Al-Quds Al-Arabi

في مواجهة التضليل الإعلامي

- *كاتب بحريني

لــو أن غوبلــز وزير الإعــام فــي النظــام الألمانــي النــازي، بُعث من جديد لقال لنفســه: كم كانت ماكنــة إعلامنا ودعايتنــا بدائيــة، لو أننــا قارناهــا بمثيلتها في الزمــن الحالي. ذلك أن وســائل التضليل والتلاعب بعقول البشر، تطورت بصورة مذهلة، وأصبحت تمثل نمطا تواصليا له أسسه النفسية والتضليلية التي يقوم عليها، وله منهجيــات تطبيقية لا حصر لها ولا عد.

اســتمع لمحطات الراديو وشــاهد محطات التلفزيون، وأقــرأ الصحف اليومية المطبوعة أو الإلكتروني­ــة، وتابع ما يدور في شــبكات التواصــل الاجتماعي، ســواء المحلية منها أو الإقليميــ­ة أو الدولية، لتقتنع بأن هناك أصولا وفنونا وسيركات بشرية مسلية، تكون في ما بينها مدرســة قائمة بذاتها: مدرسة التضليل الإعلامي العصرية.

ما يهمنا هو أن يعي شــباب وشابات الأمة من المناضلين والمناضلات السياسيين أساليب التضليل، حــن يندمجون أو يشــاركون في مختلف ساحات الإعلام. لنذكر بعض الأمثلة. في الصحافة إبراز الكــذب في عناوين كبيرة لإبراز أهمية الخبــر أو التعليــق الكاذب في ذهن القــارئ. ومن أجــل تبرئــة الذمة ضع في الصفحــات الداخليــة تكذيبــا أو تعليقا متواضعا يحمي الصحيفة من المساءلة، ولكن لا يصحــح الانطبــاع الأول. والنتيجة هي أن يشــرب أغلب القراء ســم الكذب وينشروه. وإن أردت إبعاد الناس عــن الاهتمام بوضع بائس أو فضيحة لا تشــرّف نظاما، فما عليك إلا الإلهاء عــن طريق التركيــز على هوامش الموضوع، أو إضافة قصــص تافهة من حوله. وهكذا سيضيع الموضوع الأصلي بينما ينشغل الناس بالثرثــرة الملهيــة. وإذا كنت تريد أن تبدوا محايدا ومعنيا بإبــراز الحقيقة، فاعقد جلســة تلفزيونية فيها متحدث بــارع يدافع عن وجهــة النظر التي تريــد تمريرها، وفيها متحدث ضعيف مشــتت التركيــز يدافع عن وجهــة النظر الأخرى، التي تريد أن ينســاها الناس. ومن أجل إلحاق هزيمــة بأي مجادل حامل لوجهة نظر مخالفة لما تريده السلطة، أو مؤسسات المصالح الفئوية المشترية لوسائل الإعلام، يلجأ بعــض الإعلاميين إلى ما يعرف «بتكتيــكات الينســكي» المكيافيلي­ــة القائمة على ممارســة الكذب، وعدم الاعتراف بالقيم الأخلاقية الحاكمــة لممارســة النقاش. وهي تكتيكات كثيــرة، من أبرزهــا: الترديد أثناء النقاش بأن أفكارك هي الســائدة والحديثة، بينمــا أفكار خصمــك هي خشــبية تجاوزها الزمن. مثال على ذلك ما يســمعه الناس الآن من بعــض الكتبة أو المحاوريــ­ن، من أن الفكر العروبــي القومي وشــعاراته الشــهيرة، ما عــادت صالحة لأزمنتنــا الحاليــة، أو وضع خصمــك في النقــاش في موضــع الدفاع عن النفس، عندما تلفق كل الاتهامات بشأن نفاقه السياســي، أو تعصبه المذهبــي أو القبلي، أو الإســتهزا­ء بمن يجلس أمامك لإظهاره إنسانا مجنونا، أو متطرفا أو متدينا مهووسا، أو لديه رغبات جنسية مخجلة. وفي كل ذلك تستعمل الكلمات الشــعبية الســائدة من أجــل إثارة المخاوف الغوغائية الشــعبوية، وهي كلمات كثيرا ما تعبر عن انحيــازات عرقية أو ثقافية أو دينية.

واليــوم، وبعــد أن أصبــح التواصــل الاجتماعي الوســيلة الإعلامية الأهم والأكثر انتشــارا، فإننــا نجد أنفســنا أمام وســائل تضليل جديــدة. لقــد انتشــرت التعليقات المســتفزة الهادفــة إلى تشــتيت الانتباه، أو الدفع نحو اليأس، وكثرت التعابير العنصرية الفجة، أو وســائل الهيمنة علــى النقاش، من خلال الادعــاءا­ت الكاذبة بامتــاك الحقيقة، أو الأخبار الســرية الصحيحة. بعض هؤلاء يقــرأون أو يكتبــون جملا معدة لهم ســلفا، من قبل جهات مشــبوهة تظهرهم وكأنهم هم العقلاء المعتدلون وأصحاب الحجج المتوازنة بينما يتهمون خصومهم بكل أنواع الانتماءات السياسية أو الثقافية الملفقة.

موضوع التضليل الإعلامي أصبح موضوع كتب ومجلدات، بعد أن أصبحت وراءه جهات استخباراتي­ة أو مصالح كبرى، وبعد أن صار أحد أهم ســاحات التنافســا­ت والصراعات الدوليــة. الكل يريــد الاســتيلا­ء على عقول الناس ومشاعرهم وأرواحهم.

مطلــوب من شــباب وشــابات الحراكات السياســية العربية، المنظمــة أو العفوية، أن يعوا موضوع التضليل الإعلامي بكل جوانبه لأن بعض الجهات ستســتعمله فــي مواجهة أحلامهم وطموحاتهم، والشعارات التحررية التي يطرحونها.

التضليل الإعلامي أصبحت وراءه جهات استخباراتي­ة ومصالح كبرى، بعد أن صار أحد أهم ساحات التنافسات والصراعات الدولية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom