حرمان عالم إسرائيلي من جائزة مهمة لمناهضته الاحتلال ومناصرته لحملة المقاطعة «بي دي أس»
تواصل إســرائيل محاولة خنق الانتقادات الدولية الموجهة لانتهاكاتها عبر اتهام من يقدمها بمعاداة الســامية، لكنها تلاحق أيضا كل من يجرؤ من اليهود والإســرائيليين على رفض الاحتلال والممارســات العنصريــة. وآخر تجليات ذلك حرمان أســتاذ جامعي متفوق من جائزة مهمة بسبب مناهضته للاحتلال وتأييده لحملة المقاطعة الدولية المعروفة بـ «بي دي أس.»
وهذه المــرة انضمت محكمتها العليــا لهذه الملاحقــات بقبولها طلب وزير التعليــم، يــوآف غالنت )الليكود( بفحــص ما إذا كان فــي إمكانه رفض منح «جائزة إسرائيل» في الرياضيات وعلوم الكومبيوتر إلى البروفيسور والرفيق في الحزب الشــيوعي الإســرائيلي والجبهة الديمقراطية للســام والمساواة عوديد غولدرايخ.
قبل ذلك قررت لجنة جوائز إسرائيل منح هذه الجائزة المرموقة للبروفيسور غولدرايخ من معهد وايزمان للبحوث العلمية التطبيقية، لأبحاثه في موضوع التعقيد الحسابي ضمن علوم الحاسوب.
ورغم توصية اللجنة، طالب غالنت بمنع تســليم الجائزة معللا ذلك بالقول إن غولدرايــخ وقع على نــداء إلى البرلمان الألماني لإلغاء قــراره اعتبار حركة مقاطعة إسرائيل حركة معادية للسامية، وطالب إضافة لمحاضرين آخرين، الاتحاد الأوروبــي بوقــف التعاون مــع جامعة أريئيل المقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وقــال للإذاعــة العبريــة أمــس إن البروفيســور غولدرايــخ ربمــا يكــون باحثــا مبدعا لكن دعمــه لحملة المقاطعة الدوليــة ومقاطعة جامعــة «أرئيل» هو بمثابة «بصقة في وجه إســرائيل ووجه الأكاديمية الإســرائيلية ». وتبنى القضاة يتســحاك عميت، نعوم سولبرغ وياعيل فلنر موقف غالنت والمستشــار القضائي لحكومة الاحتلال والمعنى الضمني للقرار هو أن البروفيسور غولدرايخ لن يحصل على «جائزة إسرائيل» في الحفل القريب الذي سيقام في «يوم الاستقلال.»
قرار جبان
في تعقيبه على القرار قال النائب أيمن عودة: «الرفيق غولدرايخ هو صوت ناقد مهم للإنسانية، وقرار منع منحه «جائزة إســرائيل» هو قرار جبان ومبهم، معتبرا أن القرار لا يبعث السرور أبدا، ولكن لهذا السبب تحديدا من المهم الإصرار عليه، أمام الاتجاه المقلق نحو تعميق الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان.
واعتبر عضو الكنيســت اليهودي في القائمة المشــتركة عوفير كســيف أن حرمان البروفيســور غولدرايخ مــن الجائزة يعكس الحقيقة أن الســلطات الظلاميــة دائما تنتج أعداء من الداخل من أجل تعزيز قوتها. وقال كســيف إن المحكمة العليا تشرعن» صيد الساحرات» لملاحقة من يجرؤ على العمل لتغيير طابع الدولة.
وتابع «في مقدور وزيــر التعليم غالنت مواصلــة التحريض على صديقي غولدرايخ في محاولــة لترهيب أصحاب الأصوات الناقــدة وأنا أدعو أعضاء لجنة الجائزة والحائزين عليها لمقاطعة طقوس منح الجائزة لهذا العام.»
شرعنة انتهاكات الاحتلال
وقالت زميلته النائب عايدة توما ســليمان إن «الملاحقة السياســية للرفيق عوديد غولدرايخ هــي ملاحقة لكل من يؤمن بالعدالة والمســاواة، معتبرة أن محاولات إخراس الأصوات التي تؤمن بالعدالة والمســاواة وحقوق الإنسان والمناهضة للاحتلال تتكرر بكثرة في الفترة الأخيرة ضد السياسيين والفنانين والأكاديميــن، وهي ليســت إلا محاولات لشــرعنة الانتهاكات الإســرائيلية اليومية بحق شعبنا الفلسطيني. وأضافت» الرفيق عوديد إن تسلم الجائزة أو لم يتســلمها سيبقى واحدا من أبرز الباحثين في مجاله، والأهم من ذلك، صوت مناهض للاحتلال والعنصرية ومناصر لحقوق الإنسان».
وقال محامي غولدرايخ، ميخائيل سفارد بلهجة ساخرة لصحيفة «هآرتس»
إنــه على ما يبدو فــإن غولدرايخ مذنــب بارتكاب جريمة ليســت جديدة في إسرائيل اليوم. وتابع «شكل المستشار القضائي العام، مع وزير التعليم، مسارا مكارثيا واضحا لرفض «جائزة إســرائيل» لمن يعارض الاحتلال والأبارتهايد، وبالتالي استبعاد معسكر سياسي كامل في إسرائيل» مؤكدا ان استمرار وزير التعليم في البحث عن تصريحات غولدرايخ السياسية واستخدامها في تسمين القوائم الســوداء التابعة للمنظمــات الملاحقة للأكاديميين والفنانين بســبب آرائهم السياسية، أمر مستنكر ومثير للسخرية.»
«هآرتس»: كف الشر يا غالنت
وكرســت صحيفة «هآرتس» افتتاحيتهــا للموضوع وقالــت فيها إن وزير التعليم، غالنت يواصل محاولاته الباعثة على الشــفقة بحثا عن تحريك حالة الركود داخل وزارة التعليم، فقد رفض مؤخرا مرتين منح جائزة اســرائيل في الرياضيات وعلوم الحاسوب للبروفيســور عويد غولدرايخ من معهد وايزمن لاعتبارات سياســية بدعــوى أن عولدرايخ مؤيــد لحملة المقاطعــة الدولية لإسرائيل. ونوهت «هارتس» انه ومع أن نظام جائزة إســرائيل يسمح لوزير التعليم بأن يطلب نقاشا إضافيا في اللجنة ولكنه يقضي أيضــا بأن «القــرار الثاني للجنة سيكون نهائيا» ولم يتبقَ لأعضاء اللجنة خيار إلا الالتماس الى العليا.
وتابعــت «هآرتس» فــي افتتاحيتها تحت عنوان: «كف عن الشــر يا غالنت» ان «علــى وزيــر التعليــم أن يوضــح بانه في ختــام يوم الاســتقلال القريب ستمنح الجائزة للبروفيسور غولدرايخ علــى بحوثه فــي موضــوع التعقيدات الحســابية. كل رد فعل آخر مرفوض. اذا لم يكن الوزير غالنت يفهم هذا بنفســه، فيجدر بالمحكمة العليا ان توضح له بانه لا ينبغــي أن توصم الجائــزة المهمة في إســرائيل باعتبارات سياسية من درجة دون على نحو خاص».
يشــار إلــى أن المحكمة الإســرائيلية العليا رفضت ايضا في الماضي التماسات ضد منــح الجائزة إلــى أســتاذ العلوم السياســية في الجامعة العبرية الراحل زئيف شطيرنهل، والفنان يغآل تومركين. وكشفت صحيفة «هآرتس» عام 2015 عن أن مكتب رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، منــع تعيين ثلاثــة أعضاء في لجنتي حكام للجائــزة، واعتبر نتنياهو حينها أنه «لا يعقل أن تســيطر مواقف مؤيدة للفلسطينيين في مجالات معينة على جائزة إسرائيل».
وفي سياق متصل قدم عضو الكنيست آفي ماعوز عن حزب )نوعم( شكوى إلى ضابط الكنيســت، زاعما فيها أن أحد الضيوف في مراسيم «كل شخص له اســم» الذي أقيم في الكنيســت لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، شتمه وتمنى له حتى الموت. وحسب ماعوز، فإن الضيف اقترب منه وقال «ألا تخجل من حضور مثل هذا الاحتفال تخليدا لذكرى الذين أحرقوا في الهولوكوســت، من المؤسف أنك علــى قيد الحياة، ومن المؤســف أن والديك لم يحترقا هنــاك فأنت تتبنى أفكارا نازيــة». الى ذلك قرر نتنياهو، أول من أمــس، عدم التعاون مع تحقيق الجنائية الدولية بعد الاجتماع مع كبار الوزراء والمســؤولين قبل انقضاء مهلة يوم الجمعة للرد على خطاب إخطار من المحكمة.
وعقد نتنياهو مداولات حول شــكل الرد على رســالة المدعية العامة لمحكمة الجنايــات الدولية فاتو بنســودا، بمشــاركة وزير الأمن الإســرائيلي، بيني غانتــس، ووزيــر التربيــة والتعليم، يوآف غالنــت، ووزير الطاقــة، يوفال شــطاينيتس، والمستشــار القضائي للحكومة، افيحــاي مندلبليت، ورئيس مجلــس الأمن القومي، مئير بن شــبات، والمدعي العســكري شــارون افيك، ومسؤولين آخرين.
وتقرر في نهاية المداولات أن «توضح إســرائيل للمدعية العامة في المحكمة، بنســودا، أن ليس لديها صلاحيات للشروع في تحقيق ضد إسرائيل، وأنها لن تتعاون معها» حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.
وكانت الجنائية الدولية قد فتحت تحقيقا في مارس/ آذار الماضي في «جرائم حرب» ضد إسرائيل في الضفة الغربية وغزة.