Al-Quds Al-Arabi

التمر عريس موائد المغاربة في رمضان... الوفرة والسعر المنخفض يدعمان عشق فاكهة الصيام بامتياز

- الرباط ـ «القدس العربي» من عبد العزيز بنعبو:

"الخير موجود والثمن مناســب جــدا"، قالها عبد الله وقــد علت محياه ابتســامة رضى، وهو يقف وراء بضاعته المتنوعة والتي ملأت الواجهة الأمامية لمحله.

بجانــب محــلّ عبــد اللــه، تصطف عشــرات المحلات الأخرى، جلها تخصــص في بيع التمور على تعــدد انواعهــا وأصنافها ومنبعهــا أيضا، حيث توزعت بــن تمور مغربيــة محلية تنتج في واحات المملكــة، وبين تمور مســتوردة وخاصة تلــك الواردة مــن تونس والإمارات والســعودي­ة وبلدان عربية أخرى.

هكــذا إذنْ، يغيــر عدد مــن التجــار بضاعتهم مع اقتراب شــهر رمضان الكــريم، ويعتلي التمر الواجهة بحكم استهلاك المغاربة لهذه المادة التي تقتــرب من الــروح أكثر من البطــن، لكن الملاحظ خلال هذه الســنة هي تلك الوفرة الغزيرة للمُنتَج المحلــي الذي بات ســيد الطلــب والعــرض معا، إضافة إلى الســعر الذي انخفض بشكل ملحوظ بالنسبة لمختلف الانواع.

حتى نوع التمر الشهير في المغرب بـ"المجهول"، صــار في المتناول ولم يعد يســتعصي على ذوي الدخــل المحــدود، فقد صــار في إمكانهم شــراء كميــة لا بــأس بهــا منه والتلــذذ بطعمــه الذي لا يضاهــى، فقد نــزل ثمن نوعه الرابــع إلى ما بين 45 و50 درهما )ما بين 5 دولارات أمريكية و5,59 دولار( سنة 2021 .

اما الأنــواع الأخــرى والمتوفــر­ة بكثــرة، فقد توزعت بــن "بوفقوس" الذي يبلغ ســعره حاليا بين 54 و50 درهمــا، و"الجيهل " الذي بلغ بين 25 درهمــا )2,80 دولار( و30 درهمــا )3,36 دولار(، و"الســاير أو الخلــط" الذي يتراوح بــن 20 و30 درهمــا، أضافــة إلى نوع يســمى "بوســتحمي" والــذي لا يتعدى ثمنه بــن 15 و18 درهما، ورغم اختلاف أسعارها، فإنها تتوفر على نفس القيمة الغذائية.

لكــن الحديــث عن تمــر "المجهــول" يجرنا إلى لحظــة فــرح مغربية كبيرة، تعيشــها الأســر في مناســبات معينة وحفــات عائليــة ويكون فيها التمــر مــن نــوع "المجهول" عربــون تقديــر وكرم الضيافــة، كمــا انــه عربــون تميــز في الســابق لطبقــة من الأثريــاء، لكن اليوم وحّد الســعر بين مشتهيات الأثرياء والبسطاء.

وفــي خضــم الحديــث عــن الســوق ووفــرة المنتــوج وســعره المنخفــض، لنتجــول قليلا في موائــد المغاربــة الرمضانيــ­ة حيث يصبــح التمر عريسها دون منازع، ويقارب في مقامه مشارف التقديس الروحي، لأن اســمه يحيل على الشــهر الكريم مباشــرة كما هو حال "الشباكية )حلوى تقليدية( و"الخرقة" و"سلو" أو الزميطة" )خليط مــن الحبــوب والأعشــاب والســوائل( وطبعــا "الحريرة" )شوربة( التي من دونها لا يحلو فطور المغاربة في رمضان.

الأكيد أن عشق التمر وحّد كل البلدان العربية المنتجة والمســتهل­كة أيضا، ولا نظن أن بلدا عربيا يخلو نخيله مــن تمور متنوعة ومتعــددة وحلوة وطيبــة، لكــن للمغاربة قصصا معــه فهو عربون ضيافــة وكــرم، وعنــوان تقديــر واحتــرام، كما انــه رمز للأخوة يقدم لكل عزيــز طرق الباب إلى جانــب الحليب، فالبيــاض مع فاكهــة رطبة هي بوابة الولوج إلى القلب والثقة أيضا.

وليــس مــن بــاب الصدفــة أن يكــون المغرب هو ســابع منتج فــي العالم للتمــور، والذي يبلغ عــدد أنواعهــا أكثر مــن 400 نــوع، تنتجها نخيل مناطــق مثل طاطا ورززات والرشــيدي­ة وزاكورة وتافيلالت.

لكن الحقيقة أن اســتهلاك التمــور في المغرب مرتبط بشكل أساسي بشهر رمضان، حيث يكثر الإقبال عليه في مقابل تراجع مشتريات المغاربة منها في باقي السنة، وكانت إحصائيات لوزارة الفلاحة أفادت بأن اســتهلاك المغاربة من التمور لا يتعدى 3,15 كيلوغرام للفرد في العام الواحد.

عدنــا إلى عبــد الله بائع التمور، وســألناه عن الاســتهلا­ك، فقــال إن إقبــال المغاربــة على هذه الفاكهة المميزة يكون في شــهر رمضــان بكثرة، اما باقي الســنة فقليل جدا، ويرتبط بالمناسبات أو بسبب إعداد الحريرة بين الفينة والاخرى في مساءات عائلية.

وأكدت سيدة ما صرح به التاجر، وقالت إنها تشــتري حاجيات أسرتها من التمر خلال الشهر الكــريم، قبل أيام حتى تكــون متوفرة على مائدة الإفطار.

وعــن الأســعار، لاحظت أنها مناســبة مقارنة مــع ســنوات ســابقة، وأن كل مواطــن يشــتري على "قــد جهــده" وإمكاناتــ­ه المادية، وأشــارت إلى أن الكل بإمكانهــم أن يعودوا بكمية محترمة مــن التمور إلى منازلهم علــى اختلاف مداخيلهم وميزانياته­م المالية.

بالعــودة إلــى الســوق ووضعيــة التمويــن، كشــفت إحصائيــات لمهنيــي التمــور، أن المغرب يعرف إنتاجا قياســيا للموســم الزراعي الحالي 2021/2020. مؤكدين أن الإنتاج المحلي قياســي هذا العام، فقد تجاوز 147000 طن، كما أن وزارة الفلاحة والصيد البحري تتوقع زيادة بنسبة 4٪ مقارنة بالموسم الســابق، حيث سجلت مستوى جيد جــدًا بلــغ 143000 طن، وعزت الــوزارة هذا التحســن إلى التســاقطا­ت المطرية الأخيرة التي أنعشت الموسم الفلاحي في المغرب.

وبإطلالــة علــى ســريعة على الاســواق، أول ما يســجله الزائر هــي الوفرة والتنــوع، وتمازج الأنــواع المحليــة مــع المســتورد­ة، لكــن الملاحظة الاخــرى التــي يســجلها الباعة مــن جهتهم هي ضعف الإقبــال، مؤكدين أنهم يعيشــون مفارقة كبيــرة، ففــي الوقــت الذي توفــرت فيــه التمور بكثرة وبأثمنة جد مناســبة تراجــع عدد الزبائن المعتادين عن اقتنائها.

وهنا يقــول التاجر محمد إن عمليــة البيع تتم ببطء عكس الســنوات الماضية، لكنها أفضل من الســنة التي ودعناهــا 2020، حيث كانت جائحة فيروس كورونا في اوجها.

ويضيــف محمد مؤكدا، أن الأمر ليس ســلبيا جدا لكنه نوعا ما غيــر متوقع لأن التموين متوفر

والســعر في المتنــاول، لكنه يســتطرد ويقول إن الظروف بشكل عام لا تسمح بالكثير من التفاؤل، فالجائحة لم تترك للناس مجالات للتفكير سوى في الخروج من الازمة الصحية بســام. محمود، تاجــر آخر، يــرى أن ظــروف الجائحــة لم تحل مطلقــا أمــام توفيــر التمويــن بكثرة، بــل كانت مضاعفة علــى الأيام العادية. وعبّــر عن تفاؤله، مشــيرا إلى أن الأيام القليلــة المقبلة هي الفاصل الحقيقي، وتســاءل: من يدري، فقــد يكثر الطلب وتنفد البضاعة.

ولفت محمود في حديثه، إلى نقطة هامة وهي كون العــرض يفوق الطلب بكثيــر، لذلك يبدو أن الإقبــال قليل، لكن الحقيقة حســب المتحدث هي أن الوتيــرة عادية، بل إن الإقبــال قد يكون كثيفا في مناطق أخرى من المغرب.

تبقــى ثمــة حقيقــة يجمــع عليهــا التجــار والمواطنون كــون المنتج المغربي مــن التمور أكثر إغراء هذه الســنة، ولعل السبب يعود بالأساس وفــق تصريحات صحافية لمهنيــن، إلى الجودة والســعر، بحيث تمكن التمر المغربي من منافسة تمــور اخرى، خاصة علــى مســتوى الثمن الذي كان يشكل حاجزا حقيقيا أمام ترويج ما تطرحه أشجار النخيل المغربية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom