Al-Quds Al-Arabi

الأردن واعتقالات السبت... «ثغرات ومكاسب»

-

■ بعيــدا عن الجانــب القانونــي والقضائي، لا يمكن التعامل بطريقة كلاسيكية مع بعض الثغرات والأســئلة التي تطرحها وتنتجها بالجملة الآن في حضن الأردنيــن واقعة اعتقالات الســبت المثيرة وتداعياتها.

فعلا وحقا يحتاج الوطن لوقفة تأمل عميقة، فتلك الاعتقالات تثبت مجددا بأن الجميع، وبصرف النظر عن الأشــخاص ومناصبهم، ليســوا على قلب رجل واحد في تشخيص المشهد العام، لا بل وفي التحرك من زاوية تشتبك أو تعارض أو تفتري أو تنافق.

كنا مــن أوائل المحذرين من توفيــر مادة خصبة تســاعد في تغذية وتســمين ما يســمى بالمعارضة الخارجية، واقترحنا في وقــت مبكر وأد تلك الفتنة التي يؤســس لها شــباب ضالون إلى حــد ما، أو انتقاميون أو حتى هامشــيون عبر الاسترسال في هوس البث.

ليس سرا أن المزاج الأردني بالعموم ينتبه، لا بل أحيانا يميل إلى الــرأي المناكف أو المختلف أو حتى المنتقد، وإن كان مســتوى طرح بعض من يطلقون على أســمائهم هوية المعــارض الخارجي بائســا وسقيما وشتائميا ومضللا.

وليس ســرا أن كاتــب المقال اقتــرح مبكرا ومن سنوات، على مسؤولين كبار في الدولة، العمل على بناء روايات للــرد المهني على تلــك الميكروفون­ات المســمومة بمعنى الغــرق في المزيد من الشــفافية،

وقــول الحقائــق والوقائــع التي يميل الساســة والمسؤولون للاحتفاظ بها فقط دون أي مبرر، وقلنا مبكرا أيضا بأن ترك الرواية السلبية تنهش المجتمع الأردني وتشوه المؤسســات ودون رواية بديلة أو أخرى ســلوك لا ينطــوي على حكمــة، وقد يحتاج إلى تبريــر، فقد تركت قصدا مســاحات لميكروفون المعارضة الخارجية.

وتركت فــي ثغرة ثانية واضحة أيضا مســاحة صلاحيات كبيــرة لبعض الرموز لــم يكن المجتمع يفهمها، وبالتالي صدمــة الانحراف هنا كانت أيضا كبيرة، لأن المتاجرة بمســؤولين غربــاء كانت على مستوى القرار أيضا غريبة وغير مفهومة، مرة على حســاب الأداء التقني والبيروقرا­طي، ومرات على حساب استسهال الإساءة لذاكرة الأردنيين.

الشــعب الأردني وطني ويؤمن بالوعي، ولديه مجســات لم يكن من اللائق تجاهلها، عبر السماح باجتهادات مراهقــة بالركوب علــى أكتافه فترات طويلة حتى تتضخم الأنا عند بعض الناس.

لمــاذا صمتت الحكومة على ما يســمى بالمعارضة الخارجيــة طوال هــذا الوقت؟ ما هــي طبيعة هذا الاستثمار المضلل البائس وعلى أي أساس؟

تلك أسئلة نعرف مسبقا بأن الجواب عليها صعب ومعقد، لكن عملية تســمين وتغذيــة الميكروفون­ات الموتورة انتهت باختبارات قاســية وصعبة، يمكن بناء عليهــا التفريق بين الولاء الحقيقي المنتج وبين الولاء المسموم، وهو بالأطنان أحيانا.

يحتــاج الأردن إلى وقفة حقيقيــة، تعيد إنتاج منهجية اختيــار المســؤولي­ن وصلاحياتهم، فعدد المرات التي خان بهــا بعض الناس الثقة يفيض عن حاجة الدولة ويستحق وقفة تأمل عميقة.

تلك ثغرة بطبيعة الحال يمكن القول بأن الانتباه لها من مكاســب موجة الاعتقــال­ات الأخيرة رغم أن الحكومــة لم تقدم بعد شــروحات مقنعــة للناس، ونقدر هنا بأن السبب قد يكون الحرص على سرية المعطيات وسلامة التحقيق وعدالته.

لكن ثمة ثغــرة أخرى أكثر أهميــة تحتاج اليوم لمراجعة فأنا كمواطن أردنــي، لا يعجبني إطلاقا أن أرى مســؤولا ســابقا وكبيرا، يخرج للتو من غرفة أســرار الدولة ومعطياتها فيرتمي في أحضان دولة أخــرى أو أمير عربي أو حتى في أحضان مؤسســة البنك الدولي تحت ستار الرزق والوظيفة.

طبعــا وبالتأكيــ­د لا يمكــن وليس مــن العدالة التشــكيك بــأي موظف عــام، بحث عــن رزقه في مكان آخر بعدما انتهــت صلاحياته في الوطن. لكن بالمقابــل ثمة وظائــف ومواقع حساســة لا يصلح معها أن يبحــث أصحابها عــن أي وظيفة في موقع آخر، فهؤلاء بلادهم أجــدر بخبراتهم ومعطياتهم، وقد يكون السماح لموظفين شــغلوا مواقع حساسة بالعمل في الخارج مع حكومات أخرى قريبا جدا من ســيرة وضع الكبريت بجانب النار، ذلك خطأ فادح

لا يحتاجه الأردنيون فنحن في قرية صغيرة ومن لديه الكفاءة في خدمة الآخرين، وطنــه أحــق بــه تجنبــا لاجتهاد أو أزمة أو شــبهة وحتى لا نندم.

ثمــة مســألة رابعة لا تقــل أهميــة، فقد حبس الأردنيون أنفاســهم ليلة الســبت، فيما كان يجتهد أصحــاب الميكروفون­ــات في الخارج، وســط حالة غيبوبة للإعلام المحلي والرســمي أقــرب إلى موت سريري، وكان المواطن القلق المتهم بتراب بلده يقرأ أو يســمع روايات مريبة عما يحــدث في وطنه من الإعلام الأجنبي أو الإســرائي­لي، فيما ترتبك النخب وتختنق الرواية الرســمية أو تصدر وتبث متأخرة جدا. ذلك ينبغي أن يتوقف أيضا، فالشفافية منجاة، ومصارحة الناس أفضل مــن تجاهلهم، ولا مزاودة من أي صنــف على علاقة الأردنيين بمؤسســاته­م، والخاســر هو فقط إعلاميا ووطنيا مــن يخفق في تقديم رواية لمسار الأحداث في الوقت المناسب، فأنا شخصيا لا أعرف شــعبا يؤمن بقيادته ومؤسساته مثل الشعب الأردني. ولا أعرف بالمقابل شعبا تسيء له مؤسساته الرسمية وتقصيه وتؤذيه مثل شعبنا الصابر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom