Al-Quds Al-Arabi

«ميدل إيست آي»: سكان شمال سيناء بين مطرقة الجيش المصري وسندان تنظيم «الدولة» ولا أحد يحمي المخبرين

-

نشــر موقع «ميدل إيســت آي» في لندن تقريراً لمراسلها في شمال ســيناء، مصر، قال فيه إن أعداداً كبيرة من أبنــاء القبائل البدوية الذيــن عملوا مع الجيش المصري منذ عــام 2014 كمخبرين تعرضوا للقتل بسبب غياب الحماية لهم من الجهة التي عملوا معها ووفروا المعلومات لها. وجاء في التقرير أنه في 25 آذار/مــارس اجتمع أفراد من عشــيرة الدواغرة لتناول العشــاء عندما حضرت أربع شاحنات «بيك آب» تحمــل 23 مــن مقاتلــي تنظيم «الدولــة» إلى قرية العوامرة في بير العبد، شــمال ســيناء. وقال مغنم وهو أحد أبناء العشــيرة «خــرج التكفيريون من الســيارات وأطلقوا طلقــات تحذيرية وضربوا رجلين وتبادلوا الشــتائم معهمــا» و»أمروا الرجال برمي أســلحتهم وأخذوا بطريقة عشــوائية معهم 14 شــخصاً ثم اختفوا». وقال إن «المسلحين حملوا أسلحة خفيفة وســكاكين ورشاشا ثبت على واحدة من العربــات، ووصفونــا بالمرتدين لأننا نســاعد الجيش كمرشــدين وعملاء» مضيفــا أن المختطفين آباء وأبناء وأبناء عم مرتبطون برابطة الدم.

وقال إن المســلحين تحركوا في بير العبد بحرية حتى وصلــوا إلى العوامــرة و«هم يعرفــون أنهم قادرون على التحرك بسياراتهم لعدم وجود الجيش والشرطة».

وتعتبر عائلــة الدواغــرة واحدة مــن القبائل الســيناوي­ة التي تقدم الدعم والإرشاد للجيش منذ 2014 وصعود فرع تنظيم «الدولة» في شبه صحراء سيناء.

تجنيد أبنائها كعملاء أو كميليشيات مسلحة

ومنذ عملية الاختطاف تنتظر القرية على أحر من الجمر معلومات من الجيــش أو الخاطفين الذين قد يطلبون الفدية. إلا أنهم ومن ضمنهم مغنم، يخشون الأسوأ، فقد شــاهدوا إعدام أقاربهم وأصدقائهم في أفلام فيديــو دعائية للتنظيم. وتقــدم معاناة مغنم مثالاً عن الحياة القاســية المفروضــة على آلاف من سكان شمال ســيناء الذين يعيشــون وسط نظام عســكري وجماعة متشــددة، ومناخ لا يسمح فيه للصحافيين بالدخول لمناطقهم والكشف عما يجري. ورغم البيانات التي تؤكد للمصريين وصور الفيديو التي تبثها محطات التلفزة لنشــر الشعور بالرضى وأن الخطر الذي يمثله المتشددون قد تم محوه إلا أن سيناء لا تزال تعيش كابوساً لسكانها.

وهــذا حقيقــي للقبائــل البدوية التــي تعيش قرب الحدود مع غزة وإســرائيل، وهو واقع يشمل التعذيب والاعتقال والقتل خــارج القانون ونقص الميــاه وانقطاع التيــار الكهربائــ­ي والتحرش من المتشددين.

وفــي محاولتها لمواجهة تنظيــم «الدولة» لجأت قوات الأمن المصرية لمســاعدة القبائــل البدوية من خلال تجنيد أبنائها كعملاء أو كميليشيات مسلحة. ورغم حوادث الاختطــاف والقتل إلا أن القليل كتب عــن هذا الواقع باســتثناء المقالات التــي تبالغ في الــدور الوطني الذي تلعبــه القبائــل البدوية في مواجهــة التمرد. ومنــذ عــام 2013 وتزايد العنف فــي المنطقة وجــد أبنــاء القبائل الذيــن تطوعوا للتعــاون مــع الجيــش أو عملوا مكرهين أنفســهم وحيديــن لمواجهة مصيرهم. وقتل عــدد كبير منهم وتركت أجســاد الكثيرين منهم مشوهة أو اختطفهم المســلحون وبدون ذكر لهم فــي الصحف المحلية أو بيانات الجيش أو تكريم عائلاتهم.

وتحدث مراسل الموقع مع عائلة مخبر قتيل وعدد آخر من العائلات البدوية التي هدد أبناؤها وأجبروا للتعاون مع الســلطات. ويعود التعاون بين الجيش المصــري والقبائل البدويــة إلى عــام 1967 عندما احتلت إسرائيل شمال وشرق سيناء.

وفــي أدبيات ما قبل حــرب 1973 تم التأكيد على الدور المهم الــذي لعبته القبائل فــي قيادة القوات المصريــة وعناصــر القــوات الخاصة وثنــاء عدد من القادة العســكريي­ن على كفــاءة وولاء القبائل البدوية. ويقول سلمان، أحد قادة القبائل البارزين «بعد اســتعادة مصر ســيناء لم تتــم مكافأة البدو والعشــائر». و «لا تزال منطقة شــمال سيناء حتى اليوم دون بنى تحتية وخدمــات جيدة أو اعتراف وطني».

و»يتم تصويرنا إما كجواســيس موالين للجيش أو تكفيريــن، وأجبرونا على أن نكــون واحداً من الإثنــن ولا يســتطيع الواحد أن يكــون محايداً». ويبلغ سلمان من العمر 60 عاماً واعتقل في 2004 بعد تفجيرات طابا. وظل كما يقول معصوب العينين لمدة 18 يوماً وحقق معه في مبنــى المخابرات العامة في شمال سيناء. ولم يفرج عنه إلا بعد تعهده بالتعاون مع الســلطات والبحث عن مواقــع عناصر جماعة التوحيــد والجهاد، وهي أول حضور للمتشــددي­ن في شــمال ســيناء. وهددوا باعتقال زوجته إن لم يتعاون، وهو أسلوب معروف لتحويل المدنيين إلى عملاء كما يقول ســلمان. وقال «نحن بدو ولا نملك أي شــيء غير الشــرف وعليّ أن أعمل هذا لحماية عائلتــي». و»يقــوم الضباط باســتخدام أي نقطة ضعف لتجنيدك: ابنك المريض، زوجتك او ســجلك الجنائي وبيتك .»

تهمة التعامل مع الجيش

وتعتبر نقــاط التفتيش والوحدات العســكرية هي المكان المناســب لاختيار المخبريــن حيث تقوم المخابــرا­ت بمراقبة المســافري­ن. واعتقــل فياض، أحد أبناء العشــائر والذي يعمــل موزع خضروات بين الســويس والإسماعيل­ية وشــمال سيناء أثناء اعتقالات جماعية خلال حملة سيناء عام 2018. وقال «لدي سجل جنائي يتعلق بالتهريب ويعود لسنوات ســابقة. وقال لي الضابط إنه قد يسجنني لسنوات لو لم أتعاون» و»اســتخدم حاجتي الشهرية للسفر مع ابنتي إلى الســويس لمعالجة الكلى». وكانت أول مهمة هي جمع المعلومات عن تجار الخضروات الذين

ينقلون البضائع للمتشددين.

وزور فياض بعض الأســماء لكنه اعتقل وعذب، وبعد الإفــراج عنه وجد أن الضابط المســؤول عنه نقل إلى مديرية أخــرى. وكان فياض محظوظاً، أما موســى عثمان الذي كان يعمل في مديرية إمدادات شمال ســيناء فقد اختطف ووجهت له تهمة التعامل مــع «الجيش المصــري المرتد» ثم قتل. و»اكتشــفنا لاحقا أنه كان يقدم تقارير للجيش عن تجار السوق السوداء الذين يبيعون البنزين للمتشددين». وبعد شــهر من مقتله أطلقت محافظة شــمال سيناء اسم مركز رياضي في بير العبد باســمه. لكن لم يتم تذكر غيره من الذين ســاعدوا الجيش، ففــي 25 أيلول/ سبتمبر 2016 تلقت عائلة حسين أبو درويش مكالمة من الشــرق قالت فيها إنها عثرت على جثة مشوهة له. وقــال مصدر في العائلــة إن درويش تعاون مع الجيش مرات عــدة. وقدم معلومــات عن تحركات المتشــددي­ن وأماكنهــم والتي اســتخدمت لمهاجمة الموقــع. وفي ذلك الوقت اتصل درويش بمســؤوله أكثر من مــرة وعندما رد أخيراً قال له «لا أســتطيع مساعدتك، إحم نفســك». وفي اليوم التالي اعتقله المتشددون وحققوا معه وقتلوه.

وينشــر فرع ســيناء لتنظيم «الدولة» منذ 2013 أشــرطة فيديو لتحقيقات مع متعاونين مع الجيش، إســرائيل والمنظمــا­ت المســلحة المواليــة للجيش المصري. وعلى مدى الســنوات اســتخدم التنظيم خبرات رجال الأمن السابق ومقاتلين من غزة وليبيا والعراق وسوريا. وقال قريب درويش «هذه ليست معركتنا» «يجلب الجيش والشرطة المخبر للحصول على معلومات وأسماء ثم يترك ليواجه مصيره دون حماية».

وبالإضافــ­ة للمخبرين الذين يتم إكراههم، هناك من يتطوعون أمــاً بالحصول علــى مكانة ومنافع شــخصية ومال، كما يقول أستاذ المدرسة سامح من قبيلة الترابين، أكبر القبائل الموالية للحكومة. وقال ســامح إن بعض فروع القبيلة تســتفيد من «شــهر العســل بين الجيش واتحاد قبائل ســيناء» ويرى أن العلاقة إشكالية «فكيف نضمن ألا تقوم العائلات المسلحة بمعاقبة أعدائها وتزعم أنهم أعداء؟ وكيف ســنضمن أن المســلحين الذين يعملون من الجيش في اعتقال المدنيين ألا يســتهدف جاره المدين له؟». وقــال إن «الدولة» عفت عن عائلته وســامحتها من كل الجرائــم التي ارتكبتها قبــل 2011 و «قبل 2011 كنا نتاجر بالمخــدرا­ت وأصبحنا الآن مقاتلين أبطالاً يحاربون الإرهاب».

وفــي 2019 حذر تقرير لمنظمــة «هيومان رايتس ووتش» من اســتخدام الجيش ميليشــيات موالية للحكومة والتي تســتخدم «قواتها الفعلية لاعتقال المواطنين وتصفية الحسابات الشخصية» واتهمها بالتورط في عمليات قتــل خارج القانون. وانتقدت ممثلة شــمال ســيناء في البرلمان عايدة السواركة تقرير المنظمة والمقابلات التي أجرتها. ونفت للموقع إجبار الجيش المواطنين على التعاون معه أو تركهم دون حماية.

 ??  ?? سيارة محترقة إثر هجوم للجيش المصري على مسلحين في العريش شمال شبه جزيرة سيناء عام 2018
سيارة محترقة إثر هجوم للجيش المصري على مسلحين في العريش شمال شبه جزيرة سيناء عام 2018

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom