الدنيا التي يمكن أن تفرز أغلبية كافية في الكنيســت، بل إنه يشــهد انقســامات متعاقبة كان أحدثها انشــقاق جدعون ســاعر عن الليكود وتشكيل حركة «أمل جديد.»

وليســت معارضــة نتنياهــو فــي حــال أفضل بالطبع، وهذا هــو المظهر الرابع الذي يُبقي الوضع عالقاً، إذْ لــم يعلن الرئيس الإســرائي­لي أن تكليف نتنياهــو بتشــكيل الحكومــة لم يكن ســهلاً «على الصعيــد المعنــوي أو الأخلاقــي» إلا لأن خصــوم الأخيــر فشــلوا بدورهــم في حيــازة ثقة الشــارع الإســرائي­لي وامتلاك أغلبية الحــد الأدنى لانتزاع التكليــف. ولــم تنقــضِ ســوى أشــهر قليلــة على الانتخابــ­ات الثالثة التي شــهدت صعــود ائتلاف «أزرق أبيــض» بوصفــه قائــد المعارضــة، قبل أن

ينزلق وقادته ســريعاً إلى سلســلة تنــازلات أمام نتنياهــو لم تســفر عــن تفــكك الائتــاف فقط بل جلبــت عليه لعنــة الناخب الإســرائي­لي فــي دورة الانتخابات الأخيرة.

ويبقــى أن مظاهر التأزم الأربعة هذه، وســواها أخــرى عديــدة، لا تحجــب حقيقــة اتفــاق جميــع الأحــزاب والكتــل والحــركات الإســرائي­لية على الجوهر الاســتيطا­ني والعنصري لدولة الاحتلال، والتعامي اســتطراداً عن حقيقــة أن الأزمات التي تعصــف بنظامــه السياســي ليســت ناجمــة عن مشــكلات طارئة أو مؤقتة بقدر مــا هي معضلات بنيويــة كان لا مفــرّ من أن تتأصل فــي بنية الكيان وتنخر ركائزه تباعاً. وليس الاجتماع في شــخص نتنياهو بين المثول أمام القضاء واستلام التكليف بتشــكيل الحكومــة ســوى واحــد مــن التجليات الأحدث لذلك النخر البنيوي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom