Al-Quds Al-Arabi

بين مارين لوبان ... وعبير موسي!

-

■ أعداد متزايدة من الشــباب الفرنسيين ما بين سن 18 و24 يُبدون مزيدا من التأييد لأقصى اليمين في فرنســا ويعتزمون التصويت فــي الانتخابات المقبلة إلى «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان، والتصويت لهذه الأخيرة في الانتخابات الرئاسية إذا مــا كانت المنازلــة بينها وبــن الرئيس الحالي إيمانويــل ماكــرون زعيم حــزب «الجمهورية إلى الأمام».

هذا ما نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية أمس الأول بناء على ما لمســته من أحاديث مع بعض هذا الشــباب الذي لم يعد يخجل مــن الاعلان عن هذه القناعات، وهم جميعا تقريبا مــن المتعلمين جيدا. يقول هــؤلاء إن في خطاب ماريــن لوبان عناصر تجذبهم مثل تركيزها على»الانكسارات التي أصابت الهوية الفرنسية وانعدام الأمن الثقافي» فيما ذهب أحدهم إلى أنه «غير مستعد للعمل كمجنون ليعيش آخرون» في إشــارة إلى الأجانب في بلده. ويؤكد هؤلاء أن خط اليمــن المتطرف هو «الخط الوطني» لأنــه لم تعد لهم ثقــة في الأحــزاب التقليدية وفي مجمل المنظومة السياسية في بلادهم.

الصحيفة الفرنســية المرموقة خلصت بعد هذه الدردشات مع هؤلاء الشــباب إلى أن استراتيجية نزع الشــيطنة عن «التجمع الوطني» لمارين لوبان وتعــويم خطابها أتاح في النهاية توســيع الموالين لليمين في فرنسا، وأن الأزمة الصحية التي خلقتها «كورونا» ومــا صاحبها من صعوبــات اقتصادية قاســية ســرّعت في مثل هــذا التحــوّل. وتختم الصحيفة مقالها بالقول إن تصويت هؤلاء الشباب المســتجوب­ين لأقصــى اليمــن إنما هــو خليط من القناعات ومن الغضب فلتت آخر مكابحه.

لا أدري لماذا قفــزت إلى ذهني وأنا أقرأ هذا المقال صورة عضو البرلمان التونسي عبير موسي زعيمة «الحزب الدســتوري الحر» الذي لديــه كتلة بـ16 نائبا في هذا البرلمــان من بين 217، وقد يكون كذلك اســم «التجمع الوطني» لمارين لوبان أحال بدوره إلى تذكر اســم «التجمع الدســتوري الديمقراطي» حزب الرئيــس الراحل زين العابدين بن علي الذي كانت عبير موســي من مسؤوليه بل ومن بلطجييه كذلك، وهو ذات النشاط الذي انتقلت به الآن تحت قبة البرلمان.

طبعــا، لا مقارنة بــن أوضاع فرنســا وتونس ولكن كلا الســيدتين في باريــس وتونس لم تجدا مــن اســتثمار أفضــل من الاســتثما­ر فــي غضب الناس وخوفهــم وضائقتهــم الاقتصادية وقرفهم من الطبقة السياســية التقليدية الســائدة في كلا البلدين. صاحبة الشعر الأشقر وظفت كل ذلك ضد الأجانب والمهاجرين وسيدة الشعر الأسود وظفته ضــد «الإخونجية» والثورة التــي أطاحت بحزبها المنحل وزعيمه. لوبــان تتمنى أن ترمي بكل العرب والأفارقة والمهاجرين خارج حدود بلادها وموسي تتمنى أن ترمى بكل من جاءت بهم ثورة 2011 وراء القضبان.

وإذا مــا صدقنا مــا قالته «لوموند» من اتســاع دائرة المؤيدين للوبان وصدقنــا ما تقوله عمليات ســبر الآراء في تونس فإن كلا السيدين نجحتا في هذا الاســتثما­ر إلى حد الآن علــى الأقل، رغم أنه لا مجال هنا للمقارنة بين عمليات ســبر الآراء المهنية في فرنســا وما ينشــره إعلامها التعددي، وبين ما تخرج به عمليات ســبر الآراء المرتجلة في تونس وما يروجه إعلامها البعيد في غالبيته عن كل أصول المهنة وأخلاقياته­ا.

وإذا كانــت «لومونــد» تقول إن نزعــة التأييد والتصويت لأقصــى اليمين في فرنســا، ممثلا في «التجمع الوطني» وريث «الجبهــة الوطنية» التي أسســها جون مارين لوبان في 1972 وبقي رئيسا لها إلى بداية 2011، تجتاح قطاعات الشباب المتعلم فــإن التأييد لأطروحات «الدســتوري الحر» الذي يعتبر وريث حزب بــن علي المنحل، حتى وإن تدثر بصور الزعيــم الحبيب بورقيبة مؤســس تونس الحديثة، نراه يتســلل إلــى كثير مــن القطاعات المثقفة ومــن النخبة في تونس، وهي ظاهرة غريبة تستحق الرصد والتحليل.

يحدث هذا في فرنسا كرها في الأجانب ويحدث هذا في تونس كرها في الإســاميي­ن، مع أن الكثير مما تقوله لوبان في فرنسا له وجاهته في الحقيقة

وكثير مما تقوله موسي في تونس لــه وجاهته كذلك، ولكــن ذلــك لا يجعــل من الأولى خيارا جيدا لفرنسا ولا الثانية خيــارا جيدا لتونس. مشــاكل الهجرة والبطالة والمسلمين في فرنسا كلها قضايا إشكالية فعلا يمكــن الخوض فيها ولكن ليــس بمقاربة تلك السيدة الشــقراء، مثلما هي مشاكل الإسلاميين في تونس وكل من جاءت بهم الثورة من السياســيي­ن والوضــع الاقتصادي والاجتماعـ­ـي المتراجع، كلها يمكن الخوض فيها ولكن ليس بمقاربة تلك السيدة السمراء.

ما تقوله كل من مارين لوبان في فرنســا وعبير موســي في تونس هو اســتغلال لمشــاكل حقيقية بهدف إرســاء نظام جديد لا مكان فيه للتعددية ولا للتنوع العرقي والثقافي في فرنســا، ولا مكان فيه للتعدد الفكري والسياسي في تونس. كلا السيدتين إنما تبشران بالفاشية لا أكثر و لا أقل. من يؤيد هذه السيدة في فرنسا أو تلك السيدة في تونس من باب «فقــه النكاية» كما كان يقول الدكتور ســعد الدين إبراهيم سيكتشف ســريعا أنه أكل مقلبا كبيرا، مع أن فرنســا أكلته أصلا مع ماكــرون وأكلته تونس مع ســعيّد لكن «ضربتان على الرأس تِدوش» يقول المثل.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom