Al-Quds Al-Arabi

قصة المحادثات الفاشلة للإفراج عن الرهائن الأمريكيين في سوريا ... مطالب تعجيزية للنظام ومعلومات قليلة لواشنطن

- لندن «القدسالعرب­ي» من إبراهيم درويش:

كشفت وكالة أنباء أسوشــيتدب­رس الأمريكية عن محادثات أمريكية - سورية فاشلة بشــأن مصير الصحافي الامريكي أوستن تايس وبقية الرهائن الآخرين الصيف الماضي وذلك بســبب الشروط التي وضعتها دمشق وغياب المعلومات التي قدمها.

وجاء في التقرير أن مســؤولين أمريكيين دخــا الصيف الماضي في مغامرة داخل أرض معادية لإجراء محادثات مع أعداء الولايات المتحدة. وكان مســؤولو الحكومة السورية الذين انتظروا المسؤولين الأمريكيين مســتعدين لمناقشــة مصير تايس الذي يعتقد أنه رهينة في البلاد منذ ثمانية أعوام بالإضافة لرهائن آخرين. وكان الإفراج عنهم بمثابة دفعة للرئيس دونالد ترامب وقبل أشــهر من الانتخابات الرئاســية. وكانت هناك إمكانية لتحقيق تقدم في هذا الصدد. ولكن الرحلة انتهت بالفشل. فقد طرح الســوريون عدداً من المطالب التي كانت تعني إعادة تشــكيل السياســة الأمريكية تجاه النظام الســوري، بما في ذلك رفع العقوبات وسحب القوات الأمريكية واستئناف العلاقات الدبلوماسي­ة.

جهود حساسة وسرية

وما كان مثيراً للقلق للمســؤولي­ن الأمريكيين أن النظام الســوري لم يقدم المعلومــا­ت الكافية عن مصيــر ومكان تايس وغيــره. وقال باتل كاش، الذي شارك في المحادثات كمســاعد بارز في البيت الأبيض «كان النجاح هو جلب الأمريكيين إلــى الوطن ولم نصل إلى هناك». واعترف البيت الأبيض باللقــاء الذي حصل في تشــرين الأول/أكتوبر لكنه لم يقدم تفاصيل عنــه. ولكن معلومات جديدة حصلــت عليها الوكالة من

مقابلات في الأســابيع الماضية مع أشــخاص على معرفــة بالمحادثات. وعلمت الوكالة عن محاولات واشــنطن بناء حســن نية مع سوريا قبل بدء المحادثات. وقــال كاش إن حليفاً في المنطقة لم يذكر اســمه عرض المساعدة لمعالجة زوجة الأسد، أسماء من سرطان الثدي.

وتقــدم التفاصيل صورة عن الجهود الحساســة والســرية لتحرير الرهائن لدى أعداء الولايــات المتحدة وهي جهود أدت لنجاحات كبيرة لترامب ولكن إلى طريق مســدود. وليس مــن الواضح إن كان جوزيف بايدن وإدارته الجديدة ســتواصل الجهود بالقوة نفســها للإفراج عن تايس والأمريكيي­ن الآخرين وبخاصة عندما تتصادم المطالب المعروضة على الطاولة مع أهداف السياســة الخارجية للبيت الأبيض. وكان لقاء آب/أغسطس في دمشق هو أعلى مســتويات المحادثات ومنذ سنين بين الولايات المتحــدة وحكومة الأســد. وكان لقاء فوق العــادة في ضوء العلاقة العدائية ولأن الحكومة الســورية رفضــت الاعتراف أبدا بأنها اختطفت تايس أو معرفتها بأي شــيء عن مكانــه. لكن اللحظة منحت ترامب فرصة، ذلك أنه عبر عن اســتعداد لســحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وجعل تحرير الرهائن أهم أولوياته في السياسة الخارجية ودعا الذين يتم الإفراج عنهم للبيت الأبيض.

وبعد ظهور اســم تايس في الأخبار أرسل ترامب رسالة لعائلته التي تعيش في هيوســتون وأكد لها أنه لن يتوقف عن جهوده لتحرير ابنها. وذلك حســب تصريحات والدته ديبرا للوكالة. ولكــن مصير تايس لا يزال مجهــولا عندما غادر ترامب البيت الأبيض فــي 20 كانون الثاني/ يناير. وأرسل المارينز الســابق تقاريره إلى «واشنطن بوست» وموقع «ماككلاتشــ­ي» وشــبكة «ســي بي أس». وأكدت إدارة بايدن تصميمها الإفراج عــن الرهائن الأمريكيين، لكنها في الوقت نفســه انتقدت وضع حقوق الإنسان في ســوريا ولن تقبل بالشروط التي وضعتها الحكومة السورية في دمشق الصيف الماضي.

واحتل تايس الوعي الأمريكي منذ اختفائه عند نقطة تفتيش بمنطقة

متنازع عليها غرب دمشق في آب/أغسطس 2012. ودخل عميقًا في وقت قرر عدد من الصحافيين مغادرة البلد بســبب العنف. وبعد أسابيع من اختفائه ظهر شــريط فيديو، بدا فيه معصوب الوجه ويمسك به رجال مســلحون وهو يقول «يــا أيها المســيح». ولم يظهر بعــد ذلك، وظلت الســلطات الأمريكية تتعامل وكأنه لا يزال على قيد الحياة. ولم تعترف السلطات السورية بعلاقة في اختفائه. وزاد غياب التمثيل الدبلوماسي الأمريكي من جهود البحث عنــه، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بـ 900 جندي في شرق البلاد لمكافحة تنظيم «الدولة».

«لا يزال على قيد الحياة»

وقال روجر كارستين، الضابط السابق في القوات الأمريكية الخاصة «افتراضي أنه لا يــزال على قيد الحياة وينتظرني لأن أذهب وأخلصه.» وشارك كارتسين مع باتل في اللقاء، وذلك بصفته مبعوثاً خاصاً لترامب لشؤون الرهائن. واحتفظ بمنصبه في إدارة بايدن. وفي ذلك اللقاء كان باتيل مستشار البيت الأبيض في مكافحة الإرهاب وبعدما عمل كمساعد في لجنة الاستخبارا­ت بمجلس النواب. وبرز اسمه في محاولات تحدي التحقيق في التدخل الروســي بانتخابات 2016. وعمل سابقاً في وزارة العدل أثناء إدارة باراك أوباما.

وتم التحضيــر للقاء مدة عام وطلب المســاعدة مــن لبنان، حليف ســوريا. وفي مرحلة ســاعد «حليف في المنطقة» على بناء حسن النية مع الحكومة الســورية وقدم مســاعدة لمعالجة زوجة الرئيس بدون أن يقدم معلومات إضافية. وأعلنت الحكومة الســورية قبل عام من اللقاء أنها تعافت من المرض. ووصل الرجلان ضمن وفد صغير ومرا من دمشق حيث لم يشــاهدا آثار الحرب التي ضربت مناطق سوريا الأخرى والتي أدت لمقتل نصف مليون نســمة وشــردت الملايين. وفي داخل مكتب علي مملوك، مدير المخابرات الســورية طلبا معلومات عن تايس وكذا ماجد كمالماز، الخبير النفسي من فيرجينيا الذي اختفى عام 2017 وعدد آخر. وعادة ما تكــون المفاوضات لتحرير الرهائن متعبة ولا تؤدي إلى نتائج حتى لو كانت مرضية، وفي هذا المثال فالشــروط التي وضعتها سوريا ووصفها عدد من الأشــخاص تعني تغيير الولايات المتحدة سياســتها تجاه سوريا.

ندم... وجهود فاشلة

وأغلقت واشــنطن سفارتها في دمشــق عام 2012 وسحبت السفير. وعندما لم تســتجب الإدارة لمطالــب الحكومة الســورية امتنعت هذه عن تقــديم مطالب بما فيها تأكيــد أنه لا يزال على قيــد الحياة. وهو ما كان ســيعطي المحادثات زخماً. ورغم أنه كان متفائلاً بإدارة «محادثات دبلوماســي­ة شــرعية » إلا أنه ينظر الآن للخلف بندم. وأضاف » يمكنني القــول إن هذا يعد واحداً من أكبر الجهود الفاشــلة في ظل إدارة ترامب وعدم اســتعادة تايس». وبنفس المقام شــعرت عائلــة تايس بالخيبة ولكنها علقت أن الجهود تظهر أن الحوار مع دمشــق ممكن. وقال مارك، والد تايس «من الممكن إجراء حوار بدون تعريض مصالح الأمن القومي الأمريكي للخطر. وبدون أن تتأثر سياستنا في الشرق الأوسط وبدون كل الأمور الرهيبة التي قيلت لنا عبر السنين لو اعترفت الولايات المتحدة بأن هناك حكومة في دمشق.»

وفي بيان من وزارة الخارجيــة أكدت التزام الإدارة تحرير الرهائن. ومــن غير المحتمــل أن تتعامل الإدارة مع دمشــق كشــريك موثوق به، وبخاصة بعدما انتقدت منظمة الحد من انتشــار الأســلحة الكيميائية ســوريا وأنها فشــلت في التخلص من ترســانتها الكيميائية. ولم يقل بايدن إلا القليل عن ســوريا وأمر في شــباط/فبراير بغارة على مواقع إيرانية في ســوريا، ووصف وزير الخارجية أنتوني بلينكن الوضع في سوريا بالخطير.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom