Al-Quds Al-Arabi

سوريا: موسكو تجند 400 مقاتل من أبناء العشائر العربية في صفوف ميليشياتها المحلية

- دمشق – «القدس العربي» من هبة محمد:

في سياق المنافسة الروســية - الأمريكية شرقي سوريا، وفي ظــل أطماع القــوى الفاعلة المتصارعة فيمــا بينها، في الوصول إلى مناطق النفط في المنطقة الشــرقية الواقعة في دائرة رصد القوى الدولية بهــدف فرض وجودها فيها، عبر محاولة إقامة تشكيلات عسكرية وسياسية جديدة تدعم هذا الوجود، خصوصاً المرتبط بالقوتين الرئيســيت­ين، الولايات المتحدة وروســيا، انضمت مجموعة كبيرة من المقاتلين من أبناء العشــائر والقبائل العربية في محافظة الحســكة إلى صفوف ميليشيا «الدفاع الوطني» التي تشرف عليها القوات الروسية شرقي البلاد.

وأفادت وســائل إعلام روســية، في محافظة الحســكة بتوسيع دائرة الانضمام والالتحاق بالتشكيلات العسكرية التابعة لموســكو من قبل أبناء القبائل والعشــائر العربية، حيث شــهدت محافظة الحســكة الجمعة فعاليات عسكرية، لتخريــج دورة جديدة، ضمت 400 مقاتل مــن أبناء القبائل الذين تطوعوا ضمن صفوف ميليشيا قوات الدفاع الوطني.

وبيّن المصدر، أن «المقاتلين نفذوا اســتعراضاً عســكرياً لتخرجهم، تضمن عمليات قتاليــة ورياضية وفنون تركيب السلاح بأنواعه، إضافة لتنفيذ تصدٍ وهجوم على أحد مواقع العدو، مؤكدين استعداهم الدائم لتنفيذ أي مهمة توكل لهم.»

«احتلال أمريكي وسرقة النفط»

وقال اللواء معين خضور، القائد العســكري في محافظة الحسكة، ونائب قائد الفرقة )17 مشاة( في قوات النظام إن «الاحتلال الأمريكي وأعوانه تســللوا إلى الجزيرة السورية واســتولوا على ثروات الباطنية الشــعب السوري بطرقة العصابات، وقاموا بنهب وســرقة هذه الثروات امام انظار العالم، مستغلين انشغال الجيش العربي السوري والقوات الرديفة بمحاربة المجموعات الإرهابية المســلحة التي دخلت إلى سوريا عبر دول الجوار.»

وأضــاف «»لكنا اليوم أكثــر قوة بعد تحرير مســاحات كبيرة من الأراضي الســورية بمساندة القوات الصديقة من الجيش الروسي والجيش الايراني. نحن اليوم متواجدون في قواعدنا العسكرية، ونجهز أنفسنا للخروج منها لتحرير كامــل أراضــي الجمهورية العربيــة الســورية، خصوصاً الجزيرة الســورية» وأضــاف اللواء معــن خضور، «على كل فرد من الشــعب الســوري مهماته فــي محاربة الأعداء والاحتلال سواء بالبندقية او الكلمة وهي أضعف الإيمان.»

وتقوم المســاعي الروســية علــى دعم مصالحهــا أمام الأمريكيــ­ن، ومواجهــة نفــوذ «قســد» (قــوات ســوريا الديمقراطي­ة( من جهة ومســاعي إيران لاســتمالة العشائر من جهة أخرى، وذلك لصالح اســتقطاب ودعم جهات داخل النظام تعطيها ولاء أكبر مما سواها.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث لدى المؤسســة الســورية للدراســات وأبحاث الرأي العام رشــيد حوراني إن روسيا عملت بشــكل غير مباشــر أحياناً وبشــكل مباشــر أحياناً أخرى على تحجيم دور إيران في شــرق الفرات، منذ دخول العقوبات الأمريكية على سوريا حيز التنفيذ.

وعزا المتحدث السبب إلى هدف موسكو في زيادة توسعها شرق الفرات، لاسيما بعدما لمســت من تلك العقوبات جدية الجانب الأمريكي في وضع حد لإيران ودورها في ســوريا. ووفقــاً للمتحدث لـ«القــدس العربي» فإن روســيا عملت خلال الفترة الماضية على إرسال وفد من الشرطة العسكرية الروسية إلى ريف دير الزور الغربي الخاضع لسيطرة قوات النظام، بهدف توسعة الانتشــار الروسي في المنطقة، وضم ثمانية ضباط وقياديين من «الفيلق الخامس.»

وتجول الوفد في بلــدة التبني ومحيطها، بهدف اختيار مكان لإنشاء قاعدة عســكرية للقوات الروسية في المنطقة وزيادة انتشــار «الفيلق الخامس» وعقد الوفد اجتماعاً مع قياديين في ميليشــيا «الدفاع الوطني» تم خلاله مناقشــة زيــادة دعم الميليشــي­ا بشــكل مباشــر، من قبل الشــرطة العســكرية الروســية وزيادة نفوذها فــي المنطقة. إضافة لغيرها من الإجراءات.

وتعمل موســكو على تســليح وتنظيم أبناء العشــائر لســببين تحدث عنهمــا الحوراني، أولهما تشــكل حاضنة شعبية موالية لها مستفيدة من التمييز الذي تمارسه «قسد» بحقهم، وبموجب هــذه الحاضنة تناور أمريكا بها من خلال دعمها لها وتهديدها للمصالــح الأمريكية التي لا ترى حتى الآن سوى «قســد» حليفاً لها. ثانياً، تشكيل قوة من المنطقة تلوح بهــا لأمريكا أنها جاهزة لمواجهة المــد الإيراني، فضلاً عــن محاولة الروس ابتزاز «قســد» لزيــادة تواجدهم في شرق الفرات بشــكل عام وعدم انصياع «قسد» لمطالبهم في مفاوضاتها مع النظام.

الحضور الروسي

ويتّســم الحضور الروسي شــرقي الفرات بالبحث عن الفرص، حيث انتهجت السياســة الروســية عقد صفقات مختلفــة مع أطراف مختلفــة فاعلة على الأزمة الســورية، كالولايــا­ت المتحدة، وإيران، وتركيا، التي تســعى كل منها لنفوذ ثابت داخل الأراضي السورية.

وحول الحراك الجديد لروســيا شــرقي الفــرات، يقول الخبيــر السياســي عرابي عبــد الحي عرابي إن موســكو تتحرك شــرقي الفرات للوصــول إلى تحجيــم النفوذين الإيراني والأمريكي في المنطقة، وقد سلكت لذلك آليّات عدّة، أبرزها استقطاب العشائر العربية لصالح تجنيد أبنائها مع ميليشيا الدفاع الوطني التي تشرف عليها روسيا. وإرسال إشــارات مختلفة لإيران – كتســيير دوريــات في مناطق نفوذها، أو اعتقال قيادات عســكرية تابعة لها- تؤكّد سعي روســيا لتحجيم نفوذها. فضلاً عن رعاية روســيا لاتفاقية بين مجلس ســوريا الديمقراطي­ة وحزب الإرادة الشــعبية الذي يترأسه قدري جميل في 31 من أغسطس/ آب 2020.

وكانت الخطوة الأخيرة، وفق المتحدث، آخر الإشــارات التي توضّح اســتراتيج­ية روســيا للتغلغل شرقي الفرات، تشــير إلى مراعاة روسيا لهواجس الأكراد في المنطقة، ومن ثمّ تمحورت أبرز بنود الاتفاقية حول كون «سوريا الجديدة، هي ســوريا موحّدة أرضاً وشــعباً، وهي دولة ديمقراطية تحقق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية» وأن «الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية». والمطالبة بـ»حل ديمقراطي عادل للقضية الكرديــة» مع الإبقاء على «الإدارة الذاتية لشــمال وشرقي سوريا» وتطوير التجربة على المســتوى الوطني العام، ودمج «قسد» ضمن «الجيش السوري» على أساس صيغ وآليات ســيتم التوافق عليها، وإشراك «مسد» في العملية السياسية بكافة تفاصيلها وعلى رأسها اللجنة الدستورية السورية.

ويمكن بناء ســيناريوه­ات عدة لمآلات الوجود الروسي في المنطقة، هي وفقاً لعرابي، المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة: حيث يهدد الحضور الروســي في الشرق مكاسب الولايــات المتحدة، خاصة فــي مجالي النفــط والغاز، كما أنه يهدد مكاســب الأكراد أنفســهم، مما يدفع هذه الأطراف لتصعيــد التوتر فيما بينها، وقد تعرضت دوريات روســية عــدة لمضايقــات مــن الدوريــات الأمريكية، وقــد حصل عكس ذلك أيضًا، ممــا يوصل الطرفين لحالــةٍ من المواجهة العسكرية، وهو ما تظهر بوادره، بإرسال الولايات المتحدة، آليات مدرعة متعددة المهام من نوع «برادلي» للانتشــار في قواعدها شــمال شرقي ســوريا وحول حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها «قسد».

والحذر متبادَل، حيث تســتمرّ أنشطة روسيا بالتصاعد في المنطقة بالتوازي مع مســاعي الولايات المتحدة لضمان مكاســبها ودمج الفرقاء الأكراد ضمن هيكلية جديدة شمال شرقي ســوريا، والعمل على إرضاء تركيا ودفعها لعدم شنّ هجوم جديدٍ في المنطقة.

عموماً، ليس من مصلحة روســيا الانســحاب من شرقي الفرات، «حيــث إنها اســتغلت الفرصة لتثبيــت وجودها في المنطقة عندما تدخلت تركيا لتكــون طرفاً موجوداً على الأرض لتزيد الأوراق التي تملكها ضدها، وبانســحاب­ها من المنطقة فإن ذلك يؤدي لانهيــار الاتفاق بين الطرفين وعودة التوتر، كمــا أنه من الضروري لصالــح مختلف الأطراف - تســكين المنطقة حاليًّا بحيث تكون هنــاك مفاوضات أو حوارات تؤدي إلى نتائج إيجابية».

 ??  ?? متظاهرون أكراد يرشقون آلية عسكرية روسية في الحسكة على الحدود السورية مع تركيا
متظاهرون أكراد يرشقون آلية عسكرية روسية في الحسكة على الحدود السورية مع تركيا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom